مركز فصيح لعلاج النطق عند الأطفال

يعيش هاني (12 عاما) حالة من الخوف الشديد بدأت بعد سقوط إحدى صواريخ الطائرة الحربية على مقربة من المكان الذي كان يلعب فيه. كان ذلك في 13 نيسان/ابريل 2015، أصيب بنتيجتها بحالات إغماء، وتأتأة شديدة وتبول لا إرادي. التحق هاني أخيراً بمركز فصيح، الذي بدأ يساعده على العودة لحالته الطبيعية، وفعلا طرأ تحسن ملحوظ على حالته.

افتتح مركز فصيح في كفرنبل في 9 آب/أغسطس 2015. وجاء الافتتاح بمبادرة من قبل مجموعة أشخاص تربويين مهتمين بالحالات النفسية للأطفال مع استمرار الحرب والمعارك في سوريا. عن المركز يقول مديره علاء العبد الله (34 عاماً) “إن طبيعة عمل المركز تصب في اتجاهين، الاتجاه الأول التواصل الملفوظي مع الطفل الذي يعاني من مشاكل نطقية ناتجة عن الخوف من القصف وماشابه وهي أيضا قسمين، قسم أ:وتكون فيها الحالة فيزيولوجية أو فسيولوجية وتشمل مشكلات في جهاز السمع أو النطق وهذا الأمر لا يتعلق بعمل المركز نظرا لحاجة الطفل لعمل جراحي أو علاج دوائي وغيره. أما القسم ب:فهو الذي يتعلق بعمل المركز ويشمل المشكلات النفسية المؤثرة على الطفل فنساعده على تجاوزها وإعادته لحالته الطبيعية”.

في مركز فصيح يساعدون الأطفال على التواصل تصوير رزان السيد

ويشير العبد الله الذي يحمل شهادة دراسات عليا في الإنسانيات الحديثة قسم الصوتيات إضافة إلى إجازة في الأدب العربي إلى الاتجاه الآخر لعمل المركز وهو “علاج المشكلات النطقية الناتجة عن أمراض التوحد الطفولي، حيث يقوم المركز بالتواصل مع الطفل التوحدي لتنمية الجانب التواصلي اللفظي، فمثلا طفل التوحد الذي لا يستخدم الجانب البصري والسمعي يقوم المركز بوضع مثيرات للتواصل البصري السمعي لديه مثل فيديوهات أطفال، بروجكتور، العاب، ألوان، أصوات طبيعية، رسومات معينة وماشابه”. ويلفت العبد ألله إلى إحدى الحالات وهو الطفل أمجد لديه من العمر أربع سنوات كان طفلاً طبيعيا حتى عمر السنتين ونصف، وبعد ذلك بدأت تظهر عنده علامات ظاهرة التوحد (الاوتيزم). التوحد أثّر على نطقه وسمعه، وفي هذه الحالة يعمل كادر المركز على إعادة تأهيله ومساعدته في استعادة نطقه وسمعه.

وبحسب العبد الله يعمل في المركز “خمسة مشرفين تربويين عبارة عن كادر متكامل من المتخصصين، الجميع يحملون إجازات جامعية وخبرات في مجالات علم النفس، إرشاد نفسي، علم اجتماع، أغلب المشرفين كانوا يدرّسون في الجامعات السورية. ولكنهم تركوا العمل بسبب أوضاع الحرب والتهرب من الخدمة الإلزامية في الجيش االنظامي”.

خصصت منظمة اتحاد المكاتب الثورية في كفرنبل المركز بمنحة شهرية بحدود الثلاثة آلاف دولار أميركي، يتم صرفها بين مستلزمات للمركز ورواتب موظفين وأدوية وتحاليل سمعية للأطفال وماشابه.
أبو المجد (35 عاماً) أحد الاختصاصيين في المركز يحمل إجازة في علم الاجتماع إضافة لإجازة في اللغة العربية وخبرة في البرمجة العصبية. إضافة للسلك التربوي كان أبو المجد يعمل مدرباً للتنمية البشرية في معهد الرشيد في مدينة حلب. وكان يعطي دورات في البرمجة اللغوية العصبية والتواصل، دورات قراءة سريعة ودورات تأهيل نفسي. يقول أبو المجد “عملي في المركز يتضمن القيام بمعالجة الاضطرابات السلوكية، والحالة النفسية الاجتماعية عند الطفل ليستطيع التواصل مع الآخرين. من أفراد أسرته حتى المجتمع من حوله، الأهل، الأقران والمدرّسين. وذلك ضمن خطة علاجية دقيقة”.

ويوضح أبو المجد أن أعداداً كبيرة من الأطفال أقبلت على المركز، أكثرها حالات كان يتم علاجها في مراكز خاصة في حلب ودمشق وغيرها. وقد بلغ عدد الأطفال الوافدين على المركز نحو 60، وذلك خلال شهر واحد. تراوحت أعمارهم بين الأربع سنوات والـ 15 سنة. الطفل في سن الرابعة يكون قد بدأ بالكلام، وإلا فهو يواجه مشاكل نفسية ونطقية يجب علاجها. يتم استقبال الأطفال وعلاجهم ضمن برنامج منظم. وينوه أبو المجد أن عدد الأطفال الذين بحاجة لمعالجة نفسية بلغ على مستوى إدلب وريفها نحو 12% من عدد الأطفال الإجمالي. ويخشى أبو المجد أن هذا العدد قابل للزيادة مع استمرار الحرب في سوريا. كما ويشير أيضا إلى أن مركز فصيح هو الوحيد من نوعه في منطقة إدلب.

تحمل مها السويد (38 عاماً) وهي إحدى المشرفات على عمل المركز، إجازة في التربية قسم الإرشاد النفسي. كانت تعمل في مدرسة خاصة بالأطفال في السويداء. تقول مها “نحن في المركز نتواصل مع عدد من الاطباء، طبيب عصبي، طبيب أطفال، أخصائي أذن وحنجرة. كما ونتواصل مع مشفى اورينت باعتباره مؤسسة متكاملة وذلك لمعرفة سبب الحالة النفسية للأطفال، عضوية كانت أم نفسية”.
سلمى الزعتور (29 عاماً) تعمل في المركز وهي ممرضة خريجة كلية التمريض، عملها يتضمن عرض الأطفال على الأطباء ومعرفة نوعية الأدوية ومتابعتها معهم، إضافة لقراءة مقياس السمع عند الأطفال. تقول سلمى “أحب مساعدة اؤلئك الأطفال على الشفاء من أامراضهم النفسية، لاسيما وأنهم الأكثر تأثرا بالأحداث الراهنة”.
يشرح أحمد الاسماعيل (40 عاماً) مجاز في الفلسفة قسم علم النفس، وهو أيضا أحد الاختصاصيين طبيعة عمل المركز، ويقول “يتضمن عملنا مساعدة الطفل في مشكلات التأتأة والثأثأة والحبسة الكلامية والخنق الجانبي، إضافة للمشكلات النطقية الناتجة عن الارتباك والخوف والوحدة. نعمل في المركز على إعادة دمج الأطفال بمجتمعهم المحيط على أسس تربوية ونفسية سليمة. ليس ذلك وحسب وإنما نقوم بمتابعة دورية لحالة الطفل في المنزل”.

عبد العزيز (14 عاماً) أحبّ المركز وكادره، بعد أن كان منطويا على نفسه ويرفض التواصل مع الآخرين. كل صباح يوقظ عبد العزيزي أمه التي تبدو سعيدة بهذا التحسن لتقوم بتجهيزه استعدادا للذهاب إلى المركز فصيح. وعن وضع عبد العزيز يتحدث المدير علاء قائلاً “هو ولد ذكي وحساس، ولكنه فاقد للنطق الطبيعي منذ صغره نتيجة إصابته بمرض اليرقان الذي تسبب له بذلك، نساعده في المركز على النطق والكلام وهو يتجاوب معنا ووضعه يتحسن”.

يعاني ساهر (9 أعوام) إبن أبو محمد (48 عاماً) من مرض التوحد. كان يضطر والده لاصطحابه للعلاج في أحد المراكز الخاصة في مدينة حلب، معرضاً نفسه وابنه خطورة المرور على حواجز الجيش والأمن والشبيحة. أبو محمد يبدي سعادته وامتنانه لافتتاح هذا المركز الذي وفر عليه وعلى إبنه عناء السفر ونفقات العلاج. ذلك أن مركز فصيح يقدم خدماته مجانا للمرضى. وحول وضع ساهر يقول أبو المجد “ساهر يعاني من التوحد الغير متواصل لفظياً، وهذه الحالة هي أبسط أنواع التوحد، ويتم استقبالها في المركز وعلاجها على عكس أنواع التوحد الأخرى، التي غالبا يكون فيها الطفل عنيفا ويشكل خطراً على الأطفال الآخرين. وفي هذه الحالة لا يتم استقبالهم في المركز، وإنما نقوم بتقديم جلسات علاجية لهؤلاء الأطفال في منازلهم” .

ويختتم أبو المجد كلامه بالقول “سنسعى جاهدين وبكل إمكانياتنا لمساعدة أولئك الأطفال الذين لاذنب لهم، إلا أنهم كانوا شاهدين على الحرب الطاحنة في سوريا”.

بإمكانكم قراءة هذا المقال باللغة الإنكليزية على الرابط التالي