لقاح الأطفال في مناطق المعارضة صارَ ممكناً!

ينتظرن أمام مركز التلقيح مع أطفالهن تصوير سونيا العلي

ينتظرن أمام مركز التلقيح مع أطفالهن تصوير سونيا العلي

"يُحاربنا النظام بأغلى ما نملك وهم أطفالنا، لذلك منعَ عنهم اللقاح... ونتيجة ذلك أُصيبت ابنتي بشلل الأطفال وهي تعيش اليوم طريحة الفراش"

سونيا العلي

لم تعد أم بديع مضطرة للسفر من مدينة حارم إلى مناطق سيطرة النظام، وتحمُّل مشقّة الطريق لمنح طفليها اللقاح في موعده… فقد انتشرت مراكز اللقاح في إدلب وريفها.

بعد نضال استمر لأكثر من ثلاث سنوات تمكّنت مديرية صحة إدلب بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية واليونيسف و”فرَق لقاح سوريا”، من افتتاح مراكز ثابتة للُّقاح تضمُّ كافة أنواع اللقاحات التي يحتاجها الأطفال من الولادة حتى سن الخمس سنوات.

وكانت مناطق سيطرة المعارضة تخلو من هذه المراكز، بحيثُ يضطر الأهالي لانتظار حملات التلقيح غير المنتظمة التي تقوم بها مديرية الصحة من وقتٍ لآخر والتي غالباً، لم تكن تُغطّي جميع الأطفال بشكلٍ كامل، أو يضطر الأهالي لشراء اللقاحات لأطفالهم من بعض الأطباء الذين يُحضرونها من مناطق سيطرة النظام ويقومون ببيعها.

الطبيب نصر الحامد (34 عاماً) من مدينة معرة النعمان يقول: “منعَ النظام إدخال لقاحات الأطفال إلى المناطق المحرَّرة كنوع من العقاب الجماعي للمدنيين، مما عرَّض الأطفال لخطر الإصابة بالأمراض، ولعلّ أخطر الأمراض التي بدأت بوادرها بالظهور هو مرض شلل الأطفال الذي يُعتبر مرضاً فيروسياً شديد العدوى، كفيل بإحداث الشلل التام للطفل في غضون ساعات من الزمن، علماً بأنه لا يوجد علاج لهذا المرض ولكن يمكن الوقاية منهُ بأخذ اللقاح…”

ويضيف الحامد “انتشر مرض الحصبة، الذي يبدأ بالظهور على شكل طفح جلدي والتهاب في البلعوم وارتفاع في الحرارة… إضافةً إلى انتشار الكثير من الأمراض الخطيرة بين الأطفال، كالسل والسعال الديكي وغيرها، ومن هنا تأتي أهمية اللقاحات التي تعتمد على تنشيط جهاز المناعة ليكتسب جسم الطفل من خلالها المقاومة ضد الأمراض”.

الطفلة شهد الخطاب (4 سنوات) من مدينة إدلب أصيبت بمرض شلل الأطفال نتيجة ضعف مناعة جسمها بعد عدم تلقيها اللقاح الروتيني، تقول والدتها لموقعنا: “يُحاربنا النظام بأغلى ما نملك وهم أطفالنا، لذلك منعَ عنهم اللقاحونتيجة ذلك أُصيبت ابنتي بشلل الأطفال وهي تعيش اليوم طريحة الفراش، وكل ما أتمناه أن أراها تسير على قدميها من جديد يوماً ما وأن تركض وتلعب كسائر الأطفال..!”

وأمام خطورة الوضع الذي يُعتبر كارثياً افتتحت مديرية الصحة الحرة 46 مركزاً للقاح نظراً للحاجة الماسة إليها، حيث تمَّ افتتاح عدد منها فيما يجري العمل على افتتاح بقية المراكز سعياً لتغطية معظم المراكز الصحية في محافظة إدلب وريفها وفي مخيمات النزوح.

الطبيب رفعت الفرحات (35 عاماً) رئيس دائرة اللقاح في مديرية صحة إدلب يقول: “تزايد في إدلب عدد الأطفال الذين لا يحصلون على حقهم في اللقاح رغم حاجتهم إليه، في ظل الحرب التي أنتجت وضاعفت الأمراض وأكثرت من تداعياتها. بعض الحملات الدورية كانت تنطلق من قِبَل فرق اللقاح، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية وكانت قد استطاعت أن تخفّف من وطأة الخطر بشكل كبير”.

ويُضيف الفرحات: ” كانت الحملات تحصل بمواعيد غير ثابتة لذا لم تحل المشكلة بشكل نهائي، حيث يُحرَم ٌعددُ كبيرٌ من الأطفال من اللقاحات بسبب تغيُّب أهاليهم أو نزوحهم أو عدم معرفتهم بمواعيد الحملات. فكانت المراكز الثابتة الحل الأنسب لكونها تقدّم اللقاح بشكل يومي وتستهدف كافة الأطفال المتواجدين في المحافظة سواء من أهالي المناطق أو النازحين إليها”.

ويُشير الفرحات إلى أنه يسبُق افتتاح أي مركز دوراتٌ تأهيلية للكوادر من قِبَل أطباء ومختصّين، كما تقدّم المراكز كافة اللقاحات التي يحتاجُها الأطفال والأمهات الحوامل. وكلها لقاحات غاية في الأهمية ويجب على كل طفل أن يحصل عليها وفق جدول منتظم لتجنّب الإصابة بهذه الأمراض، وخاصة لدى الأطفال الذين تقلُّ أعمارهم عن السنتين.

أمّا عن الفرَق الجوّالة للقاح، فهي تتابع عملها من خلال القيام بحملات دورية ضد مرض شلل الأطفال كما يقول الفرحات، بحيث يتم تحديد موعد لكل حملة مع تحديد أهدافها من خلال اللافتات على الطرقات ووسائل التواصل الاجتماعي والملصقات والإبلاغ عن طريق المراصد… وبذلك يتم تخطّي مشكلة عائق الطريق والوصول إلى المراكز حتى ضمن نطاق مناطق سيطرة المعارضة.

مصطفى السعيد (23 عاماً) مسؤول الدعاية المجتمعية للقاح الروتيني في مركز مدينة حارم يتحدّث لحكايات سوريا قائلاً: “بدأنا العمل داخل المركز في مطلع شهر آذار/مارس 2017 ونبذل جهوداً لحماية الأطفال من المرض رغم التحديات والصعوبات التي تواجهنا، وفي مقدمتها القصف المتكرر والممنهج الذي يتبعه النظام وحلفاؤه على النقاط الطبية والمستوصفات إضافةً إلى مشكلة النزوح حيث نعاني من نزوح الأهالي من أماكن القصف إلى أماكن أكثر أماناً مما يُسبّب خللاً بالخطط الموضوعة لتغطية الفئة المستهدفة من الأطفال.”

ويؤكّد السعيد بأنّ الدوام ضمن مراكز اللقاح هو دوام إداري منظّم، حيثُ خصّصَ المركز ثلاثة أيام للقاح الثابت وثلاثة أيام يتم فيها تسيير فرق جوّالة إلى المناطق النائية لتغطيتها… فتكون الفائدة عامة وشاملة لجميع أطفال المنطقة .

أم بديع (27 عاماً) من مدينة حارم تتحدث عن أهمية مراكز اللقاح بالقول: “بعد توقُّف عمليات التلقيح في مناطق إدلب كنتُ أضطر للذهاب إلى مناطق النظام البعيدة لاستكمال اللقاحات لأطفالي، وكنتُ أجد صعوبةً كبيرة! لذل فانتشار المراكز الثابتة أمر بالغ الأهمية وأتوجه بالشكر للعاملين في القطاع الطبي في إدلب الذين يبذلون جهوداً كبيرة لتأمين الرعاية الصحية للمواطنين”.

من جانبه، أبو عبد المعطي (42 عاماً) من مدينة معرة النعمان يقول لموقعنا: “العشوائية في حملات التلقيح التي كانت حلاً مؤقتاً بعد منع النظام لإدخال اللقاح، كانت تولّد الكثير من الأخطاء، حتى أنّ بعض الناس لم تعد تثق بهذه الحملات، مما جعل أطفالنا دون لقاح وعرضة للمرض… أمّا اليوم فالمراكز الثابتة باتت ضرورية جداً لأنها موثوقة بإشراف أطباء وممرضين مختصين، كما تضمن حصول جميع الأطفال على لقاحاتهم، وبذلك وفّرت على المواطنين صعوبات كثيرة.”

في ظل المشاكل التي تعاني منها المنظومة الصحية في إدلب، وفي ظل سوء الوضع الطبي المتمثل ببنى تحتية مدمّرة وكوادر ينقصها الكثير من العتاد البشري والمادي، تُعتبر مراكز اللقاح نصراً كبيراً لمنح الأطفال حقهم في تحصين أنفسهم من الأمراض، وإصراراً على محاربة اليأس، لخلق إرادة الحياة بين ثنايا الموت… على أمل ألا يكون هناك أي منطقة يُحرم فيها الأطفال من حقهم باللقاح، سواء في إدلب أو في بقية المناطق.