الزيجات المختلطة في سوريا تواجه تصاعد الطائفية

ملاحظة: تم تغيير جميع الأسماء بناء على طلب أصحابها.

(دمشق، سوريا) – خالد (46 عاماً)، مُدرّس من الطائفة السنية، متزوج من منى، (35 عاماً)، وهي موظفة من الطائفة الاسماعيلية، عقدا قرانهما في شهر نيسان/ ابريل بعد سنة على انطلاق الثورة. يقول خالد عن الاختلاف الطائفي بينه وبين زوجته “لا نعتبر أنفسنا منتمين لأية طائفة، وأهلنا كذلك. نحن نعيش خارج الإطار الطائفي، لذا لم يكن هناك عقبة تحول دون زواجنا”. وتوضح منى: “لم أعرف باختلاف الطوائف إلا بعد وصولي المرحلة الثانوية، لم يطرح الأمر أبداً في عائلتي، ولم يتعاملوا مع زوجي عند تقدمه لخطبتي إلا على أساس شخصيته وتفاهمي معه”.

سوري يعبر عن  دعمه الزواج المدني - صفحة "زواج مدني في سوريا" على فيس بوك
سوري يعبر عن دعمه الزواج المدني – صفحة “زواج مدني في سوريا” على فيس بوك

خالد ومنى حالة غير شائعة في المجتمع السوري، حيث يندر الزواج المختلط، ولا يعانيان من التوتر الطائفي، على عكس الكثير من الأزواج من مذاهب مختلفة. منى حامل في شهرها السادس، وهي وزوجها خالد يعيشان في وسط أصدقاء متفهمين، وهما يتجنبان الاختلاط بالجيران.

في المقابل، ثمة من تأثر بالأجواء السلبية الناتجة عن الاحتقان الطائفي منذ بدء الأحداث في سوريا.

فاتن (32عاماً) ربة منزل علوية تحمل شهادة جامعية، اضطرت للابتعاد عن أهلها وعدم التواصل معهم إلا في المناسبات نتيجة الخلاف الحاد في الموقف من الثورة. وتقول عن زواجها قبل تسع سنوات من رجل من الطائفة السنية “واجهنا الكثير من العقبات، أولها رفض أهلي السماح لي بالزواج من رجل لا ينتمي لطائفتهم، بحجة الخوف علي بأنني سأكون غريبة بين أهله الذين لن يحترمونني أو يحبوني، وأنني سأنتقل لبيئة مختلفة عن بيئتي، مما سينعكس سلباً على حياتي”، وتضيف “لكنني كنت مؤمنة بقراري ومضيت فيه”.

وقد ازدادت صعوبات فاتن بعد انطلاق الثورة والفرز الطائفي، كما ازدادت المسافة بينها وبين أهلها الرافضين للثورة، وبين أهل زوجها الرافضين لها نتيجة انتمائها الطائفي وبالرغم من موقفها المتوافق معهم من الثورة. تقول فاتن “ارتديت الحجاب لإرضاء زوجي وأهله، والتزمت بعاداتهم حفاظاً على زواجي وأطفالي”. ثارت فاتن على “مجتمع غير حر، لا تحكمه قيم المواطنة والقانون”، ولكنها الآن تعتقد أنها كأي امرأة تدفع ثمن تخلف المجتمع، سواء تزوجت من الطائفة نفسها أو من غيرها، وتضيف “إن الاضطهاد في مثل حالتي وفي ظل ما يحدث يكون مزدوجاً فتعيش امرأة مثلي حياتها لتدفع ثمن اختيارها، وتُكفر عن انتمائها وانتماء أهلها”.

 يتحدث عبد الله (41 عاماً) فنان تشكيلي، سني، عن الصعوبات التي واجهت زواجه قبل ما يزيد على السنة وتحديداً في آب/ أغسطس 2012 بسناء (33عاماً) وهي موظفة علوية، وكلاهما من ريف حمص، ويقول “ضغطنا كثيراً على أهل زوجتي ليوافقوا على زواجها مني، وقبلوا ذلك خوفاً من الهرب والزواج “خطيفة” (من دون موافقة الأهل)”. ويضيف عن علاقتهما بعد انطلاق الثورة والتجييش الطائفي: “لم تؤثر فينا هذه التحريضات الطائفية، نحن نختلف ونتفق كأي زوجين طبيعيين… نتخاصم على ترتيب البيت وزيادة الملح على الطعام وترك الشعر في المغسلة فقط… ولم ولن يؤثر الاختلاف الديني على حياتنا لاشتراكنا بعقلية علمانية واحدة”.
لا يمنع القانون السوري الزواج بين الطوائف الإسلامية على اختلافها فلا يضطر أي من الزوجين لتغيير دينه إذا كان منتمياً لأي منها، عدا الشاب الدرزي الذي يجب أن يشهر إسلامه. يقول المحامي أيهم: “رغم اعتبار الطائفة الدرزية إحدى الطوائف الإسلامية، إلا أنها تمتلك محكمة شرعية خاصة بها، وقد استثنت المادة 307 من قانون الأحوال الشخصية تطبيق بعض أحكام الشريعة الإسلامية بالنسبة للدروز، والمحكمة المذهبية الدرزية تفرض على الزوجين أن يكونا درزيّي الأصل، فالمذهب الدرزي لا يُعتنق”.

وينطبق الأمر إلى حد كبير على  الطوائف المسيحية، التي بدورها تتحفظ أحياناً على الزواج ما بين مسيحيّين من كنائس مختلفة، وترفض قطعياً زواجهم من المسلمين.

يفرض قانون الأحوال الشخصية السوري على الرجل المسيحي ترك دينه وإعلان إسلامه في حال رغبته في الزواج من امرأة مسلمة وقد نصت المادة 48 من قانون الأحوال الشخصية في الفقرة الثانية على أن زواج المسلمة بغير المسلم باطل، بينما تستطيع المرأة المسيحية الاحتفاظ بدينها عند زواجها من رجل مسلم، ما يترتب عليه حرمانها من الإرث بحكم المادة 264 من قانون الأحوال الشخصية، ناهيك عن الممارسات العقابية المجتمعية التي تتراوح بين النفي والقطيعة والتي قد تصل إلى حدود القتل.

ميشا (26 عاماً) طالبة ماجستير اعلام، مسيحية، اتخذت قرار الزواج من مسلم اسماعيلي، قام هو بتغيير دينه إلى المسيحية بموافقة أهله للحصول على رضا أهل الزوجة المسيحيين بعد إجراء مراسم الزواج في الكنيسة في لبنان. تقول ميشا “نحن نؤمن بفكر لا ديني، ولكن المجتمع والقانون في سوريا يقولب الفرد ضمن طائفة محددة وصورة نمطية، ولا تقتصر العقوبات على الثقافة الذكورية التي تحارب كل ما هو غير مألوف في العرف الاجتماعي وخارج عن سلطة الأهل والمجتمع. تتمثل العقبة الأساسية في أن الدولة، وعبر القانون في سوريا، لا تحمي الخيارات الفردية للإنسان، وانما تحمي الثقافة الذكورية خاصة في كل ما يتعلق بالسيطرة على جسد المرأة”.

اللافت أن ميشا وزوجها، الذين انتقلا إلى الولايا المتحدة مؤخراً بعد حصول ميشا على منحة دراسية، لن يستطيعا تسجيل زواجهما في سوريا، فالقانون المستند إلى أحكام الشريعة الإسلامية سيعتبر الزوج مرتداً عن الإسلام، وقد تطاله يد العقاب إن لم يكن من قبل الدولة، فمن قبل المتشددين الإسلاميين المنتشرين بكثرة في البلد.

ترى ميشا أن كثيراً من الاسباب الكامنة وراء الخطاب الطائفي في سوريا هي عزلة الطوائف بنسبة كبيرة وعدم احتكاكها وتواصلها مع بعضها البعض، وتؤكد أن الزواج المدني هو أحد الحلول لمستقبل يكون الانتماء الأعلى فيه للوطن وليس للدين أو الطائفة والقبيلة، وهذا ما يؤكده أيضاً عبد الله الذي يؤمن بأن الزواج المدني يمنح الكثير من الحرية لأفراد المجتمع.

وتعتقد ميشا أن “إزالة العوائق القانونية أمام الزواج المدني الذي يحفظ حقوق الزوجين الكاملة بعيداً عن متاهات القوانين الطائفية، هو مفتاح الأمان لسوريا المستقبل”.

يبقى التساؤل مشروعاً عن إمكانية إقرار قانون للزواج المدني في سوريا، فعلى صعيد التوعية انطلقت دعوات وحملات تروّج لفكرة الزواج المدني، وجدت لها مكانا على صفحات فيس بوك، وقد تجاوز عدد المعجبين بهذه المبادرات الآلاف، كصفحة “حاج تقول مجتمع فوت وقع انت مع الزواج المدني” وصفحة “زواج مدني في سوريا” التي تشكل أرضية مهمة تتبنى الفكرة وتدعو إليها. أما عن الأرضية القانونية فإن الأمر يبدو معقداً وشائكاً، فالزواج المدني يتضمن الإقرار بالعلمانية وهو الأمر الغير متوفر في الدولة السورية رغم إشاعة الحزب الحاكم فيها عكس ذلك.

يقول محمود، وهو كاتب وباحث أكاديمي في شؤون السياسة والدين في سوريا: “لا ينفك حزب “البعث” أن يطرح نفسه كحزب علماني، لكنه حقيقة لا يمتلك من العلمانية سوى القشور، والبراهين كثيرة أقلها أن الدولة العلمانية لا تفرض في دستورها الإسلام ديناً للرئيس، ولا تجبر المسيحي على إشهار اسلامه إذا اقترن بامرأة مسلمة، وتمنع في الوقت ذاته المسلم من أن يغير دينه. هذا وحده كافٍ لإثبات زيف علمانية دولة “البعث””.