مشروع “غراس”… صار الطفل يتعلم لوحده!

المشرفة تعاين ما أنجزه الأطفال تصوير ريم الأحمد

المشرفة تعاين ما أنجزه الأطفال تصوير ريم الأحمد

"هربنا أنا وأهلي من القصف وصرنا نسكن في الخيمة ولم أدخل إلى المدرسة بعد، الآن بدأت أتعلّم الكتابة والقراءة لوحدي"

ريم الأحمد

حين سألناه عن المهنة التي يطمح لمزاولتها مستقبلاً قال: “أحلم أن أكون طبيباً لأعالج الأطفال الصغار”. ويقول محمد (7 سنوات)  لحكايات سوريا: “هربنا أنا وأهلي من القصف وصرنا نسكن في الخيمة ولم أدخل إلى المدرسة بعد، الآن بدأت أتعلّم الكتابة والقراءة لوحدي”.

محمد هو واحد من الأطفال الذين يحصلون على حقهم بالتعليم بفضل مؤسسة غراس لرعاية الطفل وتنميته، التي أطلقت في بداية العام 2017 مشروع التعلّم الذاتي في 8 مناطق مختلفة في حلب وإدلب بالتعاون مع منظّمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).

مدير برامج التعليم في مؤسسة غراس محمد سبسبي (38 عاماً)، حدّثنا عن مشروع التعلّم الذاتي قائلاً: “إنَّ نزوح آلاف العائلات من مناطقهم، أدّى لانقطاع الأطفال عن دراستهم، وبعضهم لم يكن قد دخل المدرسة بعد. مشروع التعلّم الذاتي هو أحد الحلول التي توفّر للطفل فرصةَ التعلم في المنزل ضمن مناهج خاصة ومتابعة من المدرِّسين…”

وبحسب سبسبي يمكن أن يُسهم المشروع بحماية حوالي ثلاثة آلاف طفل من خطر الجهل والأُميّة والضياع، وتتراوح أعمارهم بين 6 و10 سنوات وأكثرهم من النازحين في المخيمات.

ويُشير سبسبي إلى أنَّ المشروع يسعى لتمكين هؤلاء الأطفال من المهارات التعلمية في المواد الأساسية. وهي اللغة العربية والرياضيات واللغة الإنكليزية، ويستهدف تأهيل الأطفال المتسربين من المدارس للعودة إلى مقاعد الدراسة بعد إتمام كافة مستويات منهاج التعلم الذاتي. ويؤكِّد أنَّ المشروع يمكن أن يُسهم أيضاً في التقليل من مخاطر عمالة الأطفال والتجنيد في الأعمال العسكرية والزواج المبكِّر لدى الفتيات.

طوَّرت مؤسسة غراس منهاجاً خاصاً بالإستناد إلى مواد برنامج التعلّم الذاتي الخاص بمنظمة اليونيسف، والمنهاج مكوَّن من ثلاثة مستويات. ويمكن تطبيقه في منازل الأطفال بإشراف أهاليهم. أو في الصفوف الخاصة بالطلاب المنقطعين والمتسربين عن الدراس.

“المشروع مَرِن وحين تدعو الحاجة هناك صفوف خاصة في المخيمات” كما يقول سبسبي. وعن مدة تطبيق منهاج التعلم الذاتي يضيف: “هي سنة دراسية واحدة مؤلفّة من أربعة فصول، وبانتهائه يمكن للطفل الإلتحاق بالصف المناسب في التعليم الرسمي”.

من جهته يضيف مدير مشروع التعلم الذاتي عبد الرزاق أبو عادل (37 عاماً) على ما قاله سبسبي: “لقد قيّمنا مسبقاً حالات الأطفال ووجدنا أنَّ البعض منهم يعاني من صعوبات تعليمية، ما دفعنا إلى تشكيل فريق مختص من المعلّمين المجازين للإشراف عليهم، رغم أنَّ المشروع يعتمد بالدرجة الأولى على جهد الطالب وذويه في عملية التعلُّم”.

ويقول أبو عادل: “تمَّ اختيار فريق المعلّمين المشرفين وفق عدة شروط، أبرزها أن يكونوا خرّيجين جامعيين ولهم خبرة سنتين على الأقل في المجال التعليمي، كما يتمَّ إخضاع المعلّمين الذين نختارهم لتدريبٍ مُكثَّف عن التعلُّم الذاتي ومعايير التعليم في حالات الطوارئ قبل إلحاقهم بالمراكز”.

ويوضح أبو عادل أن مؤسسة غراس منذ بداية المشروع حرصت على التنسيق مع الإدارات التربوية والمجالس المحلية في المناطق التي تعمل فيها، وهي قاح، ترمانين، الدانا، تفتناز، الأتارب، مدينة إدلب، أعزاز ومخيمات أعزاز. ويلفت إلى أنه في الوقت الحالي هناك تنسيق مع مديرية التربية للإشراف على الإختبارات التي تجرى في مراكز المشروع. واستقبال الطلاب في مدارس التعليم النظامي لاستكمال تعليمهم، بعدما يجتازون مشروعنا بنجاح. كما شكّلت مديرية تربية إدلب والمجمع التربوي في الأتارب لجنة لمراجعة منهاج التعلّم الذاتي بعد إعداده من قبل فريق مختص من المدرّسين وأصحاب الخبرات الذين اختارتهم مؤسسة غراس.

نضال كوجك (30 عاماً) خريج كلية التربية، معلم صف ومدرّس في مشروع التعلّم الذاتي يقول: “نبدأ مع الطالب باختبار لتحديد مستواه. ثم يبدأ المستوى الأول ويقوم فريق الإشراف بزيارات أسبوعية لمنازل الطلاب بالإضافة إلى عقد جلسات شهرية في مراكز غراس، لمتابعة التزام الطالب بالخطة الدراسية الموضوعة لهُ… أمّا في المخيمات فقد فضَّلَ الأهالي أن يكون هناك صفوف دراسية خاصة لأبنائهم المنقطعين عن التعليم. ونحنُ دائماً نعمل بحسب الإحتياجات”.

يضيف كوجك: “في نهاية كل مستوى يتقدّم الطالب لاختبار مرحلي يؤهّله للإنتقال إلى المستوى التالي، وتستغرق دراسة كل مستوى من شهرين إلى ثلاثة أشهر، وفي نهاية المستويات الثلاثة يخضع الطالب لاختبار نهائي يؤهّله للعودة إلى مقاعد الدراسة إن كان منقطعاً ودخولها إن لم يكن قد درسَ من قبل”.

وينهي كوجك كلامه بالقول: “إنها لآلية مبتكرة في عمل المشروع، ربما هي الأولى من نوعها في الشمال السوري يتّبعها القائمون والعاملون في المشروع من أجل إنجاحه والحصول على النتائج المرجوة وحصد ثماره”.

بصيص أمل يترقبه أهالي الطلاب من هذا المشروع علّ أطفالهم يخرجون من نفق اللا تعليم المظلم الذي يلاحقهم طوال سنوات الحرب. أبو يوسف (43 عاماً) من سكان مخيم قاح وهو أحد نازحي ريف حماة الشمالي يقول: “مشروع التعلم الذاتي مشروع جيّد ونأمل بالمزيد، ونناشد جميع المنظمات المعنية بالطفولة للتحرك وإنقاذ جيل كامل من الأطفال من خطر الأُمية… إبني سيتعلّم وسيصبح أفضل مني ومن كثيرين، هذا أملي في الحياة”.