الدمشقيون يتابعون حياتهم على وقع الانفجارات
تروي رجاء (23 عاماً)، وهي موظفة تعمل في شركة تصنيع أدوية، أنها لم تستطع متابعة عملها بشكل اعتيادي بعد انفجار حي المزرعة، الذي وقع يوم 22 شباط/فبراير وأودى بحياة أكثر من خمسين شخصاً.
“أخذت إجازة لمدة يومين بعد الانفجار؛ جزء من طلب الإجازة كان بسبب حالة الهلع التي انتابتني،” تقول رجاء. “لقد كنت في ذلك اليوم على بعد خمس دقائق من الانفجار. مشاهد الموت والأشلاء لا تزال تؤرق ذاكرتي في كل لحظة.”
العنف أصبح أمراً يمكن للمرء اختباره بنفسه في دمشق، ولم يعد أهل العاصمة يرون مشاهد الانفجارات والقصف تنقل على شاشات التلفزة من المحافظات البعيدة فحسب.
مع أن انفجار حي المزرعة كان الأعنف حتى الآن في دمشق منذ بداية العام الحالي، إلا أن العاصمة السورية تشهد حوادث أمنية بشكل شبه يومي، قد لا يتم نقل أخبار عنها في وسائل الإعلام العربية والعالمية. فقد وقعت ستة انفجارات على الأقل خلال شهر شباط/فبراير، كما أنّ الاشتباكات بين “الجيش الحر” والقوات النظامية آخذة بالتوسع لتطال مناطق جديدة عند مداخل المدينة، مثل أحياء جوبر والمهاجرين وركن الدين. كان أبرز هذه الحوادث مؤخراً سقوط قذائف هاون على حي باب شرقي يوم الاثنين 11 آذار/ مارس، أودت بحياة أربعة أشخاص.
أصبحت هذه الأحداث واقعاً يفرض نفسه على أهالي دمشق ويتطلب منهم ابتكار طرقهم الخاصة للتعامل معها في حياتهم اليومية.
يقول لؤي، طبيب الأسنان البالغ من العمر 30 عاماً، إنه كف عن الاكتراث بما يحدث.
“أنا ذهبت إلى المقهى حيث دخنت نارجيلة و”فشيت خلقي”،” يضيف لؤي، شارحاً ردة فعله على انفجار حي المزرعة. “فليحصل ما يحصل؛ لقد تعبت من الحزن والأسى حتى أصبحت لا مبالياً.”
إلا أن معظم أهل العاصمة أصبحوا يتجنبون كثرة التجوال، لا سيما في المساء، فقد أصبح من المعتاد أن تفرغ الشوارع الرئيسية من المارة بعد الساعة السادسة مساءً.
“الحذر واجب؛ غالباً بعد كل انفجار ألغي جميع مشاريعي التي تتطلب الذهاب إلى منطقة الحادث، وحالياً أحاول التقليل من تحركاتي قدر المستطاع،” يقول فادي، وهو نادل شاب يعمل في مقهى في حي الشعلان، قبل أن يضيف، “لكن بالنهاية الحوادث تقع ولا أحد يستطيع الابتعاد عن الموت، لكن الحذر واجب.”
على عكس فادي، لا يستطيع سائق سيارة الأجرة أبو محمد أن يقلل من تحركاته، لأن عليه أن يعمل كل يوم ليتمكن من إطعام أولاده، كما يقول.
مثل كثير من السوريّين، يضع أبو محمد ثقته في الله ليساعده على تحمل نزاع لا تظهر بوادر حله قريبة.
“لن يحصل إلا ما كتبه الله،” يقول أبو محمد.”ما يحدث في سوريا يتعدى كونه مشكلة تُحل في عدة أيام؛ على ما يبدو فإن الأمور قد خرجت عن سيطرة الطرفين وتتجه إلى تصعيد أكبر… أحياناً أشعر بالخوف، لكنني إنسان مؤمن، واثق بحكمة الله وأوكله بنفسي؛ هذا الإيمان هو ما يساعدني على التعايش مع الحرب.”
يشرح الطبيب النفسي جلال نوفل أنّ المرونة أساسية في تقبل الناس فكرة الموت وسرعة معاودتهم نشاطهم اليومي في حال غياب الاستقرار الأمني، وأن التديّن يزيد من هذه المرونة.
“فكرة الجنة تريح الإنسان،” يقول الطبيب، مضيفاً أن هناك عوامل اجتماعية أخرى تساعد الإنسان على الاستمرار في الحياة رغم المصاعب.
“ثقة الفرد بجماعته السياسية… تساعده على تجاوز التضحيات والاستمرار قُدماً، كذلك التربية واحتضان العائلة للفرد… كلها تحسن من امتصاص الفرد الصدمات النفسية.”
إلا أن الطبيب النفسي لا ينفي أن استمرار الحوادث الأمنية يؤدي في النهاية إلى فقدان الفرد ثقته في مجتمعه، وهو ما ينتج عنه النزوح أو اللجوء.
تقول ميساء (36 عاماً)، وهي أم لطفل وتعمل مديرة تسويق في إحدى الشركات الخاصة، إنها تتحمل غياب الاستقرار وتتعامل معه بمتابعة حياتها بشكل طبيعي، إلا أنها تسعى جدياً إلى مغادرة سوريا حفاظاً على حياة طفلها.
“أنا وزوجي ننتظر الحصول على تأشيرة السفر إلى أستراليا،” تقول ميساء. “القرار صعب، لكن تصاعد وتيرة العنف والانفجارات التي أصبحت في كل مكان، دفعتني إلى اتخاذ قرار السفر من أجل حماية إبني؛ هو أغلى ما عندي ولم يقترف أي ذنب حتى يستحق أن يموت هنا.”
يتزايد بحث السوريين عن ملاذ آمن خارج بلدهم، فقد بلغ عدد اللاجئين المسجلين خارج سوريا مليون، وهو رقم مرشح للازدياد إلى ثلاثة أضعافه بحلول نهاية العام الحالي، بحسب “مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”. ولكن على رغم الآلام التي يتحملها الدمشقيّون والسوريون عموماً، فهناك ما يبعث على الأمل بأن الحياة ما زالت مستمرة في العاصمة، وإن بصعوبة. بعد عدة أيام من وقوع انفجار حي المزرعة، انطلقت ورشات ترميم ما تهدم من مبانٍ في الحارات المجاورة وبدأت تعلو أصوات المطارق وعمال البناء، في مشهد يشير إلى قدرة السوريّين على النهوض بعد كل نكسة.