فاتن التي رفضها العريس!

A woman walks through the Salah al-Din neighbourhood.

A woman walks through the Salah al-Din neighbourhood.

أمرأة تمشي في حي صلاح الدين
أمرأة تمشي في حي صلاح الدين

“أبي وأمي تزوّجا منذ عشرين عاماَ… كانت أمي يومها تُعتبر كبيرة بالسن (35 عاماً)، لذا قبلت الزواج من أبي المتزوّج من امرأتين ولديه الكثير من الأبناء.

عانت أمي ما عانته نتيجة ظروف الحياة القاسية والفقر، ولوجود امرأتين غيرها… ودارت خلافات كبيرة بينها وبين أبي، منذ زواجهما. فهو لم يستطع أن يبني لها بيتاً لوحدها، كما وعدها.

قررت أمي الرحيل، وطلبت الطلاق كونها لم تعد تستطيع التحمل. فراحت إلى بيت أهلها، وقد كانت حاملاً بي، فأنجبتني هناك… ثمَّ أعادها أبي إلى المنزل.

بعد عودتها بثلاث سنوات، كانت أمي على وشك ولادة أخي محمد. والمشاكل مع أبي لم تتوقف يوماً، بل كانت بازدياد مستمر… رحلت أمي ثانيةً وتركتني وحيدة مع أبي الذي طلبت منه الطلاق ورفعت دعوى قضائية ضده.

لم يكد يمضي على رحيلها الستة أشهر، حتى أعادها أبي ثانيةً، من أجلي أنا وأخي، لكنه لم يعد يحبها!

مضت الأيام، فكبرنا وحياتنا مشوار من الألم والعذاب المستمر… أشقاؤنا من زوجات أبي، يعاملوننا معاملة سيئة، لكن ليس بإمكاننا إلا أن نتحمّل ونسكت…

إلى أن أنجبت أمي أختي سوسن، وبعد ولادتها مباشرةً بدأت الثورة، وبدأت مشاكل النزوح.

وعندما تقدّم الجيش إلى قريتنا، أخذتنا أمي وهربت بنا إلى قرية أهلها في جسر الشغور، هرباً من بطش جيش النظام.

كان عمري 14 عاماً، وعمر أخي 11 عاماً…

وما هي إلا أيام معدودة حتى بدأ الجيش بالتمهيد لاقتحام جسر الشغور بوابل من الصواريخ والقذائف، فاستشهدت أختي الصغيرة سوسن البالغة من العمر سنة ونصف، بشظية من القذائف التي كانت تسقط في كل مكان… ونجَونا نحن بأعجوبة.

دفنّا أختي، ثمّ هربنا مع أهل أمي إلى الحدود السورية التركية.

في حينها كانت الحكومة التركية قد فتحت المعابر للنازحين وسمحت لهم بالدخول في أول أيام الثورة. وبعدها قاموا بترحيلنا إلى مخيم نيزب في غازي عنتاب.

هناك أمضينا أربع سنوات، وكنت قد بلغت الـ 18 من عمري… فتقدَّمَ شاب لخطبتي من أبي، الذي اتصل بأمي وطلب منها أن تأتي بي، كي يقوم بتزويجي.

وفعلاً، طلبنا الإذن من المخيم، أنا وأمي وأخي محمد كي نعود إلى سوريا،  بعد غياب أربعه أعوام.

وبعد مشقة الطريق وعناء السفر. التقيت بالعريس الذي جاء إلى منزل والدي، فوجئت بقوله لأبي أني لم أنل إعجابه!

رفضَني!!

قررت أمي العودة إلى المخيم، فالحياة في سوريا صعبة، وأبي لا يستطيع أن يعيلنا في ظل ظروف الحرب التي تمر بها البلاد.

لكنّ المفاجأة الكبرى، أنَّ هذه المرّة أخي الكبير من أبي، لم يسمح لي بالعودة مع أمي وأخي. فأنا فتاة شابة، ولا يجوز أن أمكث في مخيم، على حد قوله!

بكيت كثيراً، لكن دون فائدة… وبقيت وحيدة.

كان أخي الكبير متزوجاً ولديه أطفال… عشت حوالي الشهر مع عائلة أخي…

وفي إحدى الليالي، حوالي الساعة الواحدة ليلاً، أحسست على صوت أخي وهو يوقظني ويريد أن يأخذني إلى مكان ما! والحزن بادياً في عينيه!

“أخي إلى أين نذهب؟”

لم يجبني…

أخذني إلى منزل أبي الفقير. وإذ بأبي مغطّى الرأس!

مات أبي…

لم يعد لي أب، وأمي بعيدة عني!

كنت أبكي فوق رأسه وأقول:

“أبي لماذ تركتني وحيدة، أقاسي الآلم والوحدة؟!”

 

مضت الليالي التعيسة والوحده تقتلني، بلا أبي وأمي وأخي محمد… حتى تقدّم شاب لخطبتي، فقبلت الزواج منه، عّلني أنسى بعض الآلم الذي عانيته!

وبعد عدّة أيام تزوجت، فكان زوجي في أول أيام زواجنا إنساناً محترماً وحنوناً معي…

لكن بعد وقت، بدأ يتغيّر، ثمَّ صار يضربني ويهينني بكل ما يملك من قوة، ولا أعلم ما السبب!

اكتشفت بعد أن كنت قد حملت منه، أنه بدأ يتعاطى نوعاً من المخدرات، وبأنه لا يجده إلا بصعوبة!

ولذلك كان يضربني!

 

يا إلهي ما عساني أن أفعل؟

أتركه وأعيد مأساة أمي بالإنفصال؟ أم أتحمل وأحافظ على ذلك الجنين الذي في داخلي، الذي ليس له ذنب بما يحدث معي ومع والده؟

سأترك الأمر لسيّد الأمر، وأمضي وحيدة كما كنت…”

 

تلك كانت قصة فاتن، التي روتها لي بحرقة تعتصر قلبها… وخلال كتابة هذه السطور كانت تضع مولودها الأوّل.

 

مريم ابراهيم (24 عاماً)، من حماه. ربّة منزل وأم لثلاثة أطفال. اضطرتها الأحداث الأمنية للرحيل من منزلها، وهي الآن نازحة مع عائلتها في ريف إدلب.