مجزرة حاس ذكرى الدم والتلاميذ

نساء من مدينة زملكا يمشون على الطريق وتظهر الابنية مدمرة بشكل كامل

نساء من مدينة زملكا يمشون على الطريق وتظهر الابنية مدمرة بشكل كامل

"انا وابنتي وزميلتي استلقينا على الأرض بسرعة، سقط الصاروخ داخل سور المدرسة"

دارين الخالد

صباح ذاك اليوم عندما ذهبت الى مدرستي لم أكن أعلم ما يخبّئ لنا القدر. كنت أعمل كمدرّسة متطوعة في إحدى مدارس بلدتي حاس.

كان صباح يوم الأربعاء 26 أوكتوبر/تشرين الأول 2016، حين شنت طرائرات حربية تابعة للنظام سلسلة غارات استهدفت البلدة. أصبت أنا وزميلاتي بخوف شديد. بعض رفيقاتي كما بعض الطالبات أغمي عليهن. كان في المدرسة ما بين 400-450 طالبة ومدرّسة وبين الطالبات كانت ابنتي.

كان مدير المدرسة حائراً حول كيفية التصرف، هل يجب أن يصرف الطلاب والهيئة التعليمية أم يجب البقاء داخل المدرسة. وإذ بصاروخ يستهدف المدرسة بشكل مباشر، فتعالت صرخات الطالبات وبكائهن في باحة المدرسة. كان من الصعب جدا على المدير اتخاذ أي قرار يحدد مصير هذا العدد الهائل من الأرواح.

في كل الأحوال اتخذ المدير قراره النهائي. أمر بإخلاء المدرسة، فطلب من الطالبات والمدرسات المغادرة بأقصى. إلا أن البعض تأخر وكنت انا وابنتي بين اللواتي تأخرن، ولم يطل الأمر حتى تركنا المدرسة. أذكر لحظة خروجنا من باب المدرسة والطائرة تحلق في سماء البلدة، حين رأينا الصاروخ وقد انطلق باتجاهنا.

انا وابنتي وزميلتي استلقينا على الأرض بسرعة، سقط الصاروخ داخل سور المدرسة. وهو ما جنّب الشارع من شظايا الصاروخ. كان الشارع يغصّ بالطلاب من مدرستي والمدارس المجاورة من جميع الأعمار ذكور وإناث.

بدأنا جميعا بالصراخ والبكاء، وعلت سحب الدخان في سماء البلدة ورائحة البارود، وعندما انجلت السحب كانت بعض أطراف عباءتي قد احترقت من الشظايا المبعثرة، كنا انا وابنتي بخير. نظرت حولي ووجدت الضحايا بين قتلى وجرحى في كل مكان. ناطور المدرسة حضن أولاده المرافقين له لحمايتهم من الحجاره والشظايا المتبعثره في كل مكان .

فرق الإسعاف بدأت بالإسعاف وبعض المسعفين قد مات، كل هذا وقصف الطيران مستمر على المدارس والأبنيه المجاوره للمدارس. كان يوماً أسوداً لم أعش أصعب منه في حياتي. انها بحق مجزرة بكل ما تعنيه هذه الكلمة. إنها مجزرة الأقلام التي ذهب ضحيتها 40 شخصاً بينهم 14 طفلاً و4 مدرِّسين، بالإضافة إلى عشرات الجرحى.

حين عدت إلى البيت ارتحت قليلاً، لكن هول المشاهد استمر يطاردني، وبدأت افكر اين الهيئات الدولية والمننظمات التي تعنى بحقوق الطفل والأنسان؟ هل الطفل في سوريا ليس من أطفال العالم؟ أم أنه لايتمتع بالحقوق التي يتمتع بها أطفال العالم، وعليه أن يواجه آلية الأجرام دون حسيب أو رقيب، فأين أحرار العالم وأين إنسانية الانسان في هذا العالم؟

لم يمر الكثير من الوقت حتى برز تحدي جديد يتعلق بالمدرسة. لم تعد المباني صالحة للتدريس. وتابعنا العمل بعد فتره قليله في أماكن متفرقه في البلدة. كان التحدي في متابعة الرسالة التربوية في تعليم الأطفال، وزرع الأمل في نفوس الطالبات. وكم كنت أتألم عندما ازور بعض البنات في منازلهن وأرى ما لحق بهن من مصائب. يالها من كارثة صعبة لم اكن أتوقع حدوثها. هذه الآلام تبقى طويلا وتحفر في الذاكرة. إنها ذكرى الدم والتلاميذ، ذكرى اليوم الأسود.

دارين الخالد (29 عاماً) متزوجة وتُقيم في ريف إدلب. كانت تدرس في كلية الحقوق في السنة الثالثة لكنها تركت الدراسة بسبب الحرب.