معهد لإعداد المدرّسين في إدلب

افتتحت مديرية التربية الحرة في إدلب معهداً لإعداد المدرسين بهدف مساعدة المدارس عبر توفير المعلّمين الذين يعتبرون نواة التربية للأجيال المستقبلية، ومن أجل المحافظة على حق الأطفال في التعليم، الذي يعتبر من أبسط حقوقهم. إضافة إلى الرغبة في الاستغلال الأمثل لقدرات الشباب، والسعي من أجل رفع مستوياتهم العلمية والفكرية بعد أن اضطر معظمهم إلى إيقاف دراسته بسبب تردي الأوضاع الأمنية، وخشية التعرض لمخاطر الذهاب إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.

مدير التربية الحرة في إدلب جمال الشحود )46 عاماً) يقول: “لمسنا تراجع العملية التربوية في إدلب خلال السنوات الأخيرة، ولعلّ من أهم أسباب ذلك هو نقص الكوادر التدريسية. فبعد تحرير محافظة إدلب قام النظام بفصل عدد كبير من العاملين في قطاع التربية، لمجرد تعاطفهم مع الثورة السورية ومطالبها المحقة، كما أقدم على اعتقال أو قتل قسم آخر، مما دفع معظمهم إلى الهجرة إلى مناطق أكثر أماناً. وقد أدى ذلك إلى نقص الخبرات وتراجع مستوى المعلّمين، ما ترك مصير معظم الطلاب معلقاً. ورغبة منا في إبقاء أبواب المدارس مفتوحة واستمرار توافد الطلاب لأجل تحقيق الفائدة لهم، قمنا بافتتاح معهد إعداد المدرسين”.

ويلفت الشحود وهو يحمل إجازة في اللغة العربية إلى كثرة الطلاب الحاصلين على الشهادة الثانوية، وخاصة عن طريق برنامج الائتلاف، وهي شهادة ستفقد قيمتها إذا لم يتابع الطالب دراسته في مرحلة بعدها. لذلك أرادت المديرية استيعابهم في هذا المعهد لتأمين مستقبلهم وتوفير فرص عمل مناسبة لهم.

ويعود تاريخ افتتاح المعهد إلى العام 2013 ، وله ثلاثة فروع في كل من جرجناز، البارو وحارم في محافظة إدلب. وتتبع هذه الفروع لإدارة موحدة. وفي كل فرع يتم تدريس عدة اختصاصات، مثل: معلم صف، علوم، رياضيات، لغة عربية، لغة انكليزية ولغة فرنسية، وتستغرق الدراسة مدة عامين. وقد تم تخريج الدفعة الأولى من طلبة المعهد في العام 2015، وقد وصل عددهم إلى 300 مدرس ومدرسة. والمعهد اليوم في طور تخريج الدفعة الثانية. وقامت المديرية بالالتزام بتوظيف الأوائل من ضمن متخرجي المعهد، الذين بلغ عددهم 50 خريجاً وتوزيعهم على مدارس المحافظة حسب ما تقتضيه الحاجة. أما بقية الخريجين فسيتم توظيفهم عن طريق مسابقات يتم تنظيمها بشكل دوري ومستمر. مع العلم أن المديرية قامت بتعيين 1171 مدرس في الآونة الأخيرة من خلال مسابقة وهم من خريجي المعهد، والمدرسين المفصولين من مدارس النظام وخريجي الجامعات الذين لم يتم تثبيتهم .

من إحدى قاعات معهد إعداد المدرسين تصوير دارين حسن

المدرّس عبد الرحيم (45 عاماً) يؤكد أن “المدرّسين في المعهد من أصحاب الكفاءة من حملة الشهادات الجامعية والدراسات العليا، لهم باع طويل في مجال التدريس، أما المناهج فقد وضعت عن طريق لجان خاصة، واستمر العمل على إعدادها مدة سنة كاملة”. ويلفت عبد الرحيم إلى أن العمل يكون غالباً في ظروف غير عادية، ويجابه ظروفاً وتحديات كثيرة. فالقصف من أكبر الضغوطات وأكثرها صعوبة، إضافة إلى شحّ الإمكانيات المادية التي تؤدي إلى نقص الاحتياجات التعليمية. فبعد افتتاح المعهد بقيت التكاليف تغطّى لمدة سنتين من المنح ورسوم التسجيل التي يدفعها طلبة المعهد، ثم تعهدته مؤسسة السنكري للأعمال الإنسانية لتقديم الدعم المادي .

أسامة الشيخ (20 عاماً) من معرة النعمان في ريف إدلب وهو أحد طلبة المعهد يقول: ” كنت أدرس في جامعة حلب، ولكنني توقفت عن الدراسة بسبب تردّي الأوضاع، والطريق الذي لم يعد آمناً بسبب انتشار الحواجز التابعة للنظام، التي تبيح لنفسها اعتقال أي شخص وفي أي وقت تريده. وبذلك أصبحت أمام خيارين بعد دراسة وتعب سنين طويلة، فإما المخاطرة بحياتي والذهاب إلى الجامعة، أو ضياع مستقبلي والتوقف عن الدراسة. ولكن معهد إعداد المدرسين منح طلاب الجامعات فرصة لإكمال دراستهم فيه، ومنحهم شهادة التخرج من المعهد، وإمكانية العمل بموجبها.”
أم شادي (45 عاماً) من قرية البارة تقول: “حصلت ابنتي على شهادة الثانوية العامة، وبعد أن اشتعلت نيران الثورة منعها والدها من الذهاب إلى مناطق سيطرة النظام لإكمال دراستها. خابت آمالها لأنها كانت من المتفوقات في دراستها وتعلق على مستقبلها أحلاماً وآمالاً كبيرة. وبعد افتتاح المعهد تابعت دراستها، وحصلت على فرصة التوظيف في إحدى المدارس. وبذلك عاد الأمل إلى حياتها من جديد لأنها تحب تعليم الأطفال، ومساعدتهم على اكتشاف مفردات الحياة من حولهم، كما تحققت لها الفائدة بالحصول على مورد رزق كريم .”

يؤكد جمال الشحود مدير التربية الحرة في إدلب في ختام اللقاء “أن المعهد يعد من الجوانب المشرقة لمواجهة الواقع التعليمي الصعب في إدلب، والذي يتمثل بمدارس مهدمة وكوادر تدريسية غائبة أو غير مؤهلة، ولكننا سنفعل ما بوسعنا دائماً لإنقاذ أطفالنا من مخاطر وأعباء الجهل والأمية. ونحاول المواجهة والصمود أمام من يحاول تدمير أحلامهم، ونتمسك بأمل البقاء والارتقاء وسط الحطام، واضعين نصب أعيننا حق تعلم أبنائنا هدفاً لا نرضى عنه بديلاً.”