يومَ رأيتُ عناصر داعش يقطعون الرؤوس…

An elderly woman waiting for the water tanker to ask for supplies for her house. Photo by: IWPR

An elderly woman waiting for the water tanker to ask for supplies for her house. Photo by: IWPR

"وأنا أكتب الآن، أشتمّ ذات رائحة الدم التي كنتُ أشتمُّها يوم رأيتُ عناصر داعش يفعلون ذلك."

حنين المحمد

كنا نتناول وجبة الغداء أنا وعائلتي، ظهيرة 15 أيلول/سبتمبر 2013، سمعنا صوت إطلاق نارٍ بعيد… أختي الصغيرة ندى سألتْ والدي: “ماذا يحدث ما هذا الصوت؟”

ردَّ وعلامات القلق واضحةً على وجههِ: “العلمُ عند الله يا ابنتي، أكملي تناولَ الطعام”. بدا لي وكأنّ والدي يعلم ماذا يحصل، لكنهُ سكتَ… بعد دقائق من تناولنا الطعام، سمعنا إطلاق النار مجدداً.

الصوتُ يرتفع أكثر فأكثر، وكأنه يقترب من منزلنا الكائن في مدينة الطبقة. ذُعِرتُ وشعرتُ بدقات قلبي ترتجف.

صاح أخي الكبير محمد وهو يقف على الشرفة: “تعالوا وانظروا ماذا أرى!” كان يصرخ بصوتٍ مرتجف.

نهضنا جميعنا مسرعين نحو الشرفة، لكني كنتُ آخرَ مَن يذهب… تقصّدت أن أمشي ببطئ، لأني كنتُ خائفة. كان أبي أول الواصلين، ثمَّ أمي… بعدما رأوا ما رأوه، لم يسمح لنا أبي بالخروج إلى الشرفة…

رأيتُ عينَي أمي وقد امتلأت بسرعة بالدموع. وعجزتْ عن إخفائها عنا. توسّلنا أبي أن يسمح لنا بإلقاء نظرة أنا وأختي… لكنهُ وقفَ حاجباً بيننا وبين باب الشرفة.

بعد مرور دقائق من الصمت… كان أبي يقف عند باب الشرفة ليمنعنا من العبور… وأمي أغلقت كل النوافذ…

أخي الذي كان غارقاً بصمته، قال: “كيف يستطيعون فعل شيئاً كهذا، هل هم بشر؟ مستحيل!” أكلَني الفضول، وصار مستحيلاً عليهم أن يخفوا علينا ما يحدث تحت منزلنا: “أخي ماذا رأيت أخبرنا”!

“رؤوس بشرية مقطوعة وملقاة في الشارع” قالها أخي بحدّة وألم.

صرخ به أبي وقال له: “إصمتْ لِمَ تكلمت؟!”

قالَ لهُ أخي: “سيعلمون في جميع الأحوال”!

أُصبتُ بصدمة. قلتُ لأبي وأنا أبكي: “ماذا يعني برؤوس مقطوعة؟ رؤوس أناس؟ قولوا لي!”

 

صارَ يمر الوقت وسط الصمت المعجون بالصدمة داخل المنزل… إلى أن ذهبتُ إلى أختي ندى، وقلتُ لها: “تعالي نخرج إلى الشرفة ونُلقي نظرة على ما رأوه”.

كان ردُّ ندى: “لا، لا أريد أن أرى شيئاً”.

ولم أكن أتجرأ على فعل ذلك لوحدي، خاصة وأنّ أبي وأمي يمنعانا… فأنا وأختي كنا صغيرتَين ولا يريدوننا أن نرى شيئاً من تلكَ الفظائع…

حلَّ المساء مسرعاً، ومرة أخرى سمعنا صوت إطلاق النار الشديد وكأنه مطر!

كانت ترافقه أصوات التكبيرات: “الله أكبر… الله أكبر والعزَّةُ لله”!

هذه المرة أدركت أنهم يطلقون الرصاص أمام منزلنا المُطل على الساحة العامة.

ثمّ سمعتُ صوت أحدهم يقول بصراخ التمجيد: “تمّ بعون الله قطع رؤوس هؤلاء الخنازير شبّيحة بشار الأسد”.

وردّدوا جميعاً: “الله أكبر… الله أكبر”

لم أنتظر إشارة من أحد، أو منعاً بخروجي إلى الشرفة!

ركضتُ مسرعةً نحو شرفة المنزل، بطريقة لا تسمح لأحد بإيقافي!

صرخَ بي أبي وأنا أدوس عتبة الشرفة: “لا تخرجي إلى الشرفة!”

التفتُ لثانيةٍ وقلتُ له: “سأخرج، أريد أن أفهم ماذا يحدث”!

خرجتُ إلى الشرفة وألقيتُ نظرة… عندها شعرتُ وكأنّ جسدي قد تحجَّرَ! وكأنني أُصبت بشلل! لم أعد أشعر بجسمي!

ما رأيتُه وأنا واقفة على الشرفة… عشرات الأشخاص بلباسٍ أسود، ويغطون وجوههم بأقنعة سوداء… كانوا يحملون بأيديهم رؤوساً بشرية حقيقية… وكانت الرؤوس مقطوعة!

وأنا أكتب الآن، أشتمّ ذات رائحة الدم التي كنتُ أشتمُّها يوم رأيتُ عناصر داعش يفعلون ذلك.

كانوا يمسكون الرأس المقطوع من شعره، ويحرّكون به يميناً ويساراً ويلعبون به، وهم يرددون “الله أكبر”…

فيلم رعب حقيقي كان يحصل أمامي…

دخلت من الشرفة، وبدأتُ بالصراخ والبكاء الشديد!

كانت أول مرة في حياتي أُشاهد فيها عناصر داعش… لم أكن أعرفهم من قبل!

رأيتهم بعدما نفّذوا إعدامات بقطع الرؤوس!

جاء أبي، احتضنني وقال لي: “لذا يا ابنتي كنتُ أمنعكِ من الخروج إلى الشرفة”.

كان ذلك وأنا عمري 16 عاماً… وإلى اليوم لا أنسى تلكَ اللحظات، فما يمكن أن تراه في سوريا، يفوق كل التصورات…

حنين المحمد (19 عاماً)، كانت تدرس في الطبقة في ريف الرقة. انتقلت إلى ريف إدلب، وتركت دراستها ومنزلها وحياتها بعد دخول داعش إليها.