اللاجئون السوريون ومعضلة الزواج غير الرسمي في لبنان
ملاذ الزعبي
(بيروت، لبنان) – في غرفة صغيرة بأحد بيوت مخيم “شاتيلا” للاجئين الفلسطينيين في بيروت، يجلس ماهر (25 عاماً) إلى جانب خطيبته نور (22 عاماً) وكلاهما لاجئان سوريان في لبنان. ويجلس قبالتهما والد نور بمحاذاة رجلين يبدوان في الثلاثينيات، أحضرهما معه رجل دين يتوسط الجلسة وينهمك بملء البيانات الشخصية للخطيبين على ورقة معنونة في أعلاها: “عقد زواج خارجي غير صالح للدوائر الرسمية”. وبمجرد انتهاء الأخير من نقل المعلومات عن الهويات وتسجيل اسمي الشاهدين، يطلب من الشاب السوري ووالد خطيبته شبك أيديهما ثم يردد كل منهما بحسب دوره عبارات يمليها عليهما ليعلن بعد الانتهاء منها أن ماهر ونور أصبحا زوجاً وزوجة “على سنة الله ورسوله”.
وتنتشر في أوساط اللاجئين السوريين في لبنان حالات زواج غير قانونية، تعرف بالعقود البرانية أو العرفية لأسباب متعددة أبرزها الفقر، والجهل بتفاصيل الإجراءات الواجب إتباعها لدى الزواج، ودخول أعداد منهم إلى لبنان عبر منافذ غير شرعية، وعدم امتلاك بعضهم أوراق ثبوتية. ويؤدي ذلك إلى تعرض لاجئات للاستغلال، أو حصول حالات زواج غير شرعية أو عدم تسجيل مواليد جدد بشكل رسمي، مع ما قد يسببه ذلك من مخاطر اجتماعية وقانونية في المستقبل.
اضطر ماهر إلى الزواج بعقد خارجي لأن وضعه في لبنان “غير قانوني”، على حد تعبيره، إذ دخل بطريقة التهريب بعد تعرضه للملاحقة الأمنية لمشاركته في نشاطات معارضة للنظام السوري، وهو يسعى اليوم إلى تأمين لجوء في إحدى الدول الأوروبية لتسوية وضعه ومن ثم تسجيل زواجه بشكل قانوني. إلا أنه لا يملك جواباً على سؤال “دماسكوس بيورو” حول الخيارات البديلة التي يملكها في حال لم يتمكن من الحصول على لجوء، وهو أمر كبير الاحتمال.
تزوج علي (22 عاماً) من بشرى التي تصغره بسنة واحدة بتاريخ 11 شباط/ فبراير 2013، وبالطريقة ذاتها التي اتبعها ماهر ونور، إلا أن الزوجين المنحدرين من مدينة معرة النعمان بريف إدلب ثبتا زواجهما في “المحكمة الشرعية السنية” في بيروت في السابع من شهر كانون الأول/ ديسمبر من العام نفسه، أي بعد مرور عشرة أشهر تقريباً على زواجهما.
يقول علي لـ”دماسكوس بيورو” إن ما دفعه إلى الزواج “بعقد برّاني” بداية هو “الاستهتار والخوف من الدخول لدائرة حكومية لأنني مطلوب (أمنياً) في سوريا والتكاليف المادية”، قبل أن يثبت الزواج لاحقاً كونه ينتظر طفلاً من زوجته الحامل في الشهر السادس.
يوضح علي الذي يعمل جزاراً أن تثبيت الزواج كلفه 122 ألف ليرة لبنانية (82 دولار أمريكي تقريباً)، فيما سبق أن دفع كلفة العقد الخارجي 50 دولاراً أمريكياً للشيخ صالح عزوقة، مضيفاً أن السعر المعتاد هو 100 دولار إلا أنه نال حسماً خاصاً “لأن الشيخ صالح من معارفنا”.
وتشبه حالة وعد (21 عاماً) وزوجها أحمد حالة الثنائي علي وبشرى، فهما بداية تزوجا بعقد خارجي لدى الشيخ أسامة شهاب في الشهر العاشر من العام 2012 قبل أن يسجلا الزواج في الشهر السابع من العام الحالي. تقول وعد التي كانت طالبة بالمعهد التجاري في إدلب قبل نزوحها من بلدها إن تثبيت الزواج حصل “من أجل الطفل” الذي أنجبته، وتشير إلى أن تفضيل العقد الخارجي بداية جاء لأن “حالة زوجي لا تساعد كما قيل لنا إننا سندفع مبلغاً كبيراً”، وتردف: “اضطررنا إلى الاستدانة من أجل تأمين 135 دولاراً كلفة تثبيت الزواج في المحكمة فيما لم يكلف العقد الخارجي السابق أكثر من علبة بقلاوة للشيخ أسامة شهاب الذي لا يأخذ نقوداً على عقد القران بل لامنا على إحضارها”.
يتطلب زواج مواطن سوري من مواطنة سورية بشكل قانوني على الأراضي اللبنانية إتمام عدد من الإجراءات البيروقراطية وإبراز أوراق ثبوتية متنوعة، من جواز السفر المختوم عند الحدود إلى إخراج قيد شخصي مصدق من وزارة الخارجية السورية، بالإضافة إلى معاملة مصدقة من المحكمة عند مختار المنطقة، وإجراء تحليل دم مخبري للزوجين مرفقاً بتقرير طبيب مختص قبل التوجه إلى المحكمة بغرض عقد الزواج وتصديقه من القاضي. ثم يتم تسجيل العقد في دائرة النفوس التابعة للدولة اللبنانية بعد تصديقه من الخارجية اللبنانية، وأخيراً يتم تسجيل الزواج في السفارة السورية في بيروت بهدف الحصول على دفتر عائلة.
وتكلف هذه العملية من 250 إلى 400 دولار بحسب عدد من الأزواج السوريين الذين أتموا زواجهم في لبنان مؤخراً.
عائشة، ابنة السبعة عشر ربيعاً تزوجت من المواطن اللبناني محمد الوادي (34 عاماً) قبل نحو عام بعقد زواج خارجي. الفتاة السورية المنحدرة من قرية كفر حمرة بريف حلب ما زالت تحتفظ بملامحها الطفولية على الرغم من إنجاب ابنها البكر خالد قبل أسابيع، والذي لم يسجل بدوائر الدولة اللبنانية حتى الآن.
يبرر الوادي، وهو يعمل سمكرياً، عدم تسجيل زواجه وعدم تسجيل الطفل في الدوائر الرسمية ببطالته المزمنة، ولا يفوت الفرصة كي يلوم اليد العاملة السورية الرخيصة التي غزت مخيم سعيد غواش بالقرب من مدينة بيروت الرياضية حيث يعيش، ويرى أنها السبب في بطالته.
يقول الوادي إن العقد الخارجي كلفه 133 دولار، فيما يشير إلى أن تكاليف إجراءات الزواج الرسمية قد تصل إلى 500 دولار للّبناني المتزوج من أجنبية. ويضيف أنها تشمل أيضا إجراءات الأمن العام اللبناني بما يتضمن نوعاً من التحقيق حول هدف الزواج لأن الزوجة غير لبنانية، واصفاً هذه الإجراءات باللهجة العامية بأنها “طوشة”.
وينتشر هذا النوع من الزواج بين اللاجئين السوريين خارج بيروت أيضاًففي مخيم للاجئين السوريين في منطقة “المرج” في البقاع اللبناني، يضم نحو 350 سوري معظمهم من البادية السورية، شهدت الأشهر القليلة الماضية أكثر من عشر حالات زواج، تمت جميعها بعقد خارجي، بحسب ما قال شاويش المخيم محمد الشاهر لموقع “دماسكوس بيورو”، والشاويش منصب استحدثه قاطنو المخيم وهو يشبه المختار. ويوضح الشاهر أن جميع حالات الزواج التي شهدها هذا المخيم منذ إنشائه قبل أكثر من عامين لم تجر بطريقة رسمية.
ويؤكد عدد من الناشطين الذين يعملون مع اللاجئين السوريين سواء عبر مبادرات فردية وأهلية أو في منظمات إنسانية أن حالات الزواج بعقد خارجي شائعة في أوساط اللاجئين السوريين، أكانوا في مخيمات بالبقاع أو طرابلس أو بيروت وغيرها.
وكشف تقرير لقناة “الآن” التلفزيونية في السابع من شهر كانون الأول/ ديسمبر عن تعرض فتيات سوريات للاستغلال بعد زواجهن من شباب لبنانيين، ومن ثم تطليقهن دون تثبيت الزواج، أي دون الاعتراف بهذا الزواج ودون تسجيل الأطفال الذين نتجوا عن حالات الزواج هذه.
الشيخ صالح عزوقة، رفض مقابلة مراسل “دماسكوس بيورو” الذي زاره في جامع “الحاج محمود الدنا” في مخيم “صبرا”، مكتفياً بنفي “أي علاقة بزواج اللاجئين السوريين”. إلا أن مراسل “دماسكوس بيورو” كان شاهداً على حالتي زواج بعقد خارجي في أوساط اللاجئين السوريين بإشراف من الشيخ عزوقة ووثق ذلك بالصور، ونال الشيخ كأجر في كل مرة 100 ألف ليرة لبنانية (67 دولار تقريباً).
من جهته، توقف الشيخ أسامة شهاب عن تنظيم أي حالة زواج بعقد خارجي منذ نحو ثلاثة أشهر”بناء على طلب المحكمة الشرعية السنية في منطقة طريق الجديدة بعد أن أخبرونا أنها قد تسبب مشاكل”، وفق ما يوضح، مضيفاً أنه اعتاد أن ينظم زواجاً بين اللاجئين السوريين بمعدل مرة كل يوم أو يومين منذ بدايات التوافد الكبير للاجئين السوريين إلى لبنان في 2012 حتى توقفه.
ويتابع شهاب أن “كل من يأتي إلينا اليوم من اللاجئين الراغبين في الزواج نرسلهم إلى المحكمة الشرعية، بينما قبلاً كنا نقبل ذلك بهدف تسهيل الأمور على الرغم من علمنا أن الورقة غير قانونية وغير رسمية”.
يؤكد القاضي المستشار في المحكمة الشرعية السنية ببيروت محمد عساف “أن العقد العرفي مرفوض لأنه يضيع حقوق الزوجة، كما أن إنجاب الأولاد لا يمكن تثبيته في الأحوال الشخصية بغياب إثبات الزواج، وفي حال وفاة أحد الطرفين لا يرث أحدهما الآخر حتى يكون هناك إخراج قيد عائلي يثبت حالة الزواج”.
وفيما يخص الإجراءات التي من الممكن للمحكمة اتخاذها بخصوص الشيخ صالح عزوقة ورجال الدين الآخرين الذين ينظمون هذه الزيجات، يكشف عساف أنه سبق للمحكمة أن وجهت تحذيراً لعزوقة للتوقف عن عقد “كتابات زواج برانية” لما ينتج من مشاكل عن هذه الزيجات.
تقول المدربة في منظمة “كفى عنفاً” صباح حلاق، وهي عضو مجلس إدارة في “رابطة النساء السوريات” إن حالات الزواج العرفي لا تعتبر حتى الآن أولوية لدى المنظمات العاملة مع اللاجئين السوريين في لبنان.
أما جورج طلماس مدير المشاريع في جمعية “بسمة وزيتونة” التي يقع مقرها الرئيسي في مخيم شاتيلا فيقر “بتقصير” المنظمات السورية العاملة في لبنان بهذا الجانب. لكنه يردف أن التقصير غير متعمد، إذ يؤدي العدد الكبير للاجئين السوريين في لبنان إلى تراجع الاهتمام بعدد من القضايا على حساب تلبية الحاجات اليومية والأساسية لهم.