تزوجنا في تركيا ونخشى نهاية كل شهر
رجل كبير في السن يجلس في أحد أحياء مدينة زملكا التي تعرضت للقصف المباشر بالصواريخ الكيماوية في عام2013. الصورة بتاريخ 20-08-2017.
"كانت أمه في كل مرة تتحدث فيها مع أمي تقوم بالتلميح لها عن موضوع خطبة وزواج. لكنها لم تتحدث بشكل مباشر، إلى ان جاء يوم وتحدث هذا الشاب معي بحجة انه يريد الاطمئنان على أهلي "
عندما تركنا منزلنا في بداية شهر آذار/مارس 2013، لم نكن نعرف أنها ستكون مغادرة بلا عودة.
خرجنا باتجاه مدينة إدلب، منطقة جبل الزاوية. كانت إحدى عماتي متزوجة وتسكن هناك. حاولنا العثور على منزل لنستأجره. لكن دون جدوى. فالقرية صغيرة جداً، وأصبحت مكتظة بالسكان الوافدين إليها. لكن لحسن حظنا جاء شخص من معارفنا وأبلغنا أنه وجد لنا منزلاً في قرية اخرى قريبة.
ذهبنا على الفور الى ذاك المنزل، وأقمنا فيه. كان المنزل عبارة عن 3 غرف. لم تكن مجهزة بالكامل. لكنها كانت مناسبة جداً بالنسبة لوضعنا وحاجتنا. كان صاحب المنزل يعمل كطبيب. لم يكن متزوجاً حيث كان يكمل اختصاصه في حلب. ولم يكن يأتي الى القرية إلّا نادراً.
كانت تسكن في الطابق الاول عائلة أخيه المؤلفة من 7 أولاد، 6 ذكور وابنة واحدة، بالإضافة إلى الأم والأب. كانوا عائلة طيبة جداً وبسيطة جداً. كانوا يعاملوننا كأننا عائلة واحدة. كنا نأكل معاً ونجلس معاً ونسهر معاً. أمضينا أجمل الايام في هذه القرية، حيث كان الجيران وكل من في الحي طيب القلب ويعاملوننا بكل طيبة ومودة.
كان الإبن الأكبر لهذه العائلة يدرس الهندسة في مدينة حلب. أثناء إقامتنا هناك لم نره سوى مرتين فقط. تركنا القرية بعد قرابة شهرين، متجهين إلى تركيا، حيث كان أخواي قد سبقانا إليها.
بعد مايقارب السنتين من تواجدنا في تركيا، جاء لزيارتنا الإبن الأكبر للعائلة التي كنا نقيم لديها. كان قد تخرج حديثاً من كلية الهندسة. بقي ما يقارب الأسبوع في تركيا ثم عاد إلى سوريا. كنا على تواصل دائم مع عائلته عن طريق الهاتف.
كانت أمه في كل مرة تتحدث فيها مع أمي تقوم بالتلميح لها عن موضوع خطبة وزواج. لكنها لم تتحدث بشكل مباشر، إلى ان جاء يوم وتحدث هذا الشاب معي بحجة انه يريد الاطمئنان على أهلي وأن أمه هي من طلبت منه أن يقوم بمراسلتي كي تطمئن على صحة أمي.
وبعد عدة مرات من الكلام بيننا، طلب مني الزواج. وسألني إن كنت اوافق عليه أم لا. وقال أنه طيلة هذه السنوات كنت في باله ومخيلته. رغم أنني لم ألتقِ به أكثر من مرتين … أذكر حينها أنني لم أجبه. حاولت التهرب من الإجابة وأخبرته ان القرار لأهلي في هذا الموضوع. وفي حال موافقتهم فأنا لا مانع لدي.
وعندما أخبرت أمي فرحت كثيراً، ورحبت بالفكرة بكل سعادة. فهو شاب محترم وبسيط ومتعلم. أخبرته بموافقة أهلي فتقدم لخطبتي رسمياً من أبي، الذي رحب هو أيضا بالفكرة بكل حب. الشاب كان لا يزال يقيم في سوريا. ويعمل مع إحدى المنظمات.
وعند موافقة أبي ترك عمله وجاء إلى تركيا في مطلع العام 2017، عن طريق التهريب، ليقوم بخطبتي. كان شرطي الوحيد أنني أريد البقاء في تركيا. وهو وافق دون أي تردد. وفعلا تمت الخطبة في الشهر الثالث من سنة 2017، وبقينا ما يقارب 7 أشهر في فترة الخطوبة.
في هذه الفترة هو بدأ بالعمل في مدينة انطاكيا. لم يجد أي عمل آخر افضل من هذا العمل. وكان يأتي لزيارتي في نهاية كل أسبوع. كان مضطراً للعمل من أجل تأمين تكاليف زواجنا والبيت الذي سنقيم فيه. بقينا على هذه الحال طيلة فترة الخطوبة. لا أراه إلّا في نهاية الأسبوع.
وفي بداية الشهر العاشر من سنة 2017 كان حفل زفافنا. كان ما يزال في نفس العمل. أخذ إجازة من عمله مده 15 يوماً. لكن مع الأسف لم يكمل إجازته. في نهاية الأسبوع الاول اتصلوا به وطلبوه للعمل. فاضطر للذهاب خشية أن يقوموا بفصله من العمل.
أمضينا الشهر الأول من زواجنا، وزوجي كل يوم يأتي ويذهب إلى انطاكيا. كان الأمر مرهقاً ومتعباً بالنسبة له، مما أدى إلى قراره بأن يعود للإقامة في أنطاكيا ولا يأتي إلّا في نهاية الاسبوع. وفعلا حدث هذا الأمر لكنه لم يدم أكثر من شهر. وعاد مرة أخرى للذهاب والمجيء كل يوم إلى انطاكيا.
وبقينا على هذا الحال حتى تاريخ الشهر الخامس من العام 2018، حيث تم فصله من عمله. حيث ان القسم الذي كان يعمل به تم ايقافه. ولم يعد هناك حاجة لوجوده. بقي يبحث عن عمل لفترة . لم يترك اي جمعية أو منظمة أو مكتب إلّا وطرق باب.ه لكن دون جدوى.
وفي شهر رمضان شاهد إعلاناً على موقع فايسبوك لأحد المراكز التجارية يطلب موظفاً مسؤولاً عن مستودع البضاعة. وذهب فوراً لطلب العمل والحمدلله تم قبوله. الراتب جداً قليل، لا يتجاوز 800 ليرة تركية. حيث انه بالكاد يكفي لدفع إيجار المنزل، وفواتير الكهرباء والماء.
ومع هذا رضي به وبدأ بالعمل، وما يزال يعمل في هذا المكان، على أمل أن يأتي يوم ويجد عملاً أفضل. وما يزال حتى اللحظة يقوم بالسؤال والبحث عن عمل أفضل. عمل يكون مناسباً له ولدراسته أو حتى يكون براتب أفضل، نستطيع من خلاله العيش بمستوى معيشي أفضل دون التفكير ما إذا كان سيكفي حتى نهاية الشهر أم لا.
بلقيس عمار (24 عاماً) من ريف حماة الشمالي تقيم في تركيا متزوجة وتبحث عن عمل.