“الهيئة الشرعية القضائية” سلطة جديدة في دير الزور
غيث الأحمد
(دير الزور، سوريا) – يقع مقر “الهيئة الشرعية القضائية في دير الزور” في مكان ما في المدينة التي تتبع لسيطرة كتائب المعارضة. لا تسمح الكتائب للصحفيين بذكر المكان “لأسباب أمنية”، على حد قول المسؤولين فيها. فالمعارك مع قوات نظام الرئيس بشار الأسد ما زالت قائمة والخوف كبير من إمكانية استهداف المقر. تأسيس الهيئة جاء بمبادرة من قبل الكتائب المعارضة المسلحة ذات التوجه الإسلامي التي أحكمت سيطرتها على الجزء الأكبر من المدينة وعلى الريف في صيف 2012.
يقول أبو أيوب قائد في “تجمع ألوية العباس“، إحدى الكتائب المتمركزة في دير الزور، إن سبب إنشاء الهيئة هو كثرة المشاكل داخل الأحياء “المحررة” والحاجة إلى ضوابط أمنية بالإضافة إلى فض النزاعات بين المدنيين وبين الكتائب العسكرية المتواجدة في المدينة. ويشرح أبو أيوب سبب اعتماد الهيئة على الشريعة الإسلامية بأن أغلب عناصر الكتائب تنتمي للدين الإسلامي وترغب بالشريعة كقانون وحيد يحكم البلاد. ويستطرد أبو أيوب قائلاً إنه لا يوجد وقت لأخذ رأي الناس بالإجماع أو بانتخابات وسؤالهم عن مدى موافقتهم على اعتماد الشريعة.
تجدر الإشارة إلى أن القسم الأكبر من المعارضة المسلحة في دير الزور ذو توجه إسلامي. وتتألف هذه الكتائب من “حركة أبناء الإسلام”، الألوية والكتائب التابعة للـ”مجلس العسكري”، “لواء الإسلام” وهو تابع لـ”جبهة تحرير سورية الإسلامية”، بالإضافة إلى الألوية والكتائب المستقلة وهي لواء “الفاتحون”، لواء “لا إله إلا الله محمد رسول الله،” لواء “جعفر الطيار”، لواء “مؤتة”، لواء “القعقاع”، لواء “أسود السنة”، “كتائب خالد ابن الوليد”، “تجمع ألوية العباس” بالإضافة إلى تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) الذي لم يشارك في الهيئة، لأسباب غير معروفة ولم يكن بالإمكان التحقق منها لتعذر الاتصال بالمسؤول عن هذا القرار.
“الهيئة الشرعية والقضائية” بمثابة الوجه المدني للكتائب. فكل كتيبة تقوم بإرسال شخص غير عسكري يمثلها في الهيئة الشرعية، يملك إجازة جامعية بالحقوق أو أنجز دراسة في الشريعة الإسلامية. أما رئيس الهيئة فيعين بالتوافق من قبل قادة الكتائب والألوية بالتوافق. وتتعهد الكتائب بالعمل على مناصرة “الهيئة الشرعية” في اتخاذ القرارات وحمايتها من أي اعتداء كان. ويبلغ حالياً عدد العاملين في الهيئة الشرعية 17 شخصاً بين قضاة ومحامين وإداريين، كلهم رجال وجميعهم من أبناء دير الزور.
بعض العاملين في الهيئة الشرعية يشكون من غياب التمويل الكافي لتغطية النفقات بين أجور ومصاريف وإطعام السجناء، والدعم الوحيد مصدره تبرعات المغتربين السوريين في دول الخليج إضافة إلى بعض الدعم من كتائب “الجيش السوري الحر”. ورغم هذا الدعم، يصر بعض أعضاء الهيئة على استقلاليتها في اتخاذ القرارات وعدم قدرة أي جهة على ممارسة التأثير عليها أو أن تملي عليها قراراتها.
ويشير أحد أعضاء “الهيئة الشرعية” بدير الزور، الذي لم يرغب في الإفصاح عن اسمه، إلى أن مصداقية الهيئة وسلطتها مرهونتان بالتفاف الكتائب المقاتلة والفاعلة على الأرض حولها، أي أن الهيئة قادرة فقط على إصدار الأحكام وتطبيقها إذا كانت تتمتع بدعم الفصائل العسكرية المتنوعة في دير الزور، وذلك لأن القوة في هذه الأيام هي بيد من يحمل السلاح، حسب قول العضو في الهيئة.
ويشرح أحد قضاة الهيئة الشرعية والقضائية في دير الزور حسين البسيس الذي يحمل إجازة في الحقوق من جامعة دمشق كيفية عمل الهيئة ويقول إنها تتألف من لجنتين كل لجنة مؤلفة من خمسة أشخاص من محامين وشرعيين، ويتم إصدار الحكم عن طريق التشاور والتوافق بين أعضاء اللجنة الواحدة. ويقول بسيس: “يتم إدخال المتهم إلى القاعة، تستمع اللجنة إلى المتهم وتنظر في قضيته، وخلال الجلسة يتم التشاور بين أعضاء اللجنة ومن ثم يتم إصدار الحكم وتطبيقه مباشرة. ولا يوجد حق النقض كما لا يستطيع المتهم توكيل محام للدفاع عنه”.
ويقوم جهاز شرطة تابع للهيئة بتنفيذ الأحكام، ويتكون هذا الجهاز من 50 عنصراً أغلبهم مقاتلين سابقين في الكتائب، والهيئة لديها سجن واحد واقع في أحد المقرات الأمنية السابقة التي سيطرت عليه الكتائب داخل المناطق التابعة لها في المدينة.
وعن أحكام القانون يقول البسيس إن الهيئة تعتمد “القانون العربي الموحد”. ومن المعروف أن هذا القانون مستمد من الشريعة الإسلامية وأقره وزراء العدل العرب في أواخر التسعينات من القرن الماضي لكنه لم يكن مطبقاً في سوريا. ويؤكد القاضي البسيس أن الهيئة لا تطبق الحدود المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية مثل قطع اليد أو الجلد أو قطع الرأس بسبب الحرب القائمة. وكمثال على ذلك ذكر حكم السارق الذي يصدر بحقه حكما مخففاً وينص على حبسه من ثلاثة حتى ستة أشهر ومن ثم “يستتاب”، أي يحلف على القرآن الكريم ويشهد عليه شخصان على أن لا يعود لهذا العمل مرة أخرى.
وقد أصدرت الهيئة منذ تأسيسها في أواخر السنة الماضية حتى أيلول/ سبتمبر الماضي أكثر من 500 حكم داخل دير الزور. ومعظم القضايا الخلافية التي تنظر فيها الهيئة تتعلق بالسرقة. ونوه أحد أعضاء الهيئة الذي لم يرغب في الإفصاح عن اسمه بأنه منذ تشكيل “الهيئة الشرعية” انخفضت ظاهرة السرقات في المدينة بنسبة كبيرة. ولا تسمح الهيئة لأي شخص بإخراج المقتنيات من مدينة دير الزور دون الحصول على موافقة منها، بعد التأكد من ملكيتها. ويتم تسجيل وتوثيق كافة التفاصيل بوجود شهود عيان.
ويؤكد أبو بكر، أحد سكان دير الزور، انحسار ظاهرة السرقة في مدينته. ويقول أبو بكر “عندما أردت إخراج أغراض من منزلي الكائن في حي الحميدية إلى خارج المدينة، ذهبت مع الأغراض إلى الهيئة الشرعية لتسجيلها هناك. وبعدما تم التأكد من ملكيتها، أعطوني وثيقة موقعة من الهيئة لعبور الحواجز والخروج من دير الزور”.
وفي المقابل هناك بعض الأصوات في دير الزور تنتقد عمل “الهيئة الشرعية والقضائية”. سعادة، على سبيل المثال، ناشط حقوقي في المدينة، طلب تغيير اسمه تجنبا لتعريض نفسه للمشاكل مع الكتائب الإسلامية في المدينة. يعتبر سعادة نفسه من مناصري القانون المدني ويدعو الهيئة إلى استشارة الناس حول مدى قبولهم بالشريعة الإسلامية كمشرع وحيد للبلاد ويطالب بالرجوع إلى القوانين السابقة.