لوحات سورية ملونة وأسماء في قوارير زجاجية

"أرسم بالرمال زرقة السماء وغروب الشمس إضافة إلى نقوش تعبر عن الطبيعة ومكوناتها، كما أختار مفردات من البيئة الصحراوية كالجبال والجمل وبيوت الشعر "

أبو أحمد

الفنان أبو أحمد منشغل برسم قافلة من الجمال وسط الصحراء. هي لوحة فنية في قارورة زجاجية قوامها الرمل الملون. هذا الفن الفريد الذي يعدّ حرفة وصناعة ومصدر رزق يعتمد عليه في تحصيل قوت يومه.
أبو أحمد (45 عاماً) من مدينة تدمر يقول: “يعتبر فن الرسم بالرمال من الفنون القديمة في العالم، وأول من عرفه الأنباط بعد اكتشافهم الساعة الرملية. وهو من أجمل الفنون وأكثرها براعة، وقد ورثت هذه الحرفة عن أبي وأعمل بها منذ زمن طويل، وقد قمت بنقلها إلى مدينة إدلب التي نزحت إليها بعد اشتعال المعارك في مدينتي”.
ويضيف أبو أحمد: “يحتاج هذا العمل إلى صبر وعين حدقة في مزج الألوان حتى لايطغى لون أو شكل على آخر، وإلا وجب إعادة التشكيل من جديد، وهذا نادراً ما يحصل مع المتمرس بهذا الفن ومن يمتلك حرفية في علاقته بالرمال والألوان وتشكيلاتها”.
وعن الموضوعات التي يختارها في رسوماته يردف أبو أحمد موضحاً لحكايات سوريا: “أرسم بالرمال زرقة السماء وغروب الشمس إضافة إلى نقوش تعبر عن الطبيعة ومكوناتها، كما أختار مفردات من البيئة الصحراوية كالجبال والجمل وبيوت الشعر لأن الصحراء وأجواءها تمثل جزءاً من موروثنا العربي”.
أكرم التناري (31 عاماً) من معرة النعمان زار مدينة إدلب لقضاء بعض الحاجات وكانت محطته الأخيرة عند الحرفي الفنان أبو أحمد. أعجبه الرسم والأسلوب والمهارة بالترتيب داخل الزجاجة.
وعن ذلك يقول التناري: “يتمتع الفنان بذوق عالٍ لأنه بارع في انتقاء الألوان واختيار تدريجاتها المناسبة ومعرفة النسب الصحيحة لكميات الرمل، فيقدم لوحات فنية تكاد تنطق لشدة جمالها، توحي بالحياة وجمالها، أما الزجاج الذي يضم اللوحات الرملية فيشكل إطاراً حافظاً لها ويعطي بعداً جمالياً آخر، وكأنه يريد أن يختزل الطبيعة وألوانها في تلك القوارير”.

ويلفت أبو أحمد إلى الأدوات المستخدمة في عمله، إذ يستخدم نوعاً خاصاً من الرمال المنقاة من الشوائب والمصفاة بواسطة المنخل. حيث يقوم بنقع الرمل في إناء ممتلئ بالماء، ويقوم بتحريكه فيه وتستمر عملية الغسل من الشوائب إلى أن يصبح نظيفاً تماماً. ثم يفرش تحت أشعة الشمس ويترك ليجف.
ثم تبدأ المرحلة الثانية في تلوين الرمل وصبغه بألوان زاهية من خلال إضافة البودرة الملونة للرمل المنقى، ويفضل إضافة الألوان الداكنة للرمل الفاتح.
أما عملية الرسم فتكون باختيار الرسمة المراد تنفيذها على كل جوانب القارورة الزجاجية، ثم يصعد بتعبئة الرمال داخل القارورة بشكل أفقي ومتساو من كل الجوانب. حيث يقوم بإضافة الرمل بالملعقة إلى المحقن الموصول بشفاطة خاصة تسهل رسم الأشكال التي يريدها محاولاً التحكم في نزول الرمل داخل القارورة بحذر بالغ.
ويشرح أبو أحمد كيف أنه بعد الانتهاء من تنفيذ الرسم يجب ضغط الرمل داخل الزجاجة ضغطاً محكماً، لمنع تخريب المنظر المرسوم عند التحريك المفاجئ. وإغلاق الزجاجة من الأعلى باستخدام سائل صمغي لمنع تسرب الرمال، والحفاظ على المنظر الداخلي وضمان بقائه.
ويضيف أبو أحمد: “لاقى هذا الفن الوافد إعجاباً وترحيباً من أهالي المدينة وزوارها، حيث يطلب إلي الزبائن كتابة أسماء أقربائهم وأحبائهم وتاريخ ميلادهم، وعبارات خاصة وذكريات تحمل في طياتها رائحة المكان، وتعكس شاعرية ساحرة وعشقاً كامناً في القلوب”.
ويحرص أبو أحمد أن تكون القوارير التي يعدها بأحجام مختلفة بحيث تمثل خير هدايا للأصدقاء. كما يصنع القوارير الكبيرة التي يكون الطلب عليها لتزيين صالونات المنازل وإعطائها جمالية خاصة، بحيث يكون سعر كل زجاجة بحسب حجمها ومساحة الرسم الموجود عليها. كما يرسم أحياناً على حبات الأرز ولب التمر.
أم وليد (35 عاماً) طلبت من الحرفي أن يخط أسماء أولادها في زجاجات وتاريخ ميلادهم كي تكون هدايا لهم وتذكاراً بسيطاً ورمزياً من المدينة تدوم في بيتها وفي ذاكرة الأطفال.
وتقول أم وليد:” استهواني هذا العمل ولفت انتباهي لأنه نوع هادئ من الفن بعيد عن الصخب، حيث يجتمع في هذه القوارير الزجاجية تناغم الألوان والفكرة المجسدة، كما أن قيام الفنان برسمها وإعدادها أمام الزبون يزيدها تألقاً وخصوصية”.

الطالبة الجامعية علا (20 عاماً) من قرية خان السبل بريف إدلب طلبت من الفنان أبي أحمد أن يخط اسماً فوق صورة الغروب والطيور المهاجرة، وعندما سألناها عن سبب ذلك قالت لحكايات سوريا: “اخترت أن أكتب اسم أخي الأصغر الذي رحل عن عالمنا إثر تعرضه لشظية قذيفة دبابة سقطت على باب منزلنا وهو يلعب، وقد اخترت صورة الغروب بعد أن غربت شمس حياته دون أن تغيب صورته عن ذاكرتي أبداً.”

وتقول علا: “الزائر لمدينة إدلب تأخذه عيناه إلى تلك الألوان الزاهية والبراقة عبر الرمال المصفوفة داخل القوارير الزجاجية، والتمازج الخلاب لحبات الرمل الملونة”.