السوريات يتساوين مع السوريين في الجريمة
حين ضاقت السبل بأمل (20 عاماً) خلال رحلة البحث عن عمل، لم تجد امامها سوى الانضمام لعصابة تقوم بأعمال النهب والسرقة. وهي عصابات نشطت كثيرا في المناطق التي هجرها سكانها. فتحولت المنازل إلى أهداف سهلة.
خلال سنوات الحرب في سوريا دخلت المرأة مختلف ميادين الحياة ونافست الرجل. وهو الأمر الذي انسحب على ميدان الجريمة. فلم يعد الاجرام ظاهرة ذكورية كما هو شائع في المجتمعات العربية. ومن نتائج الحرب التي قتلت وشردت الملايين، ارتفاع نسبة جرائم المرأة عشرة أضعاف عمّا قبل الحرب.
حين تركت أمل دير الزور، ووجدت نفسها بلا مأوى، وسط مدينة مكتظة بأكثر من مليون نازح، فسلبت الحرب منها كل ما تملك. ترفض وصفها بالمجرمة رغم صدور الحكم بسجنها هي تقضي اليوم عقوبتها. وتقول إن العالم الذي أوصلها إلى هنا هو المجرم.
“إنه مجرد عمل لتأمين أجرة المنزل، ومصاريف الحياة التي أصبحت فوق طاقة الجميع، أنا لم أمارس السرقة من أجل الرفاهية” تقول أمل. هي تحلم بحياة آمنة، على أمل الدخول إلى كلية الحقوق للدفاع عن المظلومين على حد تعبيرها خلال جلسة محاكمتها.
بقي رائد إبن الثلاثة أشهر في المشفى مدة طويلة لاصابته بمرض التسمم في الدم. والدته عبير آلمها العجز عن تأمين كلفة العلاج والأدوية وتوفير الطعام لأخويه في ظل اضطرار الوالد لتأدية الخدمة العسكرية. وتقول عبير «فقر الحال أجبرني على العمل في التزوير لم يكن أمامي من حل آخر».
هدى (21 عاماً) حاصرتها الحياة في المدينة الجامعية في دمشق، كما حاصرت داعش أهلها في حي الثورة في الرقة. تقول هدى إنها تمارس الجنس مقابل المال، تخرج بشكل شبه يومي إلى العمل، وتعود في الصباح إلى الجامعة لتمارس حياتها الطبيعية كطالبة في كلية الآداب.
ترفض هدى صفة بائعة هوى، تقول إن ما تقوم به ليس ضرباً من الترفيه، لكنها تؤمن مصروف الجامعة وأساسيات الحياة، وتحلم هدى بالحصول على عمل لائق بعد التخرج من الجامعة، وترغب بالزواج وتكوين أسرة. هكذا روت هدى في حديث لموقع هنا صوتك.
الدكتور في علم الاجتماع أكرم القش يرى أن ظروف الحرب والضغوط الاجتماعية والنفسية هي السبب الرئيسي في ارتفاع نسبة جريمة لدى المرأة، 25 في المئة من الأسر السورية اليوم تعيلها امرأة بعد ما كانت قبل الحرب 5 في المئة.
ويلفت القش إلى أن ازدياد نسبة مشاركة المرأة في المجتمع خلال فترة الحرب، تطور بشكل ملحوظ ومفاجئ من دون إعداد مسبق. ففي السابق كانت نسبة مشاركتها في المجتمع محدودة، ولكن الآن دخلت مباشرةً للحياة الاجتماعية بمختلف مجالاتها وتحمّلت المسؤولية وأعباء الأسرة والإعالة والعمل بظروف صعبة وشروط غير مناسبة. هذا كان له الدور في أن تقع في أخطاء غير متدربة على تجاوزها بما فيها السلوك الجرمي”.
ويضيف القش: ” 70 % من مساهمة النساء في العمل في سوريا قبل الحرب كانت في القطاع العام والقطاع الصحي والتربوي والزراعي. بالتالي تعرّضها لمخاطر العمل الخارجية كان محدوداً، لكن خلال الحرب اتسعت الدائرة وتنوّعت أماكن العمل، وبالتالي تورّطت بأعمال أ وجرائم سواء عن قصد أو غير قصد”.
ويعتبر القش: «أن النساء والأطفال والمسنين في مثل هذه الأحداث يكونون مصيدة لتنفيذ الجريمة، حيث يتم استخدام المرأة لتوريط الآخرين في الجرم. المجتمع الشرقي يطمئن للنساء أكثر من الرجال، وهنا يكون الأمر أسهل بالنسبة للنساء، كما أن الذكاء العملي والاجتماعي عند المرأة أعلى من الرجل، وبالتالي القدرة على التواصل الاجتماعي أكبر وخاصة في المجتمعات الشرقية، لهذا يتم توريطها بالجرم».
وبحسب الأخصائية النفسية نور الشمالي: “لا يمكن اعتبار المرأة ضحية بقدر ما هي ظروف ضاغطة تجعلها تسلك طريقاً غير سليم. وهذا ناتج عن عدم الوعي وعدم التمكين وعدم الإدراك وأيضاً ناتج عن ضغط الظروف”.
وتقول الشمالي: “إن الضغوط الاجتماعية قد تدفع المرأة لارتكاب جرم ما، ولكن مهما كان الوضع لا يبرّر اللجوء إلى استراتيجيات سلبية كالسرقة، هي بالنهاية ظروف بيئية تعطيك بدائل محددة لتلبية احتياجاتك، البدائل تكون متاحة ومتعددة في الحالات العادية، في الأزمات تضيق البدائل، فيلجأ البعض إلى نوع من الاستسهال لتلبية الاحتياجات والانخراط بسلك إجرامي”.
وبحسب بعض المعلومات التي تناولتها بعض وسائل الإعلام نقلا عن المحاكم السورية فأن نسبة مساهمة المرأة في الجريمة تجاوزت الخمسين في المئة خلال فترة الحرب، بعد ما كانت لا تتجاوز الخمسة في المئة قبل الحرب. وتمثلت الدعاوى المقامة في حق النساء في معظمها في المحاكم بداية الجزائية والمتضمّنة دعاوى النشل، احتيال، تزوير، دعارة، تهديد بالقتل، وأعداد قليلة في دعاوى التسول.