أفكار حول الثورة والنظام وخطاب الأسد
في خطابه الأخير، تراجع بشارالأسد عمّا قدمته بثينه شعبان من وعود. كان الرئيس السوري صريحاً فلم يقدم وعوداً ولم يعط مواعيد، بل أدلى بالمزيد من التهديدات، بالمزيد من الهجوم على الفضائيات العربية، تماماً كما يفعل الإعلام السوري الحكومي والخاص منذ أسبوع.
صدم خطاب الأسد الجميع. لم يقدم شيئاً سوى دوغمائية فاشلة أكل الزمان عليها وشرب. مسرحية فاشلة كان بطلها الأول، بمشاركة كومبارس مؤلف من 250 ممثلاً على الشعب هم أعضاء مجلس الشعب. خطاب يدغدغ العواطف: “بشار يفدي الشعب”، احتيال، سخرية، لعب على الكلمات: “لا نهرب أمام الأزمة بل نسير معها”.
يعتقد الرئيس السوري، كحال كل الديكتاتوريين الذين سبقوه، أنه يخاطب أطفالاً فيتجنب مخاطبة العقل. يتحدث الأسد عن أولويات الإصلاح، فيضرب مثلاً عن الخبز والحرية ليقنعنا أن الطعام أهم من الحرية، وليقول لنا أنه لن يلغي قانون الطوارئ. لكنه يتجاهل أنهم سرقوا قوت الشعب بواسطة قانون الطوارئ. فغياب الحريات شرّع وساعد كثيراً على سرقة قوت الشعب. لو خُيّر بشار الأسد بين أمرين: وليمة فخمة كل يوم لكن في السجن-سجن صيدنايا العسكري مثلاً- وبين طعام عادي لكن في الحرية أي الأمرين يختار؟ سيختار طبعاً الطعام العادي في الحرية، فكيف إذا كان نظامه يسرق قوت الشعب السوري ويرميه في سجن كبير في آن معاً؟ كل ما نتمناه ألا يكون خطاب بشار مقدمة لمجازر واعتقالات واسعة النطاق، هذا ما نقرأه بين السطور بعد إعلانه أن “كل من شارك في الفتنة عن قصد أو عن غير قصد يشارك في قتل الوطن”.
كان على كاتب الخطاب- السيناريو أن يخجل قليلاً، فلا يجبر البطل على الضحك والتنكيت، فدماء الشهداء في درعا واللاذقية لم تجف بعد.
من جهتها، استخدمت بثينة شعبان كلمتي سنّي وعلوي، للمرة الأولى في خطاب رسمي سوري لطالما حرص على “وصف” النظام السوري كنظام علماني، فيما يعتبر محللون أن النظام السوري يلعب الورقة الطائفية. هذا ما حاول النظام المصري فعله حينما حاول تخريب الثورة بالطائفية. في سورية كذلك، يريدون تخريب الثورة وحرفها عن طريقها بالطائفية. يريدون إعاقة الثورة قبل تصاعدها إلى نقطة اللاعودة.
مع ذلك، وأياً كانت وسائل النظام، فباب الثورة لن يغلق بعد الآن، حتى لو اتهم الثوار والمعارضين لسياساته بالعمالة. بهذا يضع النظام نفسه في مواجهة ثمانين في المئة من الشعب السوري. الشعب معارض ليس لأنه يحب المعارضة، ليس لأنه يكره الذين في النظام، بل لأنه يريد التغيير. والشعب السوري ليس أقل من بقية الشعوب العربية، يستحق الأمن والكرامة والعدالة والحرية . يريد اللحاق بأخوانه وأخواته في تونس ومصر. بقاء النظام السوري على هذه الشاكلة وبهذا المضمون يدفع نحو تقسيم البلاد، لأنه سيحوّل كل احتجاج سلمي إلى قضية طائفية، ومؤامرة خارجية. على النظام السوري أن يبادر إلى إجراء إصلاحات سياسية حقيقية، لأنه من دون ذلك يؤسس لانفجار اجتماعي كبير، والأهم أنه يؤسس لثورة سورية أضخم بكثير وأعمق من الثورة السورية الراهنة.
يستمر النظام في الكذب وربط كل إحتجاج شعبي بجهة خارجية. عدا عن أن هذا أمر يدعو للقرف، فهو ما عاد ينطلي على أحد. آخر أكاذيب النظام تسويق دعاية ينشرها موقع إسرائيلي مزعوم، مفادها أن بندر بن سلطان يدعم مؤامرة ضد النظام السوري! هل ينسى النظام تصريح أحد الصحافيين الإسرائيليين، أنه ليس لدى إسرائيل أحد غير بشار الأسد كمحاور في عملية السلام؟ ما هذه الثقة العمياء؟ ومن الأكاذيب الأخرى الحديث عن وقوف إرهابيين وراء أحداث درعا واللاذقية، مع أن الجميع يعرف العلاقة الحميمة بين “فتح الإسلام” و”جند الشام” والمخابرات السورية.
من ناحيته، يسير الإعلام السوري على نهج النظام، فيتابع الكذب في تحليلاته ومحلّليه، رابطاً الإصلاح بالمؤامرة على سورية. هذا يعني أنه لا إصلاح من أي نوع كان. فما إن أنهى بشار خطابه المقتضب، الذي لم يقدم فيه شيئاً للشعب السوري، حتى بدأت الآلة الإعلامية الرسمية بالدفاع عن موقف النظام والحديث عن الثوابت، فيما يبدو أن ثوابت النظام السوري الحقيقية هي الفساد، القمع، حيونة الشعب، النهب… إذا لم يُلغَ قانون الطوارئ لن يأتي الإستثمار، وستستمر السرقات والفساد، ويستمر إعتقال الناس من دون حق، وقتلهم من دون محاسبة القتلة.
لا بد أن تنجح الثورة السورية، لأنها إن لم تنجح الآن فلن يكون أمامنا سوى مجازر جديدة واعتقالات بالمئات والآلاف. إذا لم تنجح الثورة السورية، ملتحقة بسواها من الثورات العربية الناجحة، فليس أمام السوريين سوى حالة نكوص وخراب شامل.
ولا بد أن يفهم هؤلاء أنه لا يمكن ليّ عنق الحقيقة ولا كسر التاريخ، مهما كان حماة النظام أقوياء.