من المحاكم الشرعية إلى التحكيم بدل القضاء المدني

على مدى خمسة أشهر استمرت سامية عابدين (28 عاماً) بالتردد على المحاكم الشرعية في بلدتها معرة النعمان، للمطالبة بحضانة طفلها بعد الطلاق. ولكن دون جدوى. وعندما قصدت سامية مركز التحكيم، عاد الطفل إلى أحضان أمه في غضون عشرة أيام فقط، ومن خلال جلستي تحكيم.

رئيس مركز التحكيم في معرة النعمان المحامي محمد المحلول (45 عاماً) يقول “إن الفراغ القضائي الناتج عن تعطيل سير القضاء من قبل النظام في المناطق المحررة، وإغلاق المحاكم العامة وقصف بعضها، تطلب وجود بديل قضائي لفصل النزاعات في المسائل المدنية والتجارية. لذلك قامت رابطة المحامين السوريين الأحرار بافتتاح مركز التحكيم الرئيسي في محافظة إدلب في مدينة معرة النعمان”.

خضع رئيس المركز مع عدد من المحامين والقضاة والمستشارين لدورة تدريب وتأهيل في تركيا، تحت إشراف رابطة المحامين الأحرار، وقد تم بعدها افتتاح المركز بتاريخ 1 حزيران/يونيو 2015. المركز قام بدوره بإجراء دورتين لمحامين من مختلف مناطق ريف إدلب. هدفت الدورتان لشرح وتوضيح أصول التحكيم وضرورته في هذه المرحلة. كما وأنشأ المركز مكاتب التحكيم التابعة له في مناطق الريف الإدلبي كافة.

دار التحكيم في محافظة إدلب تصوير سونيا العلي

نائب رئيس المركز المحامي عبد السلام السلوم (39 عاماً) يشرح عمل المركز  فيقول “المحكّم يعمل رسميا عمل القاضي لكن خارج أسوار المحكمة. والتحكيم هو الفصل في النزاعات المالية والتجارية والاجتماعية بحكم نهائي دون الحاجة للوصول الى المحاكم. وما يميّز هذا النظام أنه يختصر الوقت والجهد والتكاليف المادية”. ويشير السلوم إلى أن المركز يقوم بجولات على المناطق والقرى في ريف إدلب. ويلتقي الفعاليات الاجتماعية من أجل نشر ثقافة التحكيم وعرض خدماته عليهم، واستعداده لحل كافة المشاكل المدنية والمادية والاجتماعية وكل مايتعلق بالحياة العملية. ويعتذر المركز عن التدخل بالمشاكل المتعلقة بالفصائل المقاتلة.

مسؤول العلاقات العامة في المركز المحامي زكريا الحراكي (43 عاماً) يؤكّد أن الخدمات التي يقدمها المركز والمكاتب التابعة له مجانية.  ويقول الحراكي “نحن نتقاضى رواتبنا من رابطة المحامين السوريين الأحرار، ويحصل كل محكّم على مبلغ 300 دولار أمريكي شهريا، ويداوم المركز لمدة زمنية كافية من التاسعة صباحا وحتى العاشرة ليلا”. أمّا دور المحكّم فهو العمل على حلّ الخلافات التي تعرض عليه للوصول إلى ما يرضي الجميع تحت شعار “التحكيم خيار المتخاصمين”. وقرارات التحكيم الصادرة عن المركز معترف بها من قبل كافة المحاكم والجهات الرسمية الموجودة في المنطقة “.

أما عن الفرق بين عمل مراكز التحكيم والمحاكم العادية فيقول الحراكي “نحن لاننكر أن المحاكم الشرعية قامت بسد فراغ قضائي في ظل الثورة، ولكنها تعاني مع احترامنا لها من نقص الخبرة، وعدم وجود قانون واضح للعمل. ما أدى إلى ضياع بعض الحقوق. فجاء التحكيم ليقدم للمواطنين خدمات مجانية ويوفر عليهم الوقت والجهد. فطريقه أقصر ومحدد بمدة زمنية معينة قد تكون ساعات وقد تكون أيام. ولم يحصل حتى الآن أن استغرقت مدة حل مشكلة أكثر من شهر. أما القضايا أمام المحاكم العادية فقد تستغرق سنوات”. ويتحدّث الحراكي عن تجاوب الأهالي بشكل كبير مع المركز وعمله.

يستقبل المركز شهريا نحو خمسين قضية للتحكيم. يتمكّن المحكّمون من حلها جميعا برضى طرفي التحكيم. وهذا يدلّل على قبول واضح من قبل المواطنين لهذا النظام القضائي، كونه يجمع بين الشرع والقانون لإرضاء الجميع. بالإضافة إلى تمتع المحكّمين بخبرة واسعة وبال طويل في حل الخلافات والنزاعات.

يتعرّض عمل المحكمين لعراقيل عدة منها قصف الطائرات التابعة للنظام لجميع المراكز المهمة في معرة النعمان، فلا يكاد يمر يوم دون غارة جوية أو أكثر على المعرة. ولكن المحامين يشعرون أن لزاما عليهم متابعة العمل رغم كل الظروف الصعبة من أجل مساعدة الناس في حل مشاكلهم وإعادة الإلفة في ما بينهم.

تعرّض والد صباح عربو (25 عاماً) للقتل، قرر إخوتها الأخذ بالثأر من قاتليه. تقول صباح أنه “تم حلّ القضية بعد تدخل المحكمين بعدما فوضوا بالصلح والتزام الشريعة الإسلامية من أجل دفع الدية وقدرها 8 ملايين ليرة سورية، تم تسليم المبلغ لنا نحن الورثة وتم إسقاط الحق العام عن الفاعلين، دون أن يتقاضى المركز ليرة واحدة، وبذلك تم تجنّب إراقة المزيد من الدماء”.

أم أحمد (37 عاماً) تحكي قصة إخوتها الذين طمعوا بحصتها من ميراث أبيها بعد وفاته. تقول أم أحمد “في قريتنا الدير الشرقي ما زالوا يتبعون عادة قديمة ومتخلفة وهي الرغبة في حرمان الفتاة من الميراث. فوّضت الأمر إلى مركز التحكيم وإلى المحتكمين الذين أفلحوا في توزيع إرث والدي بيني وبين اخوتي حسب الشرع والقانون. وبذلك حصلت على نصيبي كاملاً وبرضى من جميع الأطراف خلال فترة زمنية وجيزة “.

رئيس المركز المحامي المحلول يوضح مبادئ المحكمين وأهدافهم ويقول “نظام التحكيم ليس جديداً، بل كان معمولاً به أيام النظام ولكن على نطاق ضيق، وكان النظام يضع العراقيل في وجه تنفيذ قراراته دائما لصالح قرارات المحاكم، التي تفوح من أروقتها رائحة الفساد والظلم والرشاوي. وهذا السبب هو أحد أسباب قيام ثورتنا المباركة التي كان أحد أهم مطالبها التخلص من الفساد القضائي”.  ويسعى المحلول مع زملائه لتعزيز سيادة القانون والعدالة، فهذه من أهم المبادئ التي تدخل في صميم رسالتهم من أجل إحلال السلام بعد النزاعات، وتحقيق الاستقرار على المستويات كافة.

ويختتم المحلول كلامه بالقول “سنعمل على تأهيل المزيد من الكوادر لتغطية كافة الريف المحرر، وسنضع أيدينا بأيدي الشرفاء في هذا الوطن من أجل نصرة المظلومين، واستعادة الحقوق، والوقوف في وجه الظالم مهما تجبّر”.

بإمكانكم قراءة هذا المقال باللغة الإنكليزية على الرابط التالي