المجلس الوطني الكردي ملتزم بالسلمية
إستقطبت المناطق ذات الأغلبية الكردية في سوريا الأنظار بعد أن سلّمت السلطات السورية المقار الأمنية في مناطق ريف حلب، في شهر تموز/يوليو الماضي، إلى مقاتلين من حزب الإتحاد الديمقراطي، وهو حزب سوري كردي مقرب من حزب العمال الكردستاني، الذي يخوض صراعاً مسلحاً مع تركيا للحصول على الإستقلال.
الخطوة الرسمية السورية فُسرت من قبل المراقبين على أنها تهدف إلى تخفيف العبء عن القوات النظامية من جهة، ورد على الدعم التي تقدمه حكومة أردوغان إلى المعارضة السورية من جهة ثانية.
الحالة الجديدة التي نشأت فتحت الباب واسعاً أمام التكهنات حول مستقبل المناطق السورية ذات الأغلبية الكردية، في ظل وضع سياسي بالغ التعقيد، يحكمه التباين السياسي بين الأفرقاء الأكراد المحليين والجهات الإقليمية الفاعلة مثل حكومة إقليم كردستان العراق وتركيا.
في ظل تصاعد الأعمال العسكرية بين الجيشين الحر والنظامي، لا سيما في مدينة حلب وريفها اللذين يقعان على تماس مع المناطق ذات الأغلبية الكردية، كان لافتاً تمسك ممثلين عن المجلس الوطني الكردي بالخيار السلمي.
يقول أحمد سليمان، رئيس المجلس الوطني الكردي السابق والناطق الرسمي باسم الهيئة الكردية العليا حالياً (وهي هيئة للتنسيق بين المجلس الوطني الكردي ومجلس الشعب لغربي كردستان التابع لحزب الإتحاد الديمقراطي) إنه لا يرى أي مبرر للعسكرة في المناطق الكردية. يضيف سليمان أن الشعب الكردي كان مشاركاً في الثورة السورية منذ انطلاقتها وبفعالية من خلال مختلف النشاطات السلمية. ورأى سليمان أنّ الاستمرار في الحراك السلمي هو خيار المجلس الوطني الكردي في مناطقه “طالما لم تتعرض مناطقنا لاستخدام السلاح من قبل النظام،” على حد تعبيره.
وقد قلل سليمان من إمكانية إقامة منطقة عازلة دون اتخاذ قرار من الأمم المتحدة.
“ولكننا نأمل أن يحصل اتفاق دولي سريع لإيقاف العنف والقتل في سوريا،” يضيف سليمان.
وفي سياق متصل، نقلت وكالة رويترز يوم الأربعاء عن مصدر دبلوماسي فرنسي بدء فرنسا بتسليم مساعدات مالية إلى سلطات محلية أسستها المعارضة المسلحة في حلب ودير الزور وإدلب. كما تدرس فرنسا تقديم المدفعية الثقيلة لكي تحمي هذه المناطق نفسها من هجمات النظام، بحسب المصدر نفسه.
وفيما يخص موقف المجلس الوطني الكردي من الجيش الحر، أشارعضو لجنة العلاقات الخارجية في المجلس وأمين عام حزب آزادي مصطفى أوسو أن المجلس لم يتعامل مع الجيش الحر.
“إلا أننا في المجلس نعترف بأن هذا الجيش نشأ في خضم الثورة كمؤسسة وطنية لحماية الشعب السوري الثائر،” يضيف أوسو، مكرراً في الوقت رفض المجلس الوطني الكردي المظاهر المسلحة.
ويشار إلى أن عدداً كبيراً من المجندين الأكراد الذين انشقوا عن القوات النظامية التحق بمخيمات تدريبية في إقليم كردستان العراق. إلا أنّ دور هؤلاء المجندين لا يزال غير واضح حتى الآن، حيث لم ينخرطوا في القتال ضد النظام السوري.
آفاق الإنفصال
أحد الأسئلة التي ترددت بقوة حول مستقبل الأكراد في سوريا هو ما إذا كانوا سيخطون خطوة نحو الإستقلال، بـ”وحي” من حكومة إقليم كردستان في شمال العراق. بهذا الخصوص أكد الناطق باسم الهيئة الكردية العليا أحمد سليمان أن ظروف الحركة الكردية في سوريا تختلف تماماً عن ظروف مثيلتها في العراق.
“بمقدار إدراكنا لهذه الخصوصية، بمقدار ما نكون على صواب في الوصول إلى حقوقنا القومية العادلة، وتجنيب شعبنا ومناطقنا من المخاطر،” يقول سليمان، مستغرباً الإشارة إلى رغبة المجلس الوطني الكردي بالإنفصال عن سوريا.
“هذا من أحد أخطاء المعارضة في التعامل مع القضايا الوطنية ونحن لم ولن نتصرف في مطالبتنا لحقوقنا إلا وفق الخيار الوطني السوري… رغم الممارسة الضبابية للمعارضة السورية في التعامل من أجل التوصل إلى اتفاق جدي ومنصف لحقوق الشعب الكردي،” يضيف سليمان.
ويبدو أن الجليد قد كسر بين المجلس الوطني الكردي والمجلس الوطني السوري، حيث التقى الشهر الماضي ممثلون عن المجلس الوطني الكردي بعبد الباسط سيدا، برعاية حكومة إقليم كردستان العراق، دون أن يأتي ذلك اللقاء بنتائج سياسية بارزة.
وكان الخلاف قد برز في شهر شباط/فبراير الماضي بين الأعضاء الأكراد في المجلس الوطني السوري وقيادة المجلس حول مدى الإستقلالية التي سيحظى بها الأكراد في سوريا في حال سقط النظام. فبينما أصر حينها المعارضون الأكراد على تأمين لا مركزية سياسية، تمسك برهان غليون، رئيس المجلس الوطني السوري آنذاك، بالإكتفاء بمنح الأكراد لا مركزية إدارية. وقد أدى هذا الخلاف إلى تعليق الشخصيات الكردية عضويتها في المجلس الوطني السوري وانتقالها إلى المجلس الوطني الكردي.
وتبع ذلك الخلاف تعيين العضو الكردي عبد الباسط سيدا خلفاً لغليون، في محاولة لجذب شرائح أوسع من المعارضة إلى المجلس الوطني السوري الذي يحظى الإخوان المسلمون بنفوذ واسع فيه، ويتهمه معظم الأحزاب الكردية بالخضوع لسيطرة تركيا.
كما شهد مؤتمر المعارضة السورية في القاهرة الذي عقد في شهر تموز/يوليو الماضي خلافاً محتدماً حول الصيغة التي اعتُمدت للحديث عن حقوق الأكراد.