المجتمع المدني السوري في لبنان: بين التأثير الإعلامي والانشغال بالإغاثة

ملاذ الزعبي

يعيش في لبنان اليوم مئات آلاف السوريين اللاجئين الهاربين من الصراع المسلح الدائر في بلدهم، كما يعيش فيه العديد من الناشطين الذين اختاروا مغادرة سوريا بسبب قمع النظام، بالإضافة إلى عائلات وأفراد فضلوا الاستقرار في البلد المجاور بانتظار انتهاء الأزمة.

وأدى نشوء هذا “المجتمع” الذي يتزايد عدد أفراده بشكل يومي تقريباً إلى ولادة منظمات وجمعيات مدنية سورية تنقسم في إطارها العام إلى قسمين: الأول يسعى إلى التغيير في سوريا، والثاني وهو الأكبر، يرتبط بشكل أخص بإغاثة اللاجئين وتوفير متطلباتهم الأساسية.

من ندوة نظمها فريق "ورد" في طرابلس حول مستقبل الطلاب في سوريا - فيس بوك
من ندوة نظمها فريق “ورد” في طرابلس حول مستقبل الطلاب في سوريا – فيس بوك

ومن المنظمات السورية الناشطة في مجالات إعلامية وسياسية وحقوقية: “دولتي” و”بدايات” و”واو الوصل” و”نون”، فيما يكرس العدد الأكبر من المنظمات جهوده للعمل مع اللاجئين السوريين وتلبية احتياجاتهم الأساسية، ومن هذه المنظمات: “سردة” و”بسمة وزيتونة” و”سوا لأجل سوريا” و”فريق ورد للدعم النفسي الاجتماعي” و”نجدة ناو”.

ويدور الجدل حول مدى فعالية هذه المنظمات في التأثير على الأوضاع السورية من جهة، وحول انشغالها المفرط بقضايا الإغاثة من جهة ثانية، ما أفرغ المجتمع المدني السوري العامل في لبنان من دوره السياسي التغييري وقدرته على دعم نشاطات الثورة السورية، وحوّل القسم الأكبر منه إلى ما يشبه جمعيات خيرية تعمل على قضايا راهنة ولا تولي أي اهتمام بالعمل المستدام.

يقول مدير مؤسسة “دولتي” مصطفى حايد لـ”دماسكوس بيورو” إن مواضيع العسكرة والسلم الأهلي والتحول الديمقراطي “يتم التعامل معها في سوريا كسلع لها سوقها وقنواتها الفضائية وطرق ترويجها”. ويضيف حايد أن المنتج الطاغي اليوم هو العسكرة لأن كفة “الإمكانيات المادية والإعلامية ومستوى”الأكشن” هي الراجحة، إلا أن “كل ما له علاقة بالحرب لحظي، أما نحن فنعمل على شيء مستدام”.

ونظمت “دولتي” منذ انطلاقتها في أيار/ مايو من العام 2012 ورشات عمل مخصصة لسوريين من الداخل تتعلق بموضوعين أساسيين وهما “النضال اللا عنفي” و”التنظيم المجتمعي” بالإضافة إلى المشاركة في دورات أخرى لها علاقة بتوثيق حقوق الإنسان وبناء السلام، كما عملت على إنشاء أدوات تدريبية باستخدام فيديوهات تعتمد على التحريك، وتواصل العمل على مشروع يتعلق بأرشفة واستخدام الفن بالتغيير.

وحول القدرة على التأثير داخل سوريا في ظل التواجد بلبنان، يرى حايد أنه “لا يمكن قياس التأثير على الأرض لأنه لا يوجد أدوات لقياس ذلك”، ويردف أن “دولتي” نجحت في تحقيق تأثير “ملحوظ” على الفئة المستهدفة والتي تتكون أساساً من الناشطين.

 ويلفت حايد المتحدر من بلدة “الأتارب” بريف حلب إلى أن “دولتي” أنتجت حتى اللحظة 16 فيديو تعليمي، عدا عن ثلاثة قيد الإنجاز سيتم نسخها على أقراص رقمية DVD وطباعتها على كتيب جيب من أجل توزيعها داخل سوريا بدءاً من منتصف شهر تموز / يوليو، كما يتم عرض هذه المقاطع على فضائية “سوريا الشعب”، وسيتم بثها عبر الراديو في محافظتي حلب وإدلب.

ويقر مدير مؤسسة “دولتي” أن “التأثير كان من الممكن أن يكون أكبر، ولكننا لظروف لوجستية تتعلق بالوضع في المنطقة والوضع في لبنان لم نستطع أن نقدم أكثر مما قدمنا”، مضيفا أنه “على مستوى التأثير على ناشطين داخل وخارج سوريا فقد كان مهماً وجيداً إلا أن الإستراتيجية طويلة الأمد قد لا تجعل التأثير الذي نقوم به ملاحظاً”.

من جانبه، يرى مؤسس ومدير “فريق ورد” للدعم النفسي الاجتماعي أشرف حفني أن الفريق يقوم بدور في التغيير لأن “بناء الوطن يجب أن يكون على أسس صحية، فعلينا أن نقف مع الأطفال ونساندهم لأنهم سيتابعون مسيرة التغيير والبناء الذي حلمنا به ونحلم به”، مضيفاً أنه دون “توفير صحة نفسية جيدة للأطفال بعيداً عن المآسي والصدمات التي عايشوها لن يتمكنوا من بناء وطن على أسس متينة”.

ويوضح حفني الذي هرب من سوريا نظراً لنشاطه المعارض للنظام أنه اختار التحول إلى المجال الإغاثي والدعم النفسي لأن “حجم اللجوء إلى لبنان كان كبيراً جداً”، وبالتالي كانت المتطلبات كبيرة جداً.

ونفذ “فريق ورد” أنشطة دعم نفسي وترفيه للأطفال اللاجئين وفعالية بعنوان “فشة خلق” لتفريغ الضغط النفسي عند الجرحى وتحفيز الإمكانات الفنية لديهم، بالإضافة إلى عرض أفلام توعوية عن قصص نجاح لأشخاص تغلبوا على إعاقتهم الجسدية وتكيفوا معها، عدا عن دورات في اللغة الإنكليزية والحاسوب وتوفير علاج لبعض الحالات.

أما ميس، وهو اسم مستعار، لمتطوعة في جمعية إغاثة سورية تعمل في لبنان، فتشير إلى أنها تحولت من النشاط السياسي المعارض للنظام السوري داخل سوريا إلى النشاط الإنساني خارجها لأنها تعتقد أن اللاجئين السوريين عليهم أن يتجنبوا المشاركة في نشاطات معارضة في لبنان “المليء بالمشاكل”، وفق تعبيرها.

تقول ميس إن مشاركتها في الإغاثة “يرضي الضمير” لأن له علاقة “مباشرة” بالثورة، أما النشاطات التي كانت تمارسها في سوريا فلا مجال لممارستها هنا فلا المظاهرات ولا المنشورات يمكن أن تؤثر بالوضع السوري من لبنان.

أيمن (اسم مستعار)، منسق مجموعة “واو الوصل” التي يتواجد جزء من فريق عملها في لبنان، يوضح أن تأثير المجموعة يتركز على جمهورها، وسبق لها أن قدمت عدة أعمال سمعية وبصرية بأنماط مختلفة وشاركت بحملات مناصرة وطبعت كتيباً ذا هدف توعوي وتم توزيعه على أفراد من “الجيش الحر” في الشمال السوري، فيما يتم إنتاج أعمال أخرى حالياً، كما تساهم المجموعة بمساعدة “المشاريع الصديقة”، كما يصفها أيمن، عبر التنسيق بينها وبين ناشطين في الداخل أو عبر العالم الافتراضي.

يلفت أيمن إلى أن “المجتمع المدني السوري بشكل عام وليس فقط في لبنان ما زال غير قادر على الولادة بسبب الوضع الإغاثي الكارثي”، مضيفاً أن “كل الطاقات موجهة باتجاه الإغاثة دون أن تفي بربع الحاجة”.

أما حايد فيقول إن “المشاريع الإنسانية لها غلبة، لأن الناس بحاجة”، ويشير إلى أن المجتمع المدني متعدد ومتنوع فهناك من يعمل في أمور لحظية وطارئة كالإغاثة والعلاج الطبي، وهناك من يعمل على رؤية قريبة كمعالجة قضايا التعليم الراهنة، وهناك من يعمل على المدى المتوسط والطويل، والحديث هنا سيكون عن مواضيع مثل السلم الأهلي والتحول الديمقراطي وغيرها.

يقر مدير مؤسسة “دولتي” أن انخراط جزء كبير من الناشطين والمجموعات السورية في الداخل بالإغاثة شكل “خسارة كبيرة للنشاط والكفاح السلمي”، مشدداً على ضرورة أن يقوم الناشطون بإعادة دراسة لهذه التجربة في لبنان كي لا يتكرر الخطأ.