قرى وادي الضيف من ويلات الدمار إلى إعادة الإعمار

الأرملة أم أحمد (45 عاماً) عانت الأمرّين أثناء رحلة نزوحها مع أولادها السبعة. بدأت رحلة النزوح بعدما تهدم منزلها في قرية معرحطاط وأصبح أنقاضاً، راحت تنتقل مع أولادها من منزل إلى آخر ومن قرية إلى أخرى. حتى كانت العودة إلى منزلها القديم الجديد. المنزل المهدم تمت عملية إعادة بنائه، وعادت أم أحمد مع أولادها إلى حيث ينتمون.

وتأتي عودة أم أحمد إلى منزلها في إطار مشروع إعمار قرى وادي الضيف. المهندس أبو صلاح (42 عاماً) المسؤول عن المشروع يقول: “أطلقت منظمة بناء بتمويل من الهلال الأحمر القطري مشروعاً لبناء 400 وحدة سكنية في قرى وادي الضيف في ريف إدلب الجنوبي. بدأنا بتنفيذ المشروع في 11 تموز/يوليو 2015 . وكان اختيار منطقة وادي الضيف نتيجة الدمار الذي لحق بالمباني السكنية أثناء الاشتباكات العنيفة بين الثوار وقوات النظام حتى تم تحرير المنطقة“.

المشروع يتكفل بإعمار مساحة 50 متر مربع لكل وحدة سكنية، عبارة عن بناء غرفتين وملحقاتهما لكل أسرة متضررة، بكلفة 400 ألف ليرة سورية أو ما يعادل 1250 دولار تقريباً لكل وحدة سكنية. وتستفيد من المشروع 20 قرية منها، معرحطاط، كفرياسين، بابولين، دار السلام، الحامدية، معرشمشة، ضهرة تلمنس وغيرها. يتم بناء المنازل ضمن تصميم موحد، من أجل أن تتوزع أموال المشروع على المستفيدين بالتساوي وبشكل عادل، وتتسلم كل أسرة مستفيدة منزلها جاهزاً للسكن، بالإضافة إلى بعض المفروشات والأواني المنزلية وبعض السلل الغذائية. كون معظم الأسر خسرت منازلها مع الأمتعة التي بداخلها.

بلغت كلفة مشروع إعمار قرى وادي الضيف نحو 200 مليون ليرة سورية. من المتوقع أن يستغرق إنجازه وبشكل نهائي مدة سنة ولكن  المهندس سامي أبو صلاح المسؤول عن المشروع يسعى لتخفيض المدة الزمنية إلى 6 أشهر، وذلك حرصاً منه على مراعاة أحوال النارحين الصعبة وضرورة إيوائهم بشكل اسرع. وقد تم إنجاز أكثر من نصف المشروع وتم تسليم بعض الوحدات السكنية إلى مستحقيها.

إعادة إعمار الأبنية بشكل بسيط من أجل عودة النازحين تصوير دارين حسن

وائل الشحود المهندس المساعد في المشروع (29 عاماً) يقول: “يعمل في المشروع أكثر من 100 عامل في مجالات البناء وصناعة البلوك الاسمنتي وتمديد الكهرباء والأدوات الصحية”. وبحسب الشحود “يتم اختيار المستفيدين من المشروع بحسب نوع الضرر وعدد أفراد الأسرة، وتكون الأولوية للأيتام والأسر الفقيرة جداً، والأسر التي تضم مصابي الحرب وذوي الاحتياجات الخاصة، حيث قامت الأسر المتضررة بتقديم الطلبات، وهناك لجنة مخصصة لمعاينة المنازل المتضررة ودراسة الطلبات واختيار المستفيدين”. ويلفت الشحود إلى “أن المشروع قام من أجل مساعدة الناس وتشجيعهم على العودة إلى منازلهم”.

على صعيد فرص العمل يقول أحد عمال البناء المدعو أبو يحيى (42 عاماً): “بقيت عاطلاً عن العمل فترة طويلة مع أولادي الثلاثة، حتى أنني فكرت بالنزوح إلى تركيا من أجل العمل، وعندما سمعت بالمشروع ذهبت إلى المهندس المسؤول، وسارعت لاستلام العمل مع أولادي، ونحن نعمل طوال النهار ونتعب ولكننا سعداء لأننا وجدنا في عملنا باباً للرزق والعيش الكريم”.

أبو مؤيد (30 عاماً) أحد القياديين في حركة أحرار الشام يروي أنه وبعد تحرير مدينة معرة النعمان في العام  2012 ، انسحبت قوات النظام لتتجمع في معسكري وادي الضيف والحامدية. ودام حصار المعسكرين مدة 3 سنوات. دارت خلالها معارك ضارية وعديدة بين الثوار والقوات التابعة للنظام. ويقول أبو مؤيد “بعد كل معركة كان النظام ينتقم عن طريق قصف القرى المحاذية له بكل أنواع الأسلحة الثقيلة، ما أدى إلى دمار كبير، وعندما انقشعت غيوم الاحتلال وسطعت شمس التحرير على المنطقة كان ذلك بتحرير وادي الضيف والحامدية بتاريخ   14 كانون الأول/ديسمبر 2014 “. بدأت بعدها عودة أهالي المنطقة إلى بيوتهم، ليجدوا الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمنازل. ارتفاع أسعار مواد البناء وقف عائقاً في وجه الكثير من الأسر المتضررة، ومنعهم من إعادة إعمار منازلهم، حتى بدأ مشروع الإعمار المجاني واستفاد منه الكثيرون.

أحد المستفيدين من المشروع ويدعى حسام الأسعد (50 عاماً) يقول: “كانت الحرب في معرة النعمان شرسة جداً، لا يكاد يخلو حي من آثار الدمار والهدم، وتختلف نسب الدمار بحسب نوع القصف الذي تعرضت له تلك المناطق. بالنسبة لي خسرت منزلين منزلي ومنزل ولدي ولم يكن لدي إمكانية لإعادة الإعمار، وكنت أعيش في مخيم للنازحين في جرجناز مع أسرتي المكونة من عشرة أشخاص“. ويشير الأسعد إلى أنه استفاد من المشروع حيث تم جرف منزله وبناء منزل جديد يقيم فيه حاليا مع أسرته، وهو في غاية السعادة لأنه لن يقضي فصل الشتاء في المخيم، ويشكر كل المساهمين في المشروع.

يقول أسعد العامري (31 عاماً) أحد أهالي قرية بسيدا: “عندما رجعنا لم تكتمل فرحتنا بالتحرير، شعرنا بالحزن الشديد لأننا لم نجد شيئاً نعود من أجله، القرية بالكامل مدمرة ما عدا منزل واحد أبقاه النظام ليستخدمه ثكنة عسكرية. لم نجد في القرية أدنى متطلبات الحياة. وجدنا ذكرياتنا بين الركام والأنقاض. وجاء هذا المشروع فاستفادت منه الأسر الفقيرة“.

رئيس المجلس المحلي في مدينة معرة النعمان أحمد كسار( 39 عاماً) يقول: “إنها الحرب تقتل وتدمر، تجرح وتجوع، وهي التي جعلت معاناة الشعب السوري تفوق كل التصورات، ورغم مرارة الواقع المعاش إلا أن الشعب لن يستسلم وسيظل يبحث عن وسائل تبقي شعلة الحياة مستمرة بمساعدة أصحاب القلوب النيرة والأيادي البيضاء“.