طلاقي كان أول قضية في حياتي

"اليوم كبرت تالا واحمد، أصبحا في الجامعة. هي تدرس في كلية الصيدلة وهو يدرس في كلية الطب. وانا عدت إلى مهنتي في المحاماة"

حضرت إلى محكمة الأحوال الشخصية، كموكلة عن نفسها. تلك كانت قضيتها الأولى، وقفت امام االقاضي في جلسة استماع مع طليقها بعد انقضاء شهر على تقديم معاملة الطلاق، وقد تمسكت بقرار التفريق.
روت لي عنود قصتها مستعينة بتلك الجلسة كمحطة غيّرت مسار حياتها. بدا الإصرار في عينيها وهي تتحدث عن ذاك النهار. قالت لي: “في تلك اللحظة راودني قسمي الذي أديته أمام لجنة المحامين، أن أرد المظالم لأهلها. وكيف لي ذلك وأنا المرأة والانسانة والأم المعنفة. أنا وصغيريّ التوأمين أحمد وتالا”.
وأضافت: “زوجي وطيلة فترة زواجنا كان ينهال عليّ وعلى أولادي بالضرب المبرح دون رحمة. حينها حسمت أمري ولم اتراجع عن قرار الانفصال. أردت ترتيب حياتي من جديد بعيداً عن كل ذالك الألم والذل وهتك الكرامة. كنت ضحية ظلم الأب، وصمت الأم. لكنني لن أرضى أن يعيش اولادي ماعشته أنا.
واضحت عنود: “زوجي لم يقف يوماً إلى جانبي وأنا أحقق نجاحات عبرتُ دروبها بتعب وجهد حثيثين. كانت تنهال اهاناته عليّ كالصاعقة، وهو يمنعني من العودة الى مهنتي في المحاماة. كان يعمل موظفاً في البريد نهاراً، وفي المساء يعود للمنزل مترنحاً من تعاطيه الكحول”.
عنود دخلت العقد الخامس من عمرها، من قرية الحسينية التابعة لتل حميس، جنوب شرق مدينة القامشلي. هي الابنة الصغرى ـ عرفت مع أختيها حياة تعيسة في مجتمع تحكمه العشيرة وعادات وتقاليد بالية تحكم قبضتها على عنق المرأة. أختاها تزوجتا في سن الطفولة وأنجبتا في سن الـ 14.
تقول عنود: “والدي منعني من اتمام دراستي الاعدادية بحجة مرض والدتي، يكفي أنني تعلمتُ القراءة والكتابة حسب مفهومه، غادرتُ مقاعد الدراسة في الصف الثامن، لكن كتبي وأقلامي ودفاتري لم تغادر مخيلتي. كنت مصممة على إتمام دراستي يوماً ما”.
وتتذكر عنود ما كان والدها كعادته يردد كلما طلبت منه راجية العودة إلى المدرسة: “الزواج والبيت والاطفال هم مستقبل البنت، الامر لا يستحق عناء الدراسة”.
وتكمل عنود قصتها رواية فصوب حياتها من دون مقاطعة مني. اردتها أن تقول كل شيء وكنت أستمع.
“انحصرت حياتي وقتها بين الاعمال المنزلية وترتيب البيت، لكني وسعت رقعة حياتي من خلال قضاء بعض الوقت عند خياطة القرية جارتي العزيزة سهيلة، كنت اختلس ساعتين في اليوم لاتعلم منها مهنة الخياطة، وامتهنتها بعد وفاة والدي بمرض السرطان، لتكون مصدر رزق لي ولوالدتي.
والدي وافته المنية وأنا في سن الـ 16 عاماً. بعد مرور سنة على وفاته عزمت على دخول امتحانات الكفاءة ودراستي للمنهاج في البيت، بعد تنظيم وقتي بين الدراسة والخياطة. ونجحت في نيل شهادة الكفاءة والانتقال الى تقديم الثالث الثانوي بعدها بـ 3 سنوات، كنت أجهد في الدراسة والعمل.
كنت أسعى جاهدة لنيل علامات تؤهلني دخول كلية الحقوق، الحلم الذي راودني طيلة تلك السنوات. وتحقق ما رغبت به ونلت الشهادة الثانوية، والعلامة التي أهلتني دخول كلية الحقوق. اضطررت ان أستقر في العاصمة دمشق لأتمكن الحصول على دخل من عملي في إحدى ورش الخياطة.
انتقلت للعيش مع والدتي واستأجرت منزلاً في منطقة الرز. وبدأت بتنظيم حياتي الدراسية والعملية التي أخرتني عن التخرج لسنتين. بعد ست سنوات تخرجت وانتقلت للتمرين عند محام في دمشق لشهرين.
اضطررت للعودة إلى مدينة القامشلي بعد وفاة والدتي وانتقلت للعيش مع عائلة اختي الأرملة، والتمرين عند محام في المدينة التي شهدت على حلوي ومري. خلال تلك المدة تعرفت على طليقي الذي جمعتني به علاقة حب دامت لسنتين، وبسبب محبتي له لم أكن اكترث كثيرا لتصرفاته القاسية بعض الشيء معي.
تزوجنا بعد أن انهيت فترة تمريني وانتقالي من محامية تحت التمرين الى استاذة. لكن زوجي اشترط علي ان أترك المحاماة ورضخت لطلبه، بسبب محبتي له. لكنه بدأ يتغير للاسوأ، وزادت معاناتي ومأساتي. قضيتُ أياماً صعبة أنهكت قواي، وأنا اتأمل أن يتغير يوماً ما.
بعد أن أنجبت طفليّ التوأم أحمد وتالا، أصبح زوجي أكثر قسوة، ونال التوأم حصتهما من الضرب والشتم. في كل ليلة كان يعود فيها والدهماالى البيت ورائحة الكحول تفوح منه، وألفاظه كانت رائحتها كريهة اكثر من رائحة الخمور المنبعثة من فمه، وهو يصرخ شاتماً عائلتي.
كان يشدني من شعري كلما حاولت احتضان طفلي المرعوبين من المشهد اليومي المتكرر في حياتهما، وهما لم يكملا الرابعة من عمرهما. لم يسلما من الضرب رغم صغرهما. وذات مرة أغمي على تالا حين صفعها صفعة قوية افقدتها الوعي. ظننت أني فقدتها إلى الأبد، ومن خوفي ان افقد احدهما عزمت امري وتمردت على الواقع.
بعد طلاقي حكم القاضي لي بحضانة الاطفال. بدأت حياة جديدة رسمت تفاصيلها بيدي. أستأجرت بيتاً وأدخلت طفليّ الى روضة الاطفال. وعشت معهم مرحلة تفوقهم في الابتدائية والاعدادية والثانوية.
اليوم كبرت تالا واحمد، أصبحا في الجامعة. هي تدرس في كلية الصيدلة وهو يدرس في كلية الطب. وانا عدت إلى مهنتي في المحاماة. أعمل جاهدة على تأمين ثمن عيادة وصيدلية لطفليّ بعد تخرجهما، فبعد تمردي سارت سفني كما تشتهي رياح إرادتي لترسو على مرافىء مستقبل زاهر لولديّ.
لامار اركندي (43 عاماً) من القامشلي حاصلة على الإجازة في الإعلام.