فدوى تتمنّى الموت!

امرأة مسنة تجري فحصاً عاماً لجسمها في عيادة الطب الداخلي في مشفى القدس في حلب. صور من حلب بعدسة: مجاهد أبو الجود

امرأة مسنة تجري فحصاً عاماً لجسمها في عيادة الطب الداخلي في مشفى القدس في حلب. صور من حلب بعدسة: مجاهد أبو الجود

"كم أتمنى الموت مراراً، وأن أرتاح من ذاك الألم الذي لا يفارقني أبداً... أٌريدُ أن أتخلّص من هذا الكرسي"

زهره الغاب

فدوى إبنة عمي، عمرها 24 عاماً، مصابة بشللٍ نصفي… كنتُ البارحة في زيارتها… فهي لا تستطيع الذهاب إلى أي مكان خارج المنزل، بحكم وضعها…

البارحة حصلت جلسة بوح بيننا، وطلبتُ منها أن تحكي لي ما يدور في قلبها، بصفتنا صديقتين، وعلاقتنا لا تقتصر على كوننا بنات عم…

روت لي فدوى عن أبشع ليلة في عمرها، وقالت: “في تلك الليلة كنا قد نمنا أنا وأهلي عند التاسعة مساءً، مع أنّ التوقيت كان صيفاً… لكن كنا ننام باكراً كي نستيقظ للعمل في أرضنا. كانت ليلة 22 حزيران/يونيو 2013”.

تُضيف فدوى: “في منتصف الليل، استيقظنا على قصفِ طائرات النظام… كان يستهدف قريتنا كفرنبودة بالصواريخ العنقودية مخلّفاً وراءهُ الدمار والموت في كلِّ مكان”.

وتنحني من على كرسيها المتحرك أكثر، فتقول: “فرّ أهلي إلى مغارة في أرضِ جيراننا… ركضتُ خلفهم مسرعةً… لكنّ نصيبي كان أن يسقط صاروخ عنقودي على بُعد أمتار مني… فأصابتني شظية في العمود الفقري. بعدها لم أعد أشعر بأي شيء…”

وتتابع فدوى حكايتها: “قضيت عدة أيام في مشفى على الحدود السورية التركية في أطمة… وبعد طول عناء، قرّر الأطباء نقلي إلى مشفى داخل تركيا، للقيام بإخراج الشظية من ظهري. وفعلاً، أخذوني،  أمي وأخي كانا برفقتي”.

بتأثر تُكمل فدوى: “في تركيا، حاولوا إخراج الشظية، فنجحوا… لكن ما فشلَ جسدي به، أني صرتُ عاجزة على هذا الكرسي، الذي لا يفارقني إلا عندما أنام”.

تروي فدوى عن معاناتها مع الكرسي المتحرك فتقول: “أمي تقوم بخدمتي، وكأنني طفلة صغيرة… أرفضُ ذلك الكرسي وأكرههُ!  وأكثر ما يؤلمني، أني بدل أن أكون أماً وأقوم بخدمة أولادي… أمي تقوم بهذا الدور لي… تغيّر ملابسي، تعينني في أدق الأشياء وكأنني طفل صغير… أكثر ما يحرق قلبي أيضاً، أنهُ عندما تقع غارة قريبة، يحملني أخي كأني قطة، يهربُ بي… ثمّ يجرونني على الكرسي كي يرتاح أخي من ثقل حملي، ثمّ يحملني ثانيةً ويركض بي حين يشتد القصف”.

تبكي فدوى بحرقة، فلها على هذا الحال ما يقارب الثلاث سنوات، وهي تنتظر الفرج من الله…

قبل الإصابة، كانت فدوى فتاة مرحة محبوبة من الجميع، لكنّ ضحكتها وأحاديثها المشوّقة اختفت بعد إصابتها.  باتت، تجلس دوماً وحيدة، تفكّر أنها عبء على أهلها.

تقول زوجة عمي أم فدوى: “أنا حزينة على وضع إبنتي، فهي تتمنى أن تكون زوجة وتصبح أماً كبقية الفتيات، وتحيا حياةً سعيدةً… لكنّ اليوم، مَن هو الشخص الذي سيقبل أن يتزوّج بفتاة بحالتها رغم جمالها؟”

تبكي فدوى وتقول: “من أين أتت تلك الحرب على بلادنا، فحوّلت حياتنا الجميلة إلى ذكريات؟ وتحوّلت ضحكاتنا إلى دموع. لا تخلو أي عائلة في سوريا، من معتقل أو مصاب أو شهيد… ولم يبقَ لنا من حياتنا سوى أرواح مدفونة في أجساد مريضة جائعة… أرواح مُتعبة!”

تتكئ فدوى على كرسيها وتقول: “كم أتمنى الموت مراراً، وأن أرتاح من ذاك الألم الذي لا يفارقني أبداً… أٌريدُ أن أتخلّص من هذا الكرسي

 

زهرة الغاب (16 عاماً) من ريف إدلب تحمل الشهادة الأعدادية وهي متزوجة. تبحث عن عمل لمساعدة زوجها على تحمل أعباء المنزل.