5 أعوام على تفجيري الريحانية ونكمل حياتنا كلاجئين

انسة سورية تعطي درساً لاطفال نازحين في مدرسة أقيمت بشكل مؤقت في بلدة المسيفرة بريف درعا الشرقي.

انسة سورية تعطي درساً لاطفال نازحين في مدرسة أقيمت بشكل مؤقت في بلدة المسيفرة بريف درعا الشرقي.

كما في كل صباح، استيقظت لأبدأ نهاري بترتيب المنزل، ووضع لائحة بالحاجيات التي وجب إحضارها من السوق. أما زوجي فتوجه إلى عمله حرصاً على تحصيل قوت العائلة.
بدا النهار هادئا كما غيره من نهارات مدينة الريحانية. هذه المدينة التي أصبح عدد السوريين فيها أكثر من سكانها الأصليين، لقربها من الحدود. البعض أسّسوا فيها أعمالا أو توظفوا لمتابعة حياتهم بشكل كريم. فجأة دوّى صوت انفجار قوي بث الرعب في النفوس. لم نستوعب ما حدث. وأعقبه تفجير آخر ولكن أقل ضخامة.
كان بيتي في الطابق الرابع في وسط المدينة. ركضت مسرعة إلى شرفة المنزل لأعاين مصدر الدخان أو أي شيء يشير إلى ما حدث. زوجي الذي كان قد عاد من عمله، لم يسمح لي. ناداني بصوت عالٍ وغاضبٍ أن أنزل إلى القبو في البناء الذي نسكنه.
لم ألمح إلّا أعمدة من الدخان الأسود تتعالى في سماء المدينة، وارتفعت أصوات صراخ الناس في الشارع. أخذ زوجي ابنتي وأسرع بها إلى القبو ولحقت بهم مسرعةز كان الجميع يظن أنها صواريخ مصدرها النظام السوري، لأنه توعد كثيراً بزعزعة الأمن في تركيا.
الناس هنا اعتادوا على الهدوء، وكان صوت الانفجارات شيئاً مرعباً، ربما ليس بنفس مستوى الرعب بالنسبة للسوريين، لأننا اعتدنا سماع هذه الاصوات. فكان توترنا أقل بقليل منهم.
عمّ الخوف هذه المدينة الهادئة، وبدأ الناس بالركض نحو الأقبيه أو تركوا المدينة حتى، ظناً منهم أن الحال سيتأزم وستحدث انفجارات أخرى. وكنا نسمع الشتائم من بعض الاتراك وهم يهربون معتقدين ان سبب التفجيرات وجودنا في بلدهم. وأننا أحضرنا لهم البلاء بقدومنا على حد تعبيرهم. لم يرد أحد على كل هذه الشتائم لأننا قدرنا أنهم في حالة رعب وسيصدر عنهم بعض الكلام من شدة الصدمة.
فوجئت بأمّي وقد أتت إلى بيتنا خائفة وتبكي، كنا لا زلنا في مدخل البناء عند باب القبو. أبلغتنا والدتي أن أخي ذهب إلى السوق ولا تعرف عنه شيئاً. حاولت هي كما بدأت أنا بمحاولة الاتصال به للاطمئنان عليه، ولكن الشبكة انعدمت من شدة الضغط عليها. الكل يريد أن يتصل ليطمئن على من يعرفهم.
حاولت مراراً دون جدوى. شعرت بالخوف الشديد وانقبض قلبي. أوشكت على كسر الهاتف من شدة التوتر وبكاء أمي. اخيراً استجابت الشبكة ورد أخي على اتصالي. كانت بضع كلمات سريعة فقط: أنا بخير وفي الطريق إلى البيت! قلت له أننا ننتظره في بيتنا.
ارتحنا قليلاً ولكن ليس بشكل كامل، لان البعض من الشباب الاتراك بدأوا بالاعتداء على السوريين وممتلكاتهم وتكسير السيارات وضرب المارة. كنا ندعو ألّا يتعرض أخي لأي اعتداء. والحمدلله لم يطل الأمر حتى وصل إلى المنزل سالماً.
وبدأنا بسؤاله عن مكان الانفجار وإن كان يعرف ما حدث. أخبرنا ان الانفجارين نجما عن سيارتين مفخختين، وليست صواريخ كما توقع الجميع. الانفجار الاول كان عند ما يسميه السوريون “دوار الشجرة”. والثاني عند مركز بلدية الريحانية. ويقول أخي ان الدمار يبدو هائلاً ولكنه لا يعرف تفاصيل أكثر وهذا ما سمعه من الناس. لا يعرف حجم الدمار أو عدد الضحايا.
بدأت الأخبار تأتي شيئاً فشيئاً، وعرفنا أن هناك شهداء كثر و لم تعرف الاعداد بعد، وأن دماراً كبيراً وقع بالقرب من دوار الشجرة. والضرر أخف عند مركز البلدية.
كنا نصلّي ألّا يرتدّ الأمر علينا نحن السوريين بسبب هذه الأفعال. لأن اللوم وجه إلينا منذ اللحظة الأولى. فكيف ستكون الحال إن تبين وقوع الكثير من الضحايا الاتراك!؟ أهلهم لن يسكتوا بالتأكيد، وستبدأ المضايقات ضدنا من كل النواحي. وفعلا هذا ما حدث. أغلب سيارات السوريين تعرّضت للإعتداء، بالإضافه إلى شهداء سوريين سقطوا في التفجير.
جاء المساء ولم نكن نعلم كيف سنمضي هذه الليلة الكارثية. ولا نعرف ما الذي ينتظرنا في اليوم التالي. فقد طلبوا من السوريين التزام منازلهم قدر الإمكان. حتى لا تحدث مصادمات مع ذوي الضحايا، أو ربما هناك من يريد أن يشعل الفتن بين السوريين والأتراك.
حلّ صباح اليوم التالي، وكانت المدينة صامتة وكأنها مدينة أموات، وهي فعلا كذلك. وحدها أصوات المآذن تعلو وتعلن أسماء من سقطوا شهداء. كل ساعة أو اقل يعلو صوت المئذنة وتعلو خفقات قلوبنا ويزداد خوفنا. لا أذكر عددهم بالضبط لكن تجاوز الثلاثين، كنا ندعو لأهلهم بالصبر وندعو لأنفسنا بالامان. فلم يعد هناك مكان نذهب إليه، والعودة إلى سوريا أمر كارثي.
مضى أول اسبوع ونحن لا نستطيع الخروج لجلب أي شيء من مستلزمات البيت. كنا نعد طعامنا مما يوجد لدينا في البراد حتى نفذ. كان صاحب بيتنا انساناً طيباً، جاء واخبرنا انه مستعد لجلب ما نحتاجه. وفعلا كتبنا له قائمة بحاجات المنزل، وجلبها لنا.
كنّا ندعو أن تنتهي هذه الأزمة. ليس من المعقول أن نستمر بإرسال جارنا صاحب الملك إلى السوق. مضت 10 أيام الاولى على التفجيرين كأنها كابوس. وبدأت بوادر الانفراج تلوح بعد أن جاء الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إلى الريحانية، وألقى خطاباً هدّأ فيه من روع الناس، وزار ذوي الضحايا، ووعد أن يعوض كل من تضرر.
وبالفعل بدأ الناس يعودون لحالتهم التي كانوا عليها قبل الانفجارين تدريجياً. وعاد السوريون إلى أعمالهم وقضاء حاجاتهم كالمعتاد. تنفسنا الصعداء أن الامر لم يتطور مثل ما توقعنا، وها نحن اليوم قد قاربنا العام الخامس على التفجيرين وكأن شيئاً لم يحدث وكأنه كابوس وانقضى.
فاطمه إبراهيم (38 عاماً) ربة منزل، أم لثلاثة أطفال. نازحة مع أسرتها في تركيا حيث تبحث عن عمل.