مطبخ متنقل لتقديم الطعام للنازحين والمقاتلين

يجلس الطفل عماد البالغ من العمر (9 سنوات) أمام باب خيمته عند الظهيرة بعيون ناظرة إلى الطريق، ينتظر وصول سيارة المطبخ المتنقل التي تحمل الطعام الساخن لأسرته وبقية الأسر النازحة التي تسكن المخيم .

عماد هو أحد الأطفال الذين يعجز آباؤهم عن تأمين ما يحتاجونه في ظل ظروف النزوح الصعبة بعد فقدان فرصة عمله وبالتالي عدم القدرة على توفير أدنى مقومات الحياة الكريمة لأسرته.

أنشأت مجموعة من الشبان في ريف إدلب مطبخاً متنقلاً يقدم وجبات يومية لمساعدة الناس من نازحين ومقاتلين.  مسؤول المطبخ مصعب العدنان (27عاماً) يقول: “قمنا بإنشاء المطبخ نتيجة حاجة المقاتلين إلى الطعام في ظل انشغالهم بالحرب، واعتمادهم على الوجبات الباردة والمعلبة، إضافة إلى كثرة النازحين في ادلب وريفها، ومعظمهم يعيشون ظروفاً لا إنسانية، بسبب الفقر وفقدان كافة مقومات الحياة الكريمة. لذلك بدأنا العمل بجهود فردية وإمكانيات محدودة بالاعتماد على جمع التبرعات من أهالي المنطقة، ثم تلقينا الدعم من حكومة الائتلاف الوطني السوري. طوّرنا عملنا بعد ذلك لنقدم 1500 وجبة طعام يومياً بكلفة تصل إلى 75 ألف دولار شهرياً”.

هنا يعد الطعام المجاني للنازحين والمقاتلين في ريف إدلب تصوير دارين حسن

ويشير أبو سعيد وهو اللقب المعروف به مصعب العدنان إلى أن “المطبخ سمي متنقلاً لأن سيارة المطبخ تتنقل من مكان لآخر، لتوزيع الطعام الذي تم إعداده على النازحين في المخيمات العشوائية، من المحتاجين الغير قادرين على تأمين قوت يومهم وإعالة عوائلهم. إضافة إلى وصولها للمقاتلين المرابطين على جبهات القتال. و تحاول إدارة المطبخ تنويع الوجبات ما أمكن، وتعليبها بشكل جيد لتصل إلى المستفيدين طازجة وساخنة”.

أكرم العبد (33 عاماً) يعمل سائقاً في المطبخ يقول: “أقوم بتوزيع الطعام في موعده المحدد على جميع المناطق، كما نوزع أيضاً علب التمر على الناس، ونقدم الحلوى للأطفال النازحين الذين حرمتهم الحرب من العيش حياة طبيعية وجعلتهم يتخلون عن أبسط حقوقهم. نحاول إدخال الفرح والسعادة إلى قلوبهم الصغيرة. كما نوزع أيضاً أدوات التنظيف من صابون ومناشف للحفاظ على سلامة وصحة الناس”. ويشير سائق المطبخ إلى الصعوبات التي يواجهها خلال عمله، وتبدأ من القصف المتكرر الذي يجعل الانتقال بين المناطق صعباً، إضافة إلى وعورة الطرق التي تتواجد فيها المواقع العسكرية، والخطر في أيام المعارك والاشتباكات، مما يؤدّي إلى التأخر في إيصال الطعام أو إلغائه في بعض الأحيان.

وفّر المطبخ فرص عمل لأكثر من ثلاثين عاملاً، يحصل كل منهم على مبلغ ألف ليرة سورية يومياً، إضافة إلى بعض المتطوعين الذين وجدوا في العمل التطوعي راحة وسكينة.

يعمل أحمد الحسين (37 عاماً) مع زوجته في المطبخ، وعن عمله يقول: “كخلية نحل نبدأ بالتجهيزات وجلب الحاجات اللازمة مساء، حيث نؤمن المواد الأولية اللازمة للطبخ من الأسواق المحلية. وفي الصباح الباكر نبدأ العمل دون كلل أو ملل ليكون الطعام جاهزاً عند الساعة الواحدة ظهراً، وتشارك زوجتي في طهي الطعام مع العديد من الطباخات اللواتي اتخذن من النظافة شعاراً للمطبخ. وبعد تجهيزه يقوم عدد من العمال بتعليب الطعام، ووضع العلب داخل أكياس محكمة الإغلاق. ونحن سعداء بهذا العمل لأننا حصلنا من خلاله على مورد رزق يؤمن قوتنا ويجنبنا الحاجة”.

أبو سمير (45 عاماً) أحد النازحين من ريف حماه، وهو من ضمن المستفيدين من خدمات المطبخ يقول: “من أصعب ما يتعرض له الإنسان أن يضطر إلى ترك منزله ليعيش حياة مأساوية بعيداً عنه. أنا رب أسرة كبيرة وعاطل عن العمل، هربنا من الخطر وبعد وصولنا إلى ريف إدلب كانت أوضاعنا صعبة جداً ونفتقد أدنى متطلبات الحياة. خرجنا بأرواحنا من منزلنا دون إحضار أي شيء من أمتعتنا. لكن المطبخ المتنقل أفادنا كثيراً وقدم لنا وجبات الغذاء الجاهزة، حتى أن أطفالي ينتظرون سيارة المطبخ بفارغ الصبر ويفرحون بوصولها”.

أما أم عمر فهي امرأة في الستين من عمرها تعيش حياتها بين الفقر والمرض. بقيت وحيدة بعد موت زوجها ولجوء ولدها إلى لبنان. رفضت أم عمر السفر، تشير حولها وتقول “وضعي المادي صعب جداً، وأعيش من التبرعات التي أتلقاها من الجيران وأهل الخير. بعد أن تعهدني المطبخ المتنقل أصبحت أحصل على وجبة طعام تكفيني طوال اليوم”.

وفي الختام يقول أبو سعيد: “نعمل طوال اليوم دون كلل أو ملل لتجهيز الطعام وإيصاله لمستحقيه من الذين لا يزالون يلتقطون أنفاس الحياة ويعيشون قسوتها، ساعين للتوسع في عملنا وزيادة عدد المطابخ التي تبعد شبح الجوع عن العائلات الفقيرة التي لا تملك قوت يومها”.

بإمكانكم قراءة هذا المقال باللغة الإنكليزية على الرابط التالي