النظام التعليمي في سوريا: واقع مأساوي ومستقبل مجهول

 ملاذ الزعبي

ينشغل معظم السوريين بالمسارات العسكرية للصراع الدائر حالياً ومآلاتها، وينشغلون أكثر بتأمين حاجاتهم الأساسية وقوت يومهم، ويؤدي الإنشغال هذا إلى خفوت الصوت المتحدث عن قضايا جوهرية تتعلق بحاضر السوريين ومستقبلهم، وفي مقدمتها حال التعليم في البلاد ومستقبله.

مدرسة مدمرة في مدينة الباب في محافظة حلب - يوتيوب
مدرسة مدمرة في مدينة الباب في محافظة حلب – يوتيوب

لكن التقارير المتزايدة عن الدمار الذي لحق ببنية التعليم التحتية وتسرب عشرات آلاف التلاميذ من العملية التعليمية، وتغييرات عشوائية في المناهج الدراسية في المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات المعارضة، أعادت جميعها الموضوع إلى النقاش العام. وبدأت تظهر أصوات من هنا وهناك تقارب المسألة المتصلة بمضمون المادة التربوية والتوجيهية، كان من أبرزها مقال حسان عباس (أستاذ في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في دمشق وفي جامعة السوربون) بعنوان: “المدرسة السورية الآن؟” حذر فيه من “إعادة إنتاج المدرسة التعبوية ليس على مستوى الوطن ككل هذه المرة وإنما على مستوى المكونات المجتمعية الدينية والقومية”.

الواقع السيئ لقطاع التعليم في سوريا يرجع إلى ما قبل اندلاع الثورة على النظام في آذار/ مارس من العام 2011، وهو بحسب المسؤولة السابقة عن القسم التربوي والتعليمي في الجمعية المقربة من الحكومة “الأمانة السورية للتنمية” ماسة المفتي، يعاني من العديد من الإشكاليات، بدءاً من عدم التعاطي معه كقطاع جوهري واستراتيجي حيث لم يندرج في خطة الإصلاح والخطة الخمسية العاشرة إلا كقطاع ثانوي.

وتصف المفتي النظام التعليمي بأنه يندرج “ضمن منظومة تلقينية وبعثية بدلاً من أن تكون تمكينية”، وتتساءل المفتي “كيف للطالب أن يصبح ذاك المواطن المثالي إن لم يتمتع بحرية التفكير والتعبير من الأساس إلا ضمن المربع المسموح به؟”.

وترى المفتي أن من المشاكل المتأصلة في قطاع التعليم السوري غياب مفهوم القيادة، حيث يتم “تعيين مديري المدارس لا حسب قدراتهم وخبراتهم ولكن حسب اعتبارات سياسية ومحسوبيات ليس لوزارة التربية نفسها الصلاحية في تغييرها”. وتستغرب عدم إفساح المجال للمديرين والعاملين في القطاع التعليمي للمشاركة في صنع القرار وتحمل المسؤوليات.

مشكة القطاع التربوي في سوريا يضاف إلى بعدها التعليمي المتصل بالمناهج والدور التوجيهي بعداً يتصل بآثار الحرب المدمرة، فبعد أشهر على اندلاع الاحتجاجات ضد النظام الذي يرأسه بشار الأسد في آذار/ مارس من العام 2011، تفاقمت المشكلة، حيث أدت المواجهات العسكرية ونزوح ملايين السوريين إلى انقطاع عشرات الآلاف من التلاميذ عن التعليم، كما استخدم النظام السوري عدداً من المدارس كمراكز اعتقال وثكنات أمنية وعسكرية.

وبحسب تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة- اليونيسيف في آذار/ مارس الماضي فإن خُمس المدارس السورية إما تعرضت لأضرار مباشرة أو يتم استخدامها كمقرات للجوء المهجرين. وأشار التقرير إلى أن بعض الأطفال القاطنين في مدن تشهد صراعاً محتدماً فقدوا عامين دراسيين، كما لفت التقرير إلى تقييم أجرته اليونيسيف أواخر العام الماضي وأظهر أن 2400 مدرسة على الأقل إما تضررت أو تدمرت فيما يتم استخدام 1500 أخرى لإيواء اللاجئين من مناطق أخرى.

وفي المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، لا يبدو قطاع التعليم أفضل حالاً، مع استمرار القصف الجوي ونزوح أعداد كبيرة من الأهالي، بالإضافة إلى الأنباء والتقارير المتزايدة عن مناهج غير سورية يتم استخدامها في ما تبقى من مدارس ما زالت تستقبل الطلاب، وبحسب ما جاء في مقالة الكاتب حسان عباس فـ”بعض المناطق ذات الأغلبية الكردية افتتحت مدارس تعلّم الأطفال منهجاً متكاملاً، منقولاً من مدارس كردستان العراق، باللغة الكردية”. كما يتحدث عباس عما يسرب من أخبار من مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا حيث يتم تدريس الأطفال مادتين فقط: اللغة التركية والتربية الدينية.

وإلى ذلك يشير جورج طلماس، الذي كان يعمل مدرساً قبل اندلاع الثورة ثم نشط في تدريس الطلاب النازحين، إلى مشاكل عدة يعاني منها التعليم في مناطق ريف دمشق التي تقع  تحت سيطرة المعارضة. ويلاحظ طلماس “غياب اهتمام الأهالي وعدم شعور المجتمع بأهمية التعليم وعدم توفر المناهج”، والأهم من كل ذلك “غياب التمويل اللازم لاستمرار العملية التعليمية حيث تذهب كل التبرعات إلى الأسلحة أو الدواء أو الغذاء فيما لا يحصل التعليم على شيء”.

 من جهته يؤكد مدير مكتب التعليم في “المجلس الوطني السوري” المعارض وعضو “الائتلاف الوطني”، بدر جاموس أن الائتلاف يعمل على “تأمين مدارس ومناهج لعودة الطلاب الذين توقفوا لأكثر من عام ونصف في بعض المناطق عن الدراسة”، مضيفا أن الائتلاف يعمل أيضاً على “وضع خطة لدراسة المناهج وتشكيل لجان للامتحانات والإشراف عليها وتصديق الشهادات والتواصل مع الدول التي تقبل طلابنا لإكمال دراستهم في الجامعات”.

وفي ما يخص استخدام مناهج جديدة في المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، ينفي جاموس ذلك ويوضح أن المناهج نفسها تُدرّس “مع استبعاد المواد القومية وبعض فصول كتب التاريخ والتي كانت موضوعة من قبل النظام لتحسين صورته وتلميع القائد الخالد كما كانوا يسمونه”.

يتناقض كلام جاموس مع شهادة الناشطة في ريف دمشق هلا العلي (اسم مستعار) التي تقول إن المدرسة التي قامت بتوفير مستلزمات العملية التعليمية لها في منطقة مسرابا في ريف دمشق أصبحت تحمل اسماً إسلامياً هو “فسطاط المسلمين” فيما “أكثر من 50% من منهاجها إسلامي” مع الالتزام بأوقات الصلاة وفصل الذكور عن الإناث.

هذا التغيير العشوائي في المناهج واستبدال مادة التربية القومية بمادة لا تقل عنها أصولية أو تلقينية، تحذر منه ماسة المفتي لافتة إلى أن “الخطر لا يقع في المواد العلمية بالدرجة الأولى ولكن في المواد الإنسانية التي تحاكي القلب والمشاعر وتلعب على إثارة المشاعر القومية والإثنية والطائفية”. وترى المفتي أن الحل يكون عبر اعتماد “مادة المواطنة والفلسفة كعلوم إنسانية غير إقصائية المنهج لتعليم الطالب على فهم وإدراك أهمية دوره الإنساني واحترامه لأخيه الإنسان بغض النظر عن عرقه أو دينه”.