حفل زفاف بألعاب نارية محرمة دولياً

المكان: الحي الغربي في مدينة كفرنبل.
الزمان: مساء الخميس، 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2015.

يدور بين أبي وأمي الجدال التالي:
هي: “سنحضرها في الليل.. الليل أشد أمناً”.
هو: “لا سنحضرها نهاراً لأن السيارات كلها تمشي في النهار، وفي الليل تكون أوضح للطيار”.
هي: “في الليل الطائرة لن تضرب”.
هو: “ومن قال؟ لا فرق عندهم بين الليل والنهار. خاصة بعد تدخل الطيران الروسي”.

قبل الثورة كان إحضار العروس يتطلب العديد من السيارات التي تشعل أضواءها الرباعية، وتضع الأغاني الخاصة بإحضار العروس. وترتفع أصوات الأبواق في الذهاب والإياب، وسيارة العروس تتميز بزينتها بالورود والبالونات وورق “السولوفان” الملون، وكان يعرف هذا الموكب بأنه موكب عرس. أما الآن فتذهب سيارة لإحضار العروس، ترافقها سيارتان لنقل أهل العروسين بدون أيّ صوت.

ركبت أنا في السيارة الأولى، كوني أخت العريس الكبرى وصاحبة النفوذ الأقوى في البيت، كما يقولون. وفي السيارة الثانية ركب بعض أقربائنا. لكن للأسف لم تتميز السيارة الأولى عن الثانية لا بالبالونات ولا بالورود. أحضرنا العروس دون أي طقوس، دون أي شيء لافت. ومن ثم جلسنا جلسة عائلية بعيدة كل البعد عن مراسم الزفاف.

نساء أثناء التسوق في سوق الخضار حي الشعار. تصوير حسام كويفاتية

في السابق كانت أعراسنا تصخب بالأغاني عبر مكبرات الصوت. النساء يتزيّن ويتباهين بملابسهن وفساتينهن ذات الموديلات الجديدة، ويعرضن بعضاً من مفاتنهن، والرقص والزغاريد يملآن المكان. أما بالنسبة للرجال فيحضرون مطرباً أو مكبرات صوت، ليرقصون ويدبكون الرقصات والدبكات الشعبية المعروفة.

الشي الوحيد الذي مازال العرس يحافظ عليه ويتميز به عن العزاءات الكثيرة هذه الأيام هو الحلويات المعروفة بـ”الشعيبيات” (هي نوع من الحلويات التي تقدم بالأعراس مصنوعة من العجين ومحشوة بالشمندور، توضع بالفرن لبعض الوقت، وبعد إخراجها منه يوضع عليها القطر أو السكر المقطّر) قدمنا “الشعيبيات” لجميع الضيوف، رجالاً ونساء.

وبينما كنّا جالسين نتناول الأحاديث الجانبية دخلت فتاة مسرعة تصرخ وتقول: “يا ماما تعالي وشاهدي الألعاب النارية”. خرجنا مسرعين لنرى الكرات الملتهبة، كان عددها يفوق المئة تنزل شمال المدينة ببطء ويبقى مكانها مشتعلاً. بدأ الناس بتحليل ذاك المشهد وتفسيره. هذا يقول بأن طائرة انفجرت في السماء، وآخر يقول بأنها نيازك.

أما فاتح (50 عاماً) فنادى على زوجته قائلاً: “علينا أن ننصرف من هنا. أخشى من قصف الطيران للعرس. الطيران الروسي وطيران النظام ماهرون باستهداف تجمعات المدنيين”. تستجيب الزوجة لطلبه مباشرة. ينادي أحد الرجال: “فضّوا التجمع”.

بعد دقائق تداول ناشطون خبراً على الفيسبوك يقول: “عشرات الشهداء والجرحى في غارة للطيران الروسي بالقنابل العنقودية المحرّمة دولياً على بلدة بينين في ريف إدلب”. بلدة بينين تبعد عن كفرنبل حوالي 15 كيلو متراً شمالاً.

قال أخي: “هذه هدية عرسي التي قدمها لي الروس”. بدأ الناس بالعودة إلى منازلهم، وانتهى عرس أخي في الساعة السادسة مساءً. في الماضي كانت حفلات الزفاف تبقى مستمرة حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل.

هبة العبود (24 عاماً) تعمل في المجال الإذاعي والإخباري في راديو فريش. تركت دراسة الأدب العربي في جامعة دمشق قسم الآداب والعلوم الإنسانية بسبب الثورة.

بإمكانكم قراءة هذا المقال باللغة الإنكليزية على الرابط التالي