وننتظر لمّ الشمل

A woman selling bread in the Tarik al-Bab neighbourhood. Photo by Husam Kuwayfatiyah

A woman selling bread in the Tarik al-Bab neighbourhood. Photo by Husam Kuwayfatiyah

تحرّرت مدينتي كفرنبل بتاريخ 10 أغسطس/آب 2012، فكان رد “النظام” قاسياً على الأهالي المدنيين. كانت تكلفة التحرير أكثر من 125 شهيداً، وشهدت المدينة أكثر من خمسة مجازر راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى.
الطائرات لا تكاد تفارق السماء، والقذائف تنصّب علينا من كل حدب وصوب. كل هذه الأمور ولّدت لدى الأهالي شعوراً بالخوف والقلق الدائم. وانقلبت حياتهم رأساً على عقب.
أخي الصغير (10 أعوام) مثله كمثل الكثير من الناس. كان يخاف كثيراً، وينهار كلما سمع صوت طائرة أو قذيفة. وبعد معاينته عند أحد الأطباء أخبرنا أنه مصاب بتسارع بنبضات القلب بسبب التوتر والخوف الذي يعيشه، وأكد لنا الدكتور أن حالته ستزداد سوءاً لو بقي يشعر بالخوف وأن شفاءه مستحيل ما لم يشعر بالأمان.

سيدة تعمل بائعة خبز في حي طريق الباب. تصوير حسام كويفاتية

بقينا على هذه الحال بضعة أشهر. وبعد إلحاح أخي على والدي وطلبه أن نذهب إلى تركيا نازحين، رضخ والدي لطلب أخي الصغير… غادرنا مدينتنا بتاريخ 2 كانون الثاني/يناير 2013، وفي قلوبنا ألف غصة من الفراق الذي دفعنا إليه هذا النظام. واستقرّ بنا الحال في مدينة الريحانية في تركيا. لم يكن دخول المخيمات أمراً سهل لكثرة النازحين إليها. اضطررنا إلى استئجار منزل وكان باهظ الأجر، الأمر الذي دفعنا للبحث عن عمل هناك. وبعد محاولات كثيرة فشلنا في هذا الأمر، لأن معظم الوظائف يشغلها سوريون مثلنا، اضطروا إلى العمل لضيق أحوالهم.
سنة كاملة كانت كفيلة أن تفقدنا معظم نقودنا ما دفع والدّي للحديث عن العودة إلى سوريا. الأمر الذي أصاب أخي بالقلق، فاقترح على والدي أن يلجأ إلى إحدى دول أوروبا، وأصرّ على عدم العودة إلى سوريا، وبعد محاولات كثيرة قبل والدي بهذا الطرح. بعد أن وجد له سفراً مؤمناً بمبلغ مقدور عليه. وكان أن غادر أخي على أمل أن يلم شملنا بعد استلامه الإقامة كونه صغير السن.
في تلك الفترة تقدم شاب لخطبتي وكان من مدينتي. كان يعمل في مدينة الريحانية في محل يملكه رجل سوري. وفعلا تم النصيب وتزوجت منه، وبعد شهرين من زواجنا حملت بطفلة، لا أستطيع وصف ذلك الشعور كنت سعيدة جداً. لكن فرحتي لم تكتمل لأن زوجي فقد عمله، حينها قرر أهلي العودة إلى كفرنبل وطلب مني زوجي الذهاب معهم ريثما يجد عملأً ويستقر.
عدت إلى مدينتي بتاريخ 22 حزيران/يونيو 2014، بصحبة أهلي وفي قلبي خيبة أمل كبيرة، فقد تركت زوجي في تركيا خلفي وأنا قريبة من الولادة… أنجبت طفلتي وقاسيت كثيرا فقد أخذت دور الأم والأب، وفي هذه الفترة بحثت كثيراً عن عمل كي أتمكن من سد متطلبات طفلتي ولكي لا أثقل على أهلي، وبعد فترة تمكنت من الحصول على وظيفة في منظمة اتحاد المكاتب الثورية في المدينة.
كبرت طفلتي وبلغت الشهرين من العمر، وزوجي بعيد عنا، إلى أن اتصل بي وأخبرني أن أذهب إليه في تركيا فقد حصل على عمل جيد. ذهبت إليه وما إن مضت بضعة أيام طلب منّا صاحب المنزل إخلاءه أو زيادة الأجر، حينها اضررت للعودة إلى مدينتي حيث والداي بتاريخ وتركت زوجي خلفي مرة أخرى ليبحث عن عمل بأجر أعلى.
بعد عودتي اكتشفت أنني أحمل طفلاً في أحشائي ولكن لم أكن سعيدة بذلك أبدا، فوضعي يزداد سوءاً يوما بعد يوم، مضت عدة أشهر وزوجي لم يجد عملا مناسبا، كان عمله متقطع ليستطيع العيش لا أكثر.
عشت عند والدّي الطاعنين في السن وأنجبت طفلين، ابنتي في السنة ونصف من عمرها وطفلي عمره 6 أشهر ولم يره والده حتى الآن، وما زلنا ننتظر لمّ الشمل.
نسرين الأحمد، (33 عاماً) من كفرنبل في ريف ادلب. أم لولدين توقفت عن دراستها الجامعية في السنة ثالثة أدب عربي بسبب الأوضاع الأمنية.