أهلي… أنا بخير!
قبل يومين من حلول العام الجديد، ونتيجة الأوضاع التي نعيشها، كنا نلجأ إلى الأمنيات. كنتُ أتمنى أن يحمل لي هذا العام أياماً أفضل، تُنسيني ما أعيشه من آلام. خاصة وأنني لاجئة في المخيمات التركية، وأعاني قساوة العيش والتأقلم.
في صباح 29 كانون الأول/ديسمبر 2013، شبَّ خلاف بيني وبين زوجي، ضربني بقطعة حديدية، كادت أن تودي بحياتي! خمسُ ضربات بالحديد! وأنا أصرخ طلباً للمساعدة! وطفلتاي تختبئان من خلفي وتبكيان بصوتٍ عالٍ… كنت أقف بمواجهة القطعة الحديدية، خوفاً من أن يصيب بها طفلتَي… وأنا أصرخ!
حينها دخل الجيران وقاموا بتهدئة زوجي. وعند سؤاله، عمّا فعله، كانت إجابته: “ساعة شيطان”.
طلبتُ إخراجه من الخيمة، وقلت لهم: “لا أريده لا أريد رؤيته ثانيةً! وإلا سوف أشتكي عليه للجندرمة التركية!”
فأخرجهُ الجيران…
بعدها، أمضيتُ ساعات والنساء من حولي يواسينني: “تحصل هذه المشاكل في كل عائلة… عليكِ السكوت وعدم التقدم بشكوى ضد زوجك”.
حينها لم أكن أشعر بأي ألم، سوى أني لا أستطيع تحريك يدي اليسرى. كنت لا أفكِّر إلا بطفلتَي الخائفتين وهما تبكيان خوفاً علَي.
أنا بين خيارين:
إمّا العودة إلى أهلي في سوريا وترك طفلتَيّ.
أو عدم التبليغ عن زوجي، والبقاء مع طفلتَيّ وكأن شيئاً لم يكن!
بعد تفكير، اتخذتُ القرار الثاني.
في حين لم أكن أشعر بأي ألم في جسدي، قررتُ النوم لأنَّ رأسي يؤلمني بشدة.
وبعد ساعتين استيقظتُ وقد حلَّ المساء. وكانت طفلتي الصغيرة تطلب الخروج إلى الحمام. فأخذتها إلى الحمامات التي تبعد مسافة عن الخيمة.
عند عودتي، لم أستطع السير على قدمي! وقفتُ كقطعة خشبية، لا أستطيع الحراك…
كانت عيناي تسيلان بالدموع… أقفُ ومَن يقف خارج خيمته، ينظرُ نحوي.
ابنتا عم زوجي شاهدتاني بهذا الحال! حاولتا مساعدتي حتى وصلتُ الخيمة. فرميتُ نفسي بداخلها على الأرض، وبدأتُ أبكي وأصرخ:
“أريدُ أبي أن يأتي ويأخذني من هذا المخيم!”
كنتُ قد ظننتُ أني أُصبت بالشلل!
تمَّ طلب سيارة الإسعاف، ونُقلتُ إلى مستشفى داخل المدينة. أجروا صورة لساقي ويدي، وعلمتُ أنَّ يدي اليسرى قد كُسرت، وساقي وجسدي كلهُ تشنج نتيجة الضربات. وأحتاج لمدة كي أستطيع التحرك.
قاموا بتجبير يدي، وبما أنها عطلة رأس السنة، عليّ العودة لرؤية طبيب العظام بعد يومين.
في الثاني من كانون الثاني/يناير 2014، عدتُ إلى المستشفى بصحبة جارتي من حلب، التي تحبني وتعتبرني بمثابة ابنتها. لم يكن لي أحد من أقاربي هناك، سوى أقارب زوجي.
كنت متألمة للوضع الذي أنا فيه…
دخلتُ المستشفى، وقال لي الطبيب المختص، أني بحاجة لوضع صفيحة في يدي اليسرى التي كُسرت. أجريتُ العملية دون أن يحضر معي أحد من أقارب زوجي.
كانت أقسى لحظات أعيشها في غرفة العمليات، التي أدخلها لأول مرة. ولا يوجد برفقتي سوى جارتي، التي رأيتُ فيها وجهَ أمي.
كنتُ أريد البكاء، لكن لم أستطع وكأنَّ الدموع جفت من عينَي. ولا يخال لي سوى وجهَي طفلتيّ، اللتين تركتهما في الخيمة مع والدهما. وهوَ لم يفكر بمرافقتي، لأمضي ثلاثة أيام في المستشفى دون أن يسأل أحدٌ عني.
بعدما أجريت عملية ليدي، خرجت من المستشفى، وعدتُ إلى المخيم.
قامت جارتي بخدمتي وخدمة طفلتيّ الصغيرتين. لكن ساقي بقيت تؤلمني، فعدّت إلى المستشفى لرؤية الطبيب.
لأُصدَم بأنَّ قدمي بحاجة لعمل جراحي أيضاً، بسبب تموضع كتلة دماء تحت الجلد!
أجريت هذه العملية أيضاً، ولم يكن برفقتي سوى جارتي.
مضى شهر كامل وأنا أُعاني من الألم. عمليتان جراحيتان في ذات الشهر، كانت أكبر مأساة بالنسبة لي…
تحمَّلتُ الكثير من المعاناة، حتى فككتُ قدمي ويدي التي لم أستطع تحريكها. وتمَّ تحويلي إلى قسم المعالجة الفيزيائية لمدة عشرين يوماً… لكن لم تعد قدمي إلى طبيعتها حتى الآن، وستبقى تُعيقني في كثير من الأمور!
وبعد أربعة أشهر، قمت بعمل جراحي آخر ليدي، لإخراج الصفيحة منها.
كتمتُ كلَّ ما جرى لي لمدة ستة أشهر عن أهلي في سوريا، حتى شُفيت تماماً.
كنتُ أُحدِّثهم دائماً على الهاتف، وأُطمئنهم بأني سعيدة مع زوجي وأني بخير… حتّى لا يصيبهم القلق من أجلي.
كنتُ أُوصى كل من يذهب إلى مدينتي في سوريا، بعدم الإفصاح عمّا جرى لي لأي أحد من أقاربي.. إلى أن ذهبتُ أنا إلى هُناك…
تغريد العبدالله (30 عاماً) من مدينة كفرنبل، متزوجة ولديها طفلتين. نزحت عدة مرات ضمن سوريا وثلاث مرات إلى تركيا