لعنة العلويّين في سوريا: “ذنبنا أننا أبناء طائفة الرئيس”

راحيل إبراهيم

يتناقل أهالي قرية البرجان، جنوبي مدينة جبلة الساحلية، قصة أبي جعفر؛ توجه الأخير إلى جبلة بعدما رزقت عائلة يعرفها بمولود ذكر جديد. إلا أن الزيارة لم تكن كأي زيارة عادية لمجرد تقديم التبريك بالولادة. يعتقد أبو جعفر أن ابنه البكرالذي كان في صفوف الجيش النظامي وقتل قبل شهر في حلب قد تقمص في هذا الجسد الصغير، وهو ينتظر حتى يكبر الرضيع كي يسمع منه قصة موته.  

قد يكون اعتقاد العلويّين بالتقمص عزاءهم الوحيد إزاء استمرارهم في تحمل العبء الأكبر بمد النظام بالمقاتلين، في ظل نزاع لا تبدو بوادر حله قريبة. أصبح أهالي جبلة والقرى المحيطة بها يعرّفون عنها بحسب عدد من قتل من أبنائها، فجبلة هي “مدينة الثلاثة آلاف شهيد”، كما يقول أهل المدينة، ولكنهم يعللون هذه التضحية بخوفهم من المستقبل في حال خسر النظام الحرب.

مظاهرة ضد النظام في مدينة جبلة آذار 2011- YouTube
مظاهرة ضد النظام في مدينة جبلة في آذار/مارس 2011 – يوتيوب

تكاد تنعدم المظاهر المعادية للنظام في المنطقة الساحلية، التي تحكم السلطة  سيطرتها عليها وتضم قرية القرداحة التي تقع في محافظة اللاذقية، وهي مسقط رأس الرئيس بشار الأسد.

كانت مدينة جبلة قد شهدت مظاهرات في بداية الاحتجاجات في سوريا في آذار/مارس 2011، ولكن تبقى أبرز الاحتجاجات في المنطقة الساحلية في مدينة بانياس والقرى المحيطة بها، والتي ينتمي أغلبية سكانها إلى الطائفة السنية. وقد قمع الجيش وقوات الأمن الاحتجاجات في عملية عسكرية خلال شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو العام 2011.

وتكاد تخلو المنطقة الساحلية من الشبان والشابات العلويين المعارضين، الذين تركوا مدنهم وقراهم ليتوجّهوا إما إلى دمشق أو إلى خارج سوريا نتيجة تعرضهم لمضايقات من محيطهم، أو إذا بقوا لا يكشفون عن ميولهم السياسية بشكل علني.

“ذنبنا أننا أبناء طائفة الرئيس،” يقول أبو محمد (اسم مستعار) وهو موظف في مركز الصحة الحيوانية في جبلة. “نعرف أننا كطائفة علوية ظلمنا من النظام نفسه؛ نعلم أننا كنا الوقود الجاهز للاشتعال عند الضرورة خلال الأزمة، مع هذا نعلن صراحة أننا متمسكون بهذا النظام حتى الموت ومستعدون للتضحية بمليون شهيد على أن نتعرض للإبادة الجماعية.”

تتكرر هذه الهواجس على لسان الأشخاص الذين التقاهم موقع “دماسكوس بيورو”، والذين يرون في النظام الحالي حماية لهم من الأغلبية السنية.

“لا وجود لنا إذا ما رحل بشار الأسد فهو يمثل بالنسبة لنا مصدر الحماية والأمان، رحيله يعني عودة الحكم زمن الأمويين والعباسيين وصولاً إلى العثمانيين،” يقول مصطفى (اسم مستعار) وهو مدرس لغة عربية من مدينة جبلة. “نرى العلويين ينزوون في الجبال الساحلية، وقد بدأت عائلات كثيرة منذ بداية الأزمة بنقل سكنها من دمشق إلى قراها في الساحل لإقامة يعتقدون أنها دائمة.”

ومما يزيد من هذه المخاوف انتشار الأخبار عن أعمال قتل وتحرش بالنساء طالت عائلات علوية في دمشق وحمص. لهذا السبب لاتجد عُلى حرجاً في وضع الحجاب على رأسها خلال سفرها بين دمشق وريف طرطوس لكي تخفي انتماءها الطائفي، مع أن النساء العلويات لا يرتدين الحجاب عادةً.

“زوجي أجبرني على وضع الحجاب خوفاً من الاختطاف، لكنني أخلعه عندما أصل إلى قريتي،” تقول عُلى.

“القتل على الهوية أثبت لنا أن الصراع طائفي بالدرجة الأولى وأننا مستهدفون كطائفة،” يقول أحمد الذي التحق بصفوف الاحتياط في الجيش. “لا يمكن أن نسقط من أذهاننا التقسيمات التي أدرجنا ضمنها مؤيدو الثورة منذ بداية الأزمة؛ علويون شرفاء ممن أيّدوا الثورة وآخرون أدرجوا على قائمة العار لأنهم مع النظام.”

يخشى أحمد من تفكيك الجيش إذا ما ربح الثوار الحرب، مما يجرد العلويّين من الحماية بحسب رأيه.

“نعتبر هذه التقسيمات تهديداً صريحاً ينبئنا بمصيرنا، ننظر إلى المستقبل فنرى أن الجيش سيتم تفكيكه في حال سقط النظام، وقد لا يكتفون بتفكيكه، نخشى أن يكون الانتقام هو سيد الموقف،” يضيف أحمد.

لم تتعدَ الانتقادات التي وجهها الأشخاص الذين التقاهم موقع “دماسكوس بيورو” إلى الرئيس الحالي سقف ما ذكره نضال (إسم مستعار)، وهو طبيب انتقل بعد بدء الأزمة مع عائلته التي تؤيد النظام من دمشق إلى اللاذقية، في نزوح معاكس لذلك الذي يقوم به المعارضون.

يتمسك نضال بالرئيس الحالي، مع أن كلامه لا يوحي باقتناعه أن بشار الأسد هو أفضل رئيس حظي به العلويّون.

“لا يمكن أن نقارن الأب بالابن؛ حافظ الأسد جعل للعلويين اسماً ومكانة وأصبحوا هم الدولة، مع هذا لا نستطيع التبرؤ من هذا النظام، حتى لو أردنا ذلك فلا يمكننا التبرؤ من عائلاتنا،” يقول نضال وهو ينظر إلى صورة الرئيس الشاب المعلقة في صدر غرفة الاستقبال في بيت عائلته.

يصور نضال العلويين وكـأنهم تحت لعنة ارتباط حياتهم ببقاء النظام الحالي.

“غالبية قرى الساحل تعتمد في معيشتها على وظائف أبنائها في الجيش والأمن، لن تستغرب إذا ما وجدت ثلاثة أخوة من عائلة واحدة متطوّعين في سلك الشرطة أو إحدى المؤسسات الأمنية، يقول نضال. “المستقبل بالنسبة إلينا يبدو قاتماً؛ نحن مدمجون بالنظام إلى النخاع وأي (تغيير) هو مأزق جديد لنا.”