بين اللجان الشعبية والمخدرات!

نساء يتعلمن القراءة والكتابة في إحدى دورات محمو الأمية في ريف إدلب- - تصوير معهد صحافة الحرب والسلام

نساء يتعلمن القراءة والكتابة في إحدى دورات محمو الأمية في ريف إدلب- - تصوير معهد صحافة الحرب والسلام

بعد انتقالي لمنزلي الجديد، تعرّفتُ على جارتي همسة وعمرها ستة وعشرون عاماً. هَمَسَتْ لي عن حياتها، واستمعتُ لمعاناتها.

 

كانت همسة طالبة في الصف الثالث ثانوي، الفرع العلمي. لكنها رسبت في الإمتحان الرسمي.

تقدَّم لخطبتها شاب إسمه عامر، وافقت العائلة، وتزوّجا بعد ستة أشهر.

 

عاشت همسة مع عامر في منزلٍ صغير بالإيجار. وكان الزوج يعمل في معمل للباطون. كانت حياتهما بسيطة. حملت بطفلتها الأولى وأنجبتها في 28 كانون الثاني/يناير 2010، فأسمتها ريان. همسة أنجبت طفلتها الثانية رجاء في 20 آذار/مارس 2011.

 

بعد الثورة، ضاقت أحوال الزوجين، بسبب إقفال معمل الباطون الذي كان يعمل فيه عامر. فاضطرا للسكن في منزل أهله وتركا منزل الإيجار. التزمت همسة الصمت كي تبقى مع طفلتيها. لكنها صارت هي وأهل زوجها في منزلٍ واحد، وهي لا تطيق ذلك!

 

قررت أن تعوّض نفسها بأن تعيد دراسة البكالوريا. كما تقدمت لمسابقة وزارة التربية لتشغيل حاملي الشهادة الإعدادية. نجحت في المسابقة بتاريخ 26 آذار/مارس 2013، وانتظرت الوظيفة. كما نجحت بعد أشهر في شهادة البكالوريا، ودخلت في الخريف، فرع الحقوق. لم تستطع همسة أن تكمل دراستها بسبب سوء الظروف المعيشية والاقتصادية.

 

وبدأت المعاناة حين صدمها زوجها بأنهُ أصبح من اللجان الشعبية، أي “شبّيح”! وعندما عارضتهُ همسة ضربها وهددَّها بالطلاق! كانت تفكر بطفلتيها، كما خافت على نفسها وعلى أهلها من تشبيح زوجها! فأجبرتها هذه الأسباب على البقاء في كنف زوج شبّيح، وفي منزل عائلة الزوج.

 

ما واسى همسة، أنها بدأت العمل في وظيفتها كمُستخدَمَة في المدارس. وصارت تحمل عناء البيت ومصروفه، وزوجها لا يُحرّك ساكناً! ومن طالبة في كلية الحقوق إلى عاملة بسيطة في المدارس…

 

بقيت على هذا الحال سنتين… ثمَّ بدأت معركة تحرير إدلب. هنا صارت همسة ترتعش خوفاً وتصفع على وجهها، فهي زوجة شبّيح، ماذا سيحل بها وبطفلتيها؟!

 

حين اشتدت المعارك، أخذ عامر زوجته وطفلتيه وعائلته إلى غرفة داخل قبو في منطقة المربع الأمني، واستمروا على هذا الحال ثلاثة أيام مع قليلٍ من الطعام. كان القبو مليئاً بعناصر اللجان الشعبية وعوائلهم…

بعد ذلك، بدأ ينفذ الطعام، فصارت همسة تبحث عن فتات خبزٍ يابس، تُبلله بالماء لتطعمه لطفلتيها الجائعتين.

 

يوم 28 آذار/مارس 2015، كان يوم تحرير إدلب، استيقظت همسة ولم تجد زوجها وأهله بجانبها!

زوجها كان قد خرج في مهمة… والناس الموجودة في القبو، لأنهم من عوائل الشبيحة، بدأوا بالهرب… فقد دخل الثوّار! وهرب أهل عامر، الذين بسبب مشاكلهم مع همسة، تخلوا عنها!

وبعد ساعات، مرّت كعمر كامل، عاد عامر وأخرج همسة وطفلتيه تحت رصاص القنص… استطاعوا الهرب إلى أريحا، وهناك واجهوا ذات المشكلة… اشتباكات وحصار!

 

اضطرت همسة لأن تبيع أقراط أذني طفلتيها، لتشتري الطعام، وكي تحصل على رصيد لتتصل بأهلها.

علمت أنّ أهلها في حلب، عند أختها فاتن… وقررت الذهاب مع زوجها وطفلتيها إلى منزل فاتن.

لكنها لم تكن تملك المبلغ الكافي للسفر! حوّلت لها فاتن 10 آلاف وحدة على رصيدها في الهاتف، وصارت تدور همسة لتبيع الرصيد وتقبض مقابله ثمناً يكفيها للمواصلات، التي ارتفعت تكلفتها بسبب الظروف الأمنية.

 

في حلب، كان الفصل الأكبر من العذاب… رغم أنهُ بعد فترة من المكوث في منزل فاتن، استطاعت همسة تأمين غرفة مشتركة مع عائلة أخرى، للسكن فيها. لكنّ عامر تعرّف على شلة من الحثالة، وصار يشرب الكحول ويتعاطى المخدرات والحشيش!

 

هنا طفحَ الكيل بهمسة، خاصة بعدما صار عامر يضربها بشكل مُبرح ويُهينُها. طلبت الطلاق… ونالت ما طلبته، لكنّ عامر حرمها من طفلتيها! كان ذلك عقابه لها، بعد كل ما تحمّلته!

 

عادت همسة مكسورة إلى منزل أهلها، بعدما عادوا إلى إدلب! وبقي عامر في اللجان الشعبية، وتزوّج بشبيحة تعمل في تلك اللجان في حلب!

 

علمت همسة قبل فترة، أنّ عامر ضربَ ابنتيه ريان (7 سنوات)، ورجاء (6 سنوات)، وتسبب لريان بكسر في الأضلع، وبارتجاج في الدماغ.  ثمَّ أعطاهما لوالدته، كي تربّيهما، فزوجتُهُ الشبّيحة لا تُريدهما!

 

هذا ما حَلَّ بهمسة في رحلة مريرة بين اللجان الشعبية والمخدرات… وانتهت الرحلة بحرمانها من طفلتيها. فهل هذا هو الفصل الأخير من الحكاية، أم تلتقي بهما مجدداً ويعودان إلى حضنها؟!

 

ليلاس هاشم (31 عاماً) أم لصبيين، نزحت إلى لبنان مع زوجها عندما دخلت وحدات تابعة لجيش النظام إلى إدلب. عادت قبل ثمانية أشهر إلى ريف إدلب، وعندما أصبحت المدينة تحت سيطرة المعارضة عادت أخيراً إلى بيتها.