أهالي جرمانا غاضبون من قذائف المعارضة

راحيل إبراهيم*

(جرمانا، سوريا) – يبدو الغضب واضحاً على وجه معتز (34 عاماً) وهو يتحدث عن تعرض بلدته جرمانا في ضواحي دمشق للقصف من قبل المعارضة، ويقول “يجب أن يعلم الجميع أن صبرنا بدأ ينفذ، لن نرضى البقاء تحت رحمة قذائفهم”. ويسأل معتز، الذي يعمل نادلاً في مطعم، مخاطباً مراسلة “دماسكوس بيورو”، “لماذا لا تكتبون أن زجاج المدارس يسقط على رؤوس أولادنا، ليرى العالم كله ويسمع ماذا يفعل بنا هؤلاء المجرمون؟” في إشارة إلى مسلحي المعارضة. 

رسم نشرته صفحة "تنسيقية جرمانا" على فيس بوك
رسم نشرته صفحة “تنسيقية جرمانا” على فيس بوك

يستهدف مسلحو المعارضة مناطق دمشق وضواحيها الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية بقذائف الهاون والصواريخ، معلنين أن ذلك رداً على الحصار الذي تفرضه القوات الحكومية على الغوطة الشرقية، الذي سبّب أزمة في المواد الغذائية، بالإضافة إلى القصف الجوي والمدفعي. وحصد القصف من قبل القوات الحكومية، على الأقل، أرواح 21 مدنياً في مناطق ضواحي دمشق وريفها الواقعة تحت سيطرة المعارضة منذ بداية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير، بحسب إحصاءات “مركز توثيق الانتهاكات في سوريا” المعارض. إلا أن القصف من قبل المعارضة، وإن لم يكن بالقوة النارية نفسها، يصيب في الكثير من الحالات مناطق مدنية وليس مراكز أمنية أو عسكرية.

في فيديو منشور يوم 21 تشرين الأول/ أكتوبر على موقع “يوتيوب” باسم “لواء درع العاصمة”، يعلن المتحدث تبني هذه المجموعة إطلاق صواريخ محلية الصنع ضد “تجمعات الشبيحة في منطقة جرمانا رداً على قصف الغوطة الشرقية”، على حد تعبيره. لم تتضح نتيجة عملية القصف هذه بالتحديد، إلا أن مصادر إعلامية محلية، منها يعارض الرئيس بشار الأسد مثل صفحة “تنسيقية جرمانا” على “فيس بوك”، تشير بشكل متكرر منذ تشرين الأول/ أكتوبر إلى سقوط قتلى وجرحى بينهم نساء وأطفال. كما تتساقط تلك القذائف بشكل شبه يومي على مناطق مثل باب توما، وأبو رمانة، والقصاع، والعباسيين، والأمويين، والمزة التي تسيطر عليها القوات الحكومية.

جرمانا الواقعة تحت سيطرة القوات الحكومية، والتي كانت بالأساس مكتظة بالسكان قبل بدء الأزمة في سوريا، استقبلت آلاف المهجرين من المناطق المحيطة، بمن فيهم أهالي منطقة الغوطة القريبة المؤيدين للثورة بغالبيتهم. وكان مسلّحو المعارضة المتواجدون في الغوطة حاولوا مرات عديدة دخول العاصمة دمشق عبر جرمانا، لكن محاولاتهم باءت بالفشل. أصبح مسلحو المعارضة حالياً في موقع دفاعي بعد تحقيق القوات الحكومية تقدماً جنوب دمشق، إلا أن الاشتباكات بين الطرفين لم تتوقف وسقوط القذائف على دمشق والمناطق المحيطة بها يتكرر.

الكثير من أهالي جرمانا يشعرون بالخيبة، متهمين المسلحين بأنهم لم يحفظوا الجميل. يقول معتز، موجهاً غضبه إلى المسلحين: “في جرمانا استقبلنا نساءهم وأولادهم، وهم ردّوا الإحسان بالإساءة”.

عامر (36 عاماً)، وهو أب لطفلين أصيبا جراء سقوط قذائف بجانب مدرسة فايز سعيد محمود، ألمح إلى أن المسلحين قد ضلّوا الطريق عبر عمليات القصف هذه، ويقول: “إذا كان هؤلاء يخوضون حرباً ضد جرمانا، فعليهم أن يحددوا لماذا يخوضونها، وأن يروا النتائج التي يحققونها”.

“لا يستطيع هؤلاء المسلحون أن ينظروا إلى جرمانا وغيرها من المناطق التي تطالها قذائف الموت، إلا كمجموعة شبيحة ومحسوبين على النظام”، تقول المدرّسة سميّة (40 عاماً) وتضيف: “لا أحد ينظر إلى الجهود الإغاثية الكبيرة التي قدمتها جرمانا منذ بداية الأزمة، والمساعدات التي قدمها أهلها وما زالوا، لكل النازحين من كافة المناطق السورية”.

في المقابل يقف النازحون من منطقة الغوطة، بعضهم يرى الأمور بطريقة مختلفة. يقول عماد (42 عاماً) الذي يعمل مدرباً لكرة السلة في صالة رياضية، إنه يؤيد بشدّة قصف مواقع النظام حتى إذا كانت في مناطق سكنية، وفي تبريره موقفه يوضح: “النظام بالغ في قتل السوريين، دمر بلداً بكاملها من أجل البقاء في السلطة، والجيش الذي يفترض أنه جيش لكل السوريين، لم يستخدم سلاحه إلا لقتل أبناء البلد”. ويعتبر عماد أن المناطق السكنية التي تقع فيها مواقع للقوات الحكومية بقيت صامتة، ولم تبدِ أي اعتراض على ما قام به النظام من قصف لمواقع المعارضة واستهداف الأهالي فيها.

من جهتها تتحدث رئيفة (41 عاماً) عن مجازر ارتكبها “الجيش الأسدي”، كما أسمته، في منطقة القابون التي تقع شمال العاصمة دمشق، قبل أن تهجرها إلى جرمانا بعد أن دمر منزلها وفقدت عملها.

رئيفة، التي كانت تعمل في مشغل للخياطة قبل أن تنزح، أبدت موافقتها على ضرب حواجز ومواقع للجيش وكل ما يساعد على إسقاط النظام، معتبرة أن هذا هو “الحل الوحيد المتبقي في ظل غياب الدعم الكافي للمعارضة”.

بين أهالي جرمانا الأقرب للنظام والنازحين من الغوطة الأقرب للمعارضة يقف رامي (26 عاماً)، طالب أدب انكليزي، ذهبت والدته ضحية للقذائف التي أطلقها مسلحون على حي القصاع بدمشق، قائلاً إن هذه القذائف لم تصب أي هدف عسكري أو أمني. يقول رامي: “كنت أقف مع “الجيش الحر”، آمنت بأنهم من يحمينا ويدافع عنا، لكن عقلي إلى الآن لا يستوعب ما حدث… أنا لم أعد أريد شيئاً، لكنني أريد أمي، أريدها الآن”.

*اسم مستعار لصحافية تعيش داخل سوريا