الهدنة تعيد الطلاب إلى مدارسهم
الطلاب عادوا إلى مقاعدهم في مدرسة الشهيد هيثم البيوش تصوير مصطفى الجلل
"هبة كرهت المدرسة بسبب الطائرات، ولم تعد إليها إلا حين أخبرها والدها أنّ الطائرات لم يعد باستطاعتها قصف المدرسة"
بعد إعلان الهدنة، وغياب صوت الطائرات عن مدينة كفرنبل، بدأت المدارس تستعيد وضعها كما كانت عليه قبل الضربات الجوية المكثّفة… وعاد جزء كبير من الطلاب إلى مقاعدهم.
تعرّضت الكثير من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة ولا سيما كفرنبل، خلال الأشهر الأخيرة من العام 2016، لقصفٍ عنيف وغير مسبوق لطائرات النظام وحلفائه… ما أدّى إلى التغيُّب القسري للطلاب عن المدارس.
فالقصف عدو الطالب والحاجز الأخطر بينه وبين العلم. مرّت أيام على معظم مدارس كفرنبل، وهي خالية تماماً من الطلاب، حتى توقفت العملية التعليمية نهائياً.
إضافة إلى القصف، كان عامل الطقس سبباً في انقطاع الطلاب… فالأحوال الجوية كانت شديدة البرودة في كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير وشباط/فبراير، مع العلم أن معظم المدارس إن لم يكن جميعها لا تتوفّر فيها وسائل التدفئة.
عودة الطلاب إلى المدراس ترافقت مع اقتراب موعد امتحان الفصل الدراسي الأول، حيث يسعى الطلاب جاهدين لتعويض ما فاتهم من دروس.
أحمد وربا (12 عاماً) توأم في الصف السادس إبتدائي من كفرنبل، انقطعا عن الدراسة لأن والدتهما منعتهما من الذهاب إلى المدرسة، بسبب الخوف من تعرضها للقصف.
فقد كان استهداف النظام لمدارس بلدة حاس الملاصقة لكفرنبل، خيرَ دليل على أنّ الطلاب بخطرٍ شديد…
تقول والدة أحمد وربا واسمها أم عبدو (45 عاماً) لموقع حكايات سوريا: “بعد مشاهدتي لصور أشلاء الأطفال في بلدة حاس، ازداد خوفي على صغيرَي كثيراً، ومنعتهما من الذهاب إلى المدرسة خوفاً من أن يلقيا ذات مصير أطفال حاس! ليس لدي أدنى استعداد لخسارتهما، سأموت إن حصل لهما شيء”.
اليوم عاد أحمد وربا إلى المدرسة، لكنّ أم عبدو ما تزال خائفة عليهما… فالخوف لا يتبدد تماماً في سوريا، حتى لو كانت الهدنة موجودة.
هبة (11 عاماً) تروي لموقعنا أنها خرجت من باب المدرسة هاربةً، عندما سمعت صوتاً قوياً للطائرة تلاه صوت انفجار قوي… وسقطت على الأرض مع أصدقائها من شدة الخوف والركض… ثمَّ هربت إلى منزلِ جدِّها القريب من المدرسة.
تقول هبة: “أنا من الطلاب القلائل الذين لم ينقطعوا عن الدراسة أبداً، وأحب المدرسة كثيراً… لم أكن أخاف من صوت الطائرات، لكنني الآن أصبحت أخاف عند سماع صوتها، حتى لو كانت بعيدة بسبب القصف الذي كان قريباً منا”.
هبة كرهت المدرسة بسبب الطائرات، ولم تعد إليها إلا حين أخبرها والدها أنّ الطائرات لم يعد باستطاعتها قصف المدرسة، بسبب الهدنة التي لا تعرف هبة ماذا تعني.
أبو ساهر (44 عاماً) مدير إحدى المدارس في كفرنبل، يجد عذراً للأهالي الذين منعوا أولادهم من الالتحاق بالمدارس، خاصة بعد الصدمة الكبيرة التي أصابتهم بسبب مجزرة المدارس في حاس، إضافةً لاستهداف إحدى طائرات النظام لمفترق طرق قريب من مدارس كفرنبل.
ويضيف أبو ساهر لحكايات سوريا: “ساعد إعلان الهدنة في زرع شعور الاطمئنان لدى الأهالي، مما شجّعهم على إرسال أبنائهم إلى المدارس، كما أنّ الأطفال صاروا يذهبون دون خوف”.
مدرس التاريخ في ثانوية البنين الحرة محمد تعتاع (29 عاماً) يشير إلى تغييرات طرأت على التلاميذ ويقول: “في بداية العام كان عدد الطلاب في الصفوف كاملاً، أما بعد استهداف الطيران للمدارس في نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر 2016، فقد مرت أيام لم نجد أي من الطلاب في المدرسة، وبعد إعلان الهدنة الواهية والهزيلة عاد أغلب الطلاب إلى الدوام بشكل منتظم وجيد، وقد كان لهذه الهدنة أثرها الإيجابي على استمرار العملية التعليمية في المدارس”.
رئيس دائرة التخطيط في مديرية التربية الحرة خالد الزيدان (48 عاماً) يقول: “لم تقف آثار مجزرة الأقلام، عند طلاب ومعلمي وأهل حاس، بل انتقلت هذه الآثار إلى معظم المناطق المحررة المعرضة للقصف بشكل يومي. التسرب أصبح جماعياً، ولعدة أسباب ومنها الخوف من تكرار القصف، وكذلك الدمار الذي لحق بالمدارس”.
“وضع التعليم قبل الهجمة الشرسة لطائرات النظام على المدارس كان جيداً، رغم الظروف الصعبة التي تمر بها المناطق المحررة. لكن بعد المجازر انقلبت حال التعليم وغابت بشكل ملحوظ، ثم عادت إلى شبه طبيعتها بعد إعلان الهدنة” بحسب كاسر الشيخ رئيس المجمع التربوي في كفرنبل.
ويقول الشيخ : “أنه تم التعامل مع المدارس المدمرة بتأمين أقبية بديلة، كما قام المجمع بعقد لقاء مع المجلس المحلي، إضافة لجولات نوعية من قبل الموجهين التربويين لمتابعة الدوام في المدارس، مع التأكيد على الالتزام بالدوام مهما كانت الظروف”.
عن دور المجلس المحلي يقول رئيسه مصطفى علي الشيخ (44 عاماً) : “التقينا رئيس المجمع التربوي في كفرنبل، من أجل وضع خطة عمل تهدف إلى إعادة الحياة لمدارس كفرنبل، نتيجة غياب معظم الطلاب بسبب الخوف وعدم الإحساس بالأمان…”.
ويتابع رئيس المجلس: “تم من خلال هذا اللقاء الدعوة إلى لقاءات مع المجتمع المحلي، من وجهاء ومدراء مدارس ومعلمين ومسؤولين عن قطاع التربية والتعليم، إضافة لتوجيه خطباء الجمعة في المساجد لتناول مواضيع تبرز أهمية التعليم”.
وأكد رئيس المجلس على أهمية التعليم، وضرورة التزام الطلاب بدوامهم في مدارسهم، لأن الجميع مهدد في المناطق المحررة، وأن كافة سكان هذه المناطق يشكلون مشروع شهيد أينما تواجدوا، في المدارس والأسواق والمشافي والمنازل وغيرها، لأنها جميعها تشكل أهدافاً لطائرات النظام، تستطيع قصفها في أي وقت”.
بعد إعلان الهدنة عادت ربا وأحمد وهبة إلى متابعة الدوام في المدرسة بنفس الهمة والنشاط قبل انقطاعهم عنه، وهم يتابعون الآن تقديم امتحان الفصل الدراسي الأول، رغم سماع أصوات الطائرات التي لم تنقطع. … التحق التلاميذ بمدارسهم ولكنهم لا يعرفون ما سيكون مصيرهم… فهل تعتقهم الطائرات وتتركهم يدرسون بسلام؟ أم أنّ الأمر مرهون بهدنة ليس من المؤكد مصيرها؟