السكن الجماعي الحل الأوفر للسوريين في تركيا
خالد يرى في بيوت السكن الجماعي الحل الأنسب خصوصا بعدما أزعجته كلمة “سوريالي يوك التي نسمعها من أصحاب منازل كثر وتعني “سوري لا” وكأننا جئنا نتسول!”
مصعب الشهاب
(أورفة-تركيا) افتتح خالد (31 عاماً) أحد بيوت السكن الجماعي في ولاية أورفة قبل حوالي شهرين.كان همه تأمين مورد يعيش منه ومساعدة الشباب الذين يعانون رفض غالبية المكاتب العقارية تأجيرهم.
يقيم اللاجئون السوريون في منازل مستأجرة بأسعار متفاوتة. يتراوح إيجار المنزل بين200و700 دولار أمريكي شهريا، تبعا لحجمه وموقعه وخدماته. لم تكن الأسعار على هذه الحال من الارتفاع قبل توافد السوريين. ازدياد حجم الطلب أثّر بشكل سلبي في مستوى الأسعار بالنسبة للمستأجرين. وأمسى العثور على منزل أمراً ليس باليسير,وهذا ما دفع عدداً من السوريين لإيجاد حل, تجسد باستثمار منازل متواضعة حولوها لسكن جماعي مقابل أجر زهيد يحدد حسب نوع الإقامة. عشر ليرات تركية عن الإقامة اليومية، وسبع ليرات ونصف الليرة عن كل ليلة إن كانت الإقامة أسبوعية، أما في حال الإقامة
الشهرية فالأجر خمس ليرات عن كل ليلة. ولا يتحمل النزلاء أية مصاريف إضافية, كما توفر المنازل خدمة الإنترنت المجاني ومطبخ جماعي وغسالة ملابس ومكواة.
وتشهد تركيا تزايداً في أعداد السوريين الوافدين إليها يوما بعد يوم، وذلك على خلفية استمرار المعارك في بلادهم. تفيد الإحصائيات التركية بوجود نحو المليون و600 ألف لاجئ سوري في البلاد، يقطن جزء منهم داخل المخيمات المنتشرة على الشريط الحدودي بين البلدين ويبلغ عددها حوالي 20مخيماً.أما الجزء الآخر وهو الأكبر فينتشر في ولايات تركية عديدة أبرزها عنتاب, أورفة وأنطاكية.
خالد يرى في بيوت السكن الجماعي الحل الأنسب خصوصا بعدما أزعجته كلمة “سوريالي يوك” ويقول “كل هذا يهون عن كلمة “سوريالي يوك ” التي نسمعها من أصحاب منازل كثر وتعني “سوري لا” وكأننا جئنا نتسول!” ويضيف خالد”قررت فتح سكن جماعي,وهناك بيوت كثيرة تجاوز عددها عشرة ولست الوحيد من فعل هذا، فهناك أعداد كبيرة من الشباب فروا من احتياط الجيش ومنهم من فر بعد دخول “الدولة الإسلامية ” لمناطقهم ناهيك عن الذين خرجوا بقصد العمل,وجميعهم يحتاجون سكن”.
يقيم نادر(29 عاماً) في سكن جماعي مؤلف من طابقين، الأرضي منه يضم عدة عوائل والعلوي يقيم فيه قرابة 15 شابا يتوزعون على ثلاث غرف. نادر قدم من الرقة قبل سبعة أشهر بسبب تردي الأوضاع وملاحقة الدولة الإسلامية للناشطين ومقاتلي الجيش الحر. يقول نادر “استأجرت منزلاً مع مجموعة أصدقاء ولكن بعد فترة أخرجونا منه. لم أتمكن من استئجار منزل آخر لقلة البيوت وارتفاع الإيجارات ناهيك عن رفض أغلب الأتراك تأجير الشباب. أنا مرتاح هنا وأيضا من الناحية الاقتصادية أوفر لي. لو وجدت منزلاً للإيجار مع بعض الأصدقاء لدفعت شهريا ما لا يقل عن مئة ليرة تركية أي ما يعادل 50 دولاراً أمريكياً وذلك عدا فاتورة الكهرباء والماء والإنترنت”.
صالح (31 عاماً) جندي منشق عن الجيش التابع للسلطة في دمشق، أقام في مدينة دير الزور بعد انشقاقه وعمل في مقهى انترنت ومحل لبيع أجهزة الخلوي، ولكن بعد دخول “داعش” تردت الأوضاع أكثر, فقرر ترك عمله والتوجه لمدينة القامشلي رغم تواجد قوات النظام فيها، إلا أنه التزم المنزل وتحاشى الخروج إلى الأسواق حسب قوله. صالح لم يحتمل تقييد حريته فاتجه نحو تركيا عله يجد عملا يعين به نفسه ويمكنه من استقدام أهله المتواجدين داخل سوريا. لم يتمكن صالح من إيجاد عمل مناسب حتى الآن إلى جانب عجزه عن استئجار منزل مستقل لضعف إمكانياته .يعتبر صالح أن السكن الجماعي ليس الحل الأمثل لكنه مجبر.
يتشارك صالح الغرفة مع محمد (22 عاماً) وآخرين منذ ثلاثة أشهر. محمد ترك ريف مدينة حلب نحو تركيا بقصد العمل, عله يدخر ما يكفي من المال للهجرة إلى أوروبا بشكل غير شرعي, إلا أن الحظ لم يحالفه بإيجاد عمل يحقق طموحاته ولازال ينفق من ماله الذي اقترضه من عائلته. اعتبر محمد السكن الجماعي حل مؤقت رخيص الثمن لكنه يفتقد لكافة وسائل الراحة ويضيف “سأتحمل هذا الحال حتى بعد العثور على عمل ولن أبدد مالي قبل تحقيق هدفي “.
عامر (23 عاماً) طالب كلية الحقوق الذي ترك أهلة في مدينة الحسكة واتجه إلى أورفة بحثا عن عمل, يرى أن سلبيات السكن الجماعي أكثر من إيجابياته. ويعتبر عامر أن تجمع الشباب في ظل الانقسامات التي تشهدها سوريا من أكبر السلبيات, ويقول “بتنا نقيم مع أشخاص يختلفون عنا بالتوجهات السياسية والأفكار وحتى الثقافة والأخلاق”. يخشى عامر من انتشار الأمراض المعدية ضمن الغرف المزدحمة بالشباب, ويقول “لا يمتلك أغلبنا ثمن الخبز فكيف لو أصابنا مرض واحتجنا لدواء؟”. عمل عامر في تحميل الأثاث ولم يطق جسده النحيل مشقة العمل ما دفعه لتركه والبحث عن آخر, سعياً وراء تحسين ظروفه وإيجاد سكن لائق, فهو واقع بين مطرقة التشرد وسندان السكن الجماعي حسب وصفه.
ترك سعد (25 عاماً) السكن الجماعي وانتقل للعيش مع أهله القادمين من مدينة دمشق. لم يكن سعد مرتاحا بـ”السجالات الكثيرة والنقاشات العقيمة” التي كانت تتطور أحياناً إلى تلاسن أو مشاجرة بين جدران السكن الجماعي. لم يستسغ اختلاف توجهات وانتماءات النزلاء. يتهم سعد أصحاب السكن باستغلال حاجة النزلاء وقبولهم بظروف معيشة رديئة, إلى درجة تكليف النزلاء بتنظيف المكان, الأمر الذي أثر بنفس سعد ولكن لم يكن باليد حيلة حسب قوله.
نجح أيمن (27 عاماً) حيث فشل آخرون وذلك بفضل مالك المطعم حيث يعمل الذي كفله لاستئجار منزل صديقه. ويقول أيمن “فخرجت من السكن الجماعي على الفور، سمحت لأربعة أصدقاء بالسكن معي مقابل تقاسم الإيجار والمصاريف الأخرى بالتساوي والالتزام بنظافة المنزل, والحمد لله وضعنا الآن أفضل بكثير مما كنا عليه ويكفي أننا ننام بهدوء وضمن مساحة واسعة ولا نتزاحم على دور الحمام والمطبخ”.