السوريون وحديث السياسة: لا زال الخوف سيّد الموقف
ملاحظة: باستثناء دارا عبد الله، جميع الأسماء الواردة مستعارة بناءً على طلب أصحابها.
يشير التقرير الشهري الصادر في حزيران/ يونيو عن “مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية – سكايز” إلى استمرار اعتقال الصحافيين والنشطاء الإعلاميين في سوريا على يد الأجهزة الأمنية الحكومية، واستهداف آخرين بالقتل. فبعد أكثر من عامين على انطلاق الاحتجاجات في سوريا، لا يزال التعبير عن رأيٍ، لا يُعجب الأجهزة الأمنية، مغامرةً خطيرة، قد تقود صاحبها إلى الموت.
هذا الخطر لا يتهدد من يعارض النظام على الساحة الإعلامية فقط، بل يطال أيضاً الناس العاديين في حياتهم اليومية. في وسائل النقل والأماكن العامّة، في دمشق، تكفي عبارة “الله يفرجها”، تعليقاً على أيّ حدث أمني أو سياسي، لتشعرك بخشية المتكلّم، وعدم رغبته بالتعبير عن رأيه الحقيقي أمام الآخرين، كما لا يخفي عناصر الأمن ترقّبهم لأي كلمة أو تعليق، قد يصدر عن المواطنين، أثناء التدقيق في الهويّات على الحواجز.
سماح، وهي طالبة في كلية الحقوق تبلغ من العمر 25 عاماً، تقول إنها تمارس على نفسها رقابة ذاتية عندما تتكلم علناً عما ترتكبه القوات الأمنية والعسكرية الحكومية.
“القبضة الأمنية محكمة وجذورها متغلغلة في أعماقنا، فالوحشية المطبقة جعلتنا نتماهى مع حضورها حتى في غيابها. في داخلنا رقيب لم يمت بعد”، تقول سماح، وتضيف “أحياناً أفقد القدرة على ضبط النفس، فأروي قصصاً مأساوية واقعيّة، لكن دون التطرّق للسلطة مباشرةً، بحيث يمكنني التذبذب في الموقف، والتهرّب من النقاش تجنّباً للخطر، إن وجد”.
الكاتب المعارض دارا عبد الله كانت له تجربة سيئة مع الأجهزة الأمنية، اضطرته إلى مغادرة سوريا في شهر كانون الثاني / يناير من العام الحالي إلى مدينة كولونيا الألمانية، بعد أن اعتقل لفترة وجيزة بسبب آرائه المعارضة.
يقول عبد الله إن الخوف من التعرض مجدداً للمتاعب الأمنية هو ما دفعه إلى ترك البلاد.
ورغم اعترافه بأن الشأن السياسي العام أصبح يشغل السوريين، بعد أن كانوا منكفئين إلى الهمّ الذاتي، يقول عبد الله:
“لم تقنعني عبارة “كسر حاجز الخوف”، التعبير الرمزيُّ عن رفض الاستبداد، فالناس ما زالوا يتكلَّمون بصوتٍ منخفضٍ في مناطق سيطرة النظام”.
ويجد هذا الرأي صدى لدى كاتب معارض يعيش في دمشق، فضل عدم ذكر اسمه.
“لايزال الخوف جاثماً على الصدور، فأربعة عقود من الشمولية، والسيطرة الأمنية الكاملة، لن تزول بسهولة”، يقول الكاتب، الذي يعتقد أنّ الخوف حاضر في مناطق سلطة النظام، سواء كان قاطنوها من الموالين أو المعارضين، ويضيف “لا يوجد شيء اسمه الكلام بالسياسة بحرية أبداً”.
كما يشير الكاتب إلى أن الزخم الذي وجد في بداية الثورة والذي كان يدفع الناس إلى التكلم ببعض الجرأة ما لبث أن ضعف مع اشتداد القمع والقتل الذي مارسته القوات الحكومية.
بالإضافة إلى الدور الذي يلعبه عناصر الأمن مباشرة في بث الخوف من قول كلام ضد الدولة، لا يزال المعارضون يخافون من أن يقوم أحد المدنيين الموالين للسلطة أو المرتبطين بمنظمات حزب البعث بالوشاية بهم إلى أجهزة الأمن.
يقول آرام، وهو معد درامي يبلغ من العمر 29 عاماً، إنّ الموالين يزدادون حدة في منع المعارضين من التعبير عن آرائهم.
“لم يعد رجل الأمن هو الرادع”، يقول آرام، ويضيف، “أصبح كل موالٍ للسلطة رقيباً يمارس هذا الدور بشراسة كانت غائبة سابقاً”.
إلا أن الإعتداء على من يقوم بالإدلاء بآراء لا تروق للقوى السياسية المسيطرة، لا يقتصر على المناطق التي تخضع للسيطرة الحكومية. المنظمات التي تدافع عن حرية التعبير أصبحت تشير إلى انتهاكات متزايدة تقع في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.
فالتقرير الأخير الصادر عن “منظمة العفو الدولية” في العام الحالي يشير إلى تقاسم كل من الحكومة والمعارضة مسؤولية الاعتداء على الإعلاميين، كما ذكرت منظمة “سكايز” في تقريرها الشهري في حزيران / يونيو أن الهيئة الشرعية في حلب اعتقلت أربع صحافيين ونشطاء إعلامين، وتعرض ناشطون إعلاميون في دير الزور إلى التهديد بالسلاح من قبل “الجيش الحر”، كما حذر “المجلس العسكري” في حمص الإعلاميين من نشر أي خبر يتعلق بعناصره المسلحة دون العودة إليه.
وتنتقد سماح، الطالبة في كلية الحقوق، ما تمارسه المعارضة المسلّحة، قائلة إنها وجه آخر للممارسات الحكومية: “المخيف أنّ التطرف والمحاكم الشرعية وسلطة الدين في ازدياد. إنه كيان مشابه لما ثرنا ضدّه، ولكن بصيغة مستمدة من الله، هم أيضاً لا يقبلون النقد أو الانشقاق عنهم، والأمثلة كثيرة من اعتقالات وإعدامات دون محاكمة”.