الحب في زمن الحرب
الحرب التي دمرت سوريا دمرت أيضاً بعض العلاقات الزوجية وحالت دون زواج الكثيرين.
كرم منصور
(دمشق، سوريا) – تستيقظ إيمان (27 عاماً) على صوت “الواتس أب” منذراً برسالة من خطيبها المقيم في لبنان، والذي غادر دمشق حيث تقيم هي هرباً من الملاحقة الأمنية. جوال إيمان لا يفارقها، فهو الصلة الوحيدة التي تصلها بخطيبها، تعبر بأصابعها عن أشواقها وعواطفها ويومياتها التي تتشاركها معه ولو عن بعد.
تقول إيمان: “قبل حوالي عامين تقدم محمد لخطبتي. وافق أهلي، لكن بعد ثلاثة شهور تمت مداهمة بيته الواقع بحي ركن الدين (في دمشق)، فاضطر للهرب خارج البلاد، غادر إلى لبنان وبقيت أنا هنا”. توضح إيمان أن محمد وما إن خرج إلى لبنان لم يبق من وسيلة للتواصل معه سوى الجوال.
وتضيف إيمان “لقد أرسل لي موبايل حديث لنتشارك أنا وإياه عبر وسائل التواصل الاجتماعي مشاعرنا وأحاسيسنا، نتبادل أنا وخطيبي الصور، كي نوهم بعضنا أننا نتشارك حياة واحدة رغم بعد المسافة بيينا”. هكذا تصف إيمان وضعها الآن وتعلّق ساخرة “لكن ما إن تنقطع الكهرباء أو شبكة الاتصالات حتى تتوقف حالة الحب بيننا. مشاعرنا كلها أصبحت مرتبطة بالتكنولوجيا، كل ما توفرت التغطية أكثر عبرنا عن مشاعرنا بشكل أفضل”.
تختم إيمان حديثها “لكن كلانا يعلم أن كل المشاعر التي نعبر عنها بواسطة التكنولوجيا تسقط أمام لحظة لقاء حقيقة واقعية، وهذا دائماً ما نحلم به”.
حالة الفوضى التي فرضتها الحرب السورية انعكست على علاقات الكثير من الناس هنا. عبير (22 عاماً) مخطوبة، وتقيم في دمشق، فقدت الاتصال بخطيبها منذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
مراون، خطيب عبير، حين فقدت الاتصال به كان متوجهاً من منزله في حمص إلى دمشق. راجعت المستشفيات والمخافر، لكنها لم تجد له أثراً.
تقول عبير: “الجميع يعلم أن الفروع الأمنية هنا، لا تعطي أسماء الموقوفين لديها، لذلك لا أحد يعلم إن كان معتقلاً في أحد الفروع الأمنية سوى الله، واذا كان معتقلاً هل ما زال حياً أم أنه فارق الحياة، وبالمقابل لم تعلن أي كتيبة من كتائب المعارضة اختطافه، فهو بعيد كل البعد عن السياسة، ولم يتعاط بها منذ بداية الأحداث”.
تجهش عبير بالبكاء وهي تحدث نفسها “ما زلت أحيا على أمل اللقاء به. أعيش على الأحداث التي عشناها وما زالت محفورة في ذاكرتي، على الصور التي أحتفظ بها، مع أن كل يوم يمضي, أمل اللقاء به يتضاءل” ولكنها تتمسك ببصيص أمل.
وداد (24 عاماً) نزحت من الغوطة الشرقية إلى منطقة الصناعية في دمشق، بينما آثر زوجها البقاء في دوما حيث لاقى حتفه هناك. وداد بدأت حياةً جديدةً، وتعرفت على منصور أحد عناصر مليشيا “الدفاع الوطني” الموالية للنظام في الحي.
تقول وداد: “عند وصولنا بخلاف زملائه بدا منصور لطيفاً معنا، كان يردد ممازحاً عندما يرانا مصادفةً في الشارع: صحيح أنكم من الغوطة ولكن “أوادم” ولستم من جماعة المشاكل”.
تكمل وداد حديثها: “عندما كانت تقع مداهمات في الحي الذي نقطنه، كان منصور يخرج من منزله المقابل لمنزلنا، قائلاً: هدول الجماعة عندي”.
تعتبر وداد أن منصور كان يعاملها بكثير من الاحترام رغم أن أغلب الناس هنا ينظرون إليهم على أنهم من الدرجة الثانية باعتبارهم نازحين.
تزوج منصور ووداد بعد ثلاثة شهور من نزوحها، بعد معرفة خبر وفاة زوجها.
تضيف وداد: “ها نحن الآن متزوجون، لا أريد سوى العيش ما تبقى من حياتي باستقرار. أريد لأطفالي أن يعيشوا خارج إطار الحرب”.
أما منصور يعلق على موضوع ارتباطه ضاحكاً: “في السابق كنت أظن جميع من يقطن في الغوطة عملاء متشددين لايؤمنون إلا بالفكر الجهادي، أما الآن فقد تزوجت بفتاة من الغوطة. الحرب فرقت الجميع، لكنني على يقين بأن المشاعر الصادقة تستطيع أن تجمعهم”.
الثورة التي قسمت المجتمع السوري عامودياً بشكل طائفي، كانت سبباً في اجتماع العديد من الأزواج الجدد، كما في وعي أهمية الرابط الأسري من أجل مجتمع مدني. فمنذ بداية الثورة السورية، أطلقت مجموعة من الناشطين حملات تدعو إلى إحداث تغيرات في المجتمع ومنها صفحات على “فيس بوك” تدعو للزواج العابر للطوائف، كان أبرزها صفحة “زواج مدني في سوريا”، و”نعم للزواج المدني في سوريا”، إضافة إلى صفحة “رسالة الحب والحرب”.
نغم (30عاماُ) تعيش في حي باب شرقي، وتعمل في منظمة “الهلال الأحمر”، تتشارك السكن مع صديقها مارسيل الذي ينتمي لطائفة غير طائفتها. تعرفت نغم على مارسيل أثناء النشاطات المدنية التي كانا يقومان بها في العاصمة منذ بداية الثورة. كلاهما كانا يحلمان بالوصول إلى دولة ديمقراطية لها دستور علماني لا يميز بين الناس بحسب هويتهم الطائفية أو المذهبية، على حد تعبيرهما.
نغم ومارسيل تطوعا في “الهلال الأحمر” قبل أن يصبحا موظفين رسميين في المنظمة.
تقول نغم أنها ومارسيل، على رغم كل شيء، ممتنان للظروف السيئة التي بفضلها اجتمعا: “غيّرت الثورة عند انطلاقها الكثير من المفاهيم لدينا حول الدين والطوائف، جعلت السوريين المعارضين أكثر قرباً لبعضهم، أكثرانفتاحاً على الآخر، لذلك أحببت مارسيل رغم اختلاف مذاهبنا، كنا متلازمين في كل الأحداث التي عشناها، ونتمنى البقاء مع بعضنا للأبد”.
لكن مارسيل ونغم يسعيان الآن إلى الهروب من الحرب ومغادرة البلاد، ويعبران عن ذلك بقولهما: “النظام طائفي والمعارضة طغت عليها الصبغة الطائفية. لم يعد لنا مكان في هذا البلد ونسعى للخروج وللعيش بسلام”.
الحرب التي دمرت البلاد دمرت أيضاً بعض العلاقات الزوجية وحالت دون زواج الكثيرين، لتصبح سوريا في المرتبة الثانية من حيث أعلى نسبة عنوسة في الوطن العربي في العام 2013 بحسب تقرير نشرته إذاعة هولندية، حيث وصلت النسبة إلى 70 بالمئة.