أحلامهم الملونة تكسر الحصار

يتعايش الأطفال السوريون مع العنف الذي يحاصرهم من كل حدب وصوب، وهم وجدوا في الرسم وسيلة للتعبير عن أحلامهم وتطلعاتهم، وذلك في إطار مشروع “لوِّن حلمك” الذي تنظمه حملة Follow Your Dream.
كان فرح الأطفال لا يوصف في محافظة إدلب السورية المحاصرة من كل الجهات، عندما تم تقديم علب التلوين لهم وطُلب منهم رسم أحلامهم، لكن نصف رسوماتهم تقريباً كانت من أجواء الحرب. شرعوا يرسمون الطائرات والدبابات والصواريخ والجثث الملقاة على الطريق. إلا أن نشاط ” لوّن حلمك ” منحهم الكثير من المرح والتحدي مع أنفسهم ليعبّروا عن مستقبلهم.
معايشة الطفل السوري للأزمات والحرب على مدى أكثر من سبع سنوات، تجعله يتّجه في رسوماته إلى مضامين وصور تختلف عمّا يرسمه الأطفال الذين لا يواجهون التجارب ذاتها. فقد رسم أحد الأطفال ضحايا القصف وكتب أنه يريد أن يصبح طبيباً لمعالجة جرحى القصف والمعارك.
كما أن أكثر من طفل رسموا أبنية وأماكن سكنية، وقالوا أنهم يحلمون بأن يصبحوا مهندسين معماريين. كردة فعل على حجم الدمار الذي طال محيطهم وبيوتهم والمدن التي نزحوا منها إلى إدلب.
وجد بعض الأطفال صعوبة في التعبير أو الرسم، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على علاقة باردة مع الأهل، فبحسب علم النفس التحليلي فإن الطفل الغير معبِّر هو وليد علاقة باردة مع أهله عموماً ومع أمه بشكل خاص. وهنا تستوقفنا حالة الحرب والحصار التي يعيشها الأهل في تلك المنطقة والتي تنتج جواً موتوراً تنشأ فيه علاقة غير صحية بين الأهل وأطفالهم.
فما بالكم بهذا الطفل الذي ظاهرياً لم يعبّر ولكنه في الجوهر لا يملك القدرة على التعبير. وهنا كان دور حملة follow your dream في كشف هذه العينة من الأطفال و العمل على استفزاز اللاوعي عندهم من خلال التوجه المباشر بسؤال الطفل عن رسم حلمه وحثه على التعبير .
كما أمكن من خلال الحملة تمييز فئة الأطفال الذين عبّروا عن حلمهم واستطاعوا رسم ما يدور في مخيلتهم. وهذا دليل على قدرتهم على استخراج ما يفكرون به وبماذا يشعرون. وهنا وبحسب علم النفس التحليلي أيضاً تكمن أهمية واضحة لدور الأهل في اعطاء الطفل نموذج معين للاقتداء به قد يكون الأب او قد يكون الصورة النمطية للرجل الناجح.
وهنا نتحدث عن الطفل الذين يحلم بأن يصبح طبيباً أو مهندساً أو أي مهنة عبّر عنها الطفل من خلال رسوماته. هؤلاء الأطفال هم اكثر فئة إيجابية ويسهل التعامل معهم وتحقيق أهداف ملحوظة.
وتبقى الفئة الأكثر تعقيداً حيث يحلم الطفل أن يصبح مقاتلاً، وقد رسم لنفسه صورة البطل الذي سيأخذ بالثأر. هنا تكمن الحاجة الماسة لمعرفة هواجس وهوامات مثل هؤلاء الأطفال. هل الطفل فعلاً يعي حقيقة و خطورة هذا الحلم ؟ أم أنه يوظف نفسه وطاقاته لكسب عطف أسرته ومراضاتها.
يمكن تصنيف رسم الطفل كوسيلة يتحدث بها عن نفسه، ويتفاعل من خلالها مع محيطه الذي لا يسمعه لينتقل من رسوم الخوف، طائرات تقصف واشلاء وضحايا، إلى رسم أماكن أكثر أماناً وجمالاً، أشجار وطبيعة وبيوت غير مدمّرة، حتى ولو كان متخيلاً. وهذا ما تم خلال النشاط فبعض الأطفال رسموا طائرات تقصف ولوّنوا الضحايا باللون الأحمر وأضافوا من يتصدى للقصف. والبعض ذهب في رسماته إلى مكان أجمل ويناسب عمره أكثر فرسم الأزهار والأشجار.
نتيجة لدراسة ورصد كل ما تم رسمه بشكل فردي، وبعد الاستناد الى علم النفس التحليلي وعلم النفس الاجتماعي. عمدت حملة follow your dream إلى وضع تصور حلول للمشكلات الاجتماعية قدر المستطاع وذلك بسبب صعوبة وحساسية المنطقة وما تعانيه .
وكانت خلاصة النشاط هذا عرض نماذج مميزة يقتدي بها الأطفال. لتكون فسحة أمل صغيرة تضيء لهم مساراً غير المسار الذي يعرفوه. من هنا كان لا بد من وجود نماذج تعرض الحياة بمفاهيم جديدة و توجهات مغايرة لتلك التي يعرفون. مفاهيم تتمثل بالحرية والأمان والسلام الداخلي.