سرقة الدراجات النارية تكتسح ريف إدلب

الدراجات النارية هدف اللصوص المفضل تصوير ماهر العمر

الدراجات النارية هدف اللصوص المفضل تصوير ماهر العمر

يضطر المؤذن أبو صبحي (45 عاماً) للذهاب إلى المسجد الذي يبعد عن بيته قرابة الكيلو متر مشيا على قدميه، بعد أن سرقت دراجته النارية التي كانت تعينه بشكل كبير في أداء وظيفته. يقول أبو صبحي “لقد وصلت الجرأة بضعاف النفوس أن يسرقوا حتى من المساجد ودون أي رادع ديني او اخلاقي”.

أبو صبحي واحد من مئات الأشخاص الذين سرقت دراجاتهم النارية، التي كانت تعينهم على قضاء حوائجهم اليومية في وقت شبه انعدمت فيه سيارات الاجرة بسبب غلاء الوقود. ولهذا استعان معظم السوريين في ريف ادلب بالدراجات النارية الأخف حركة والأقل تكلفة. ولكنها أصبحت مؤخراً عرضة للسرقة وبشتى الوسائل، نتيجة عدم الاستقرار الأمني. لاسيما المناطق التي تخلو من مخافر الشرطة الحرة كمدينة كفرنبل.

يقول أبو صبحي متحدثا عن اليوم الذي سرقت فيه دراجته “بعد أن انتهيت من رفع أذان الظهر والصلاة، خرجت كعادتي لأركب دراجتي عائداً إلى المنزل، ولكنني لم أرَ من دراجتي إلّا بقايا قفل مكسور ومرمي جانباً”.

حاول أبو صبحي أن يقدم شكوى إلى المعنيين في كفرنبل عن حفظ الأمن لكن دون جدوى، إذ لم يتم استعادة دراجته مع العلم إنها سرقت منذ أبريل 2016. فقر أبو صبحي حال دون أن يتمكن من شراء دراجة جديدة تعينه على التنقل من مكان لآخر، ذلك أن سعرها الذي يقدر بنحو 400 دولار أميركي كحد أدنى ليس بالسعر القليل بالنسبة لرجل يعاني سوء الحالة المادية كأبي صبحي.

لم يكن أبو خالد (65 عاماً) بأفضل حظ من أبي صبحي، فقد سرقت دراجته هو الآخر وذلك بينما كان برفقة زوجته العجوز متجهين إلى الغابة القريبة من مدينتهم. كانا بصدد التحطيب من أجل الاستعانة بالحطب على التدفئة مع قدوم فصل الشتاء، و “لكن اللص كان هذه المرة يملك من الجراة والوقاحة مايفوق التصور” على حد وصف ابو خالد الذي لم يكد يبتعد عن دراجته سوى أمتار قليلة حتى قام اللص وبسرعة كبيرة بالقفز على الدراجة وكسر قفلها وتشغيلها بثوان. مما يدل على خبرته الطويلة في سرقة الدراجات، ثم ما لبث أن أسرع مبتعدا عن أبي خالد الذي راح ينظر بذهول واستغراب. يقول أبو خالد: “لم أكن لأتوقع أن تسرق دراجتي من أمام عيني وبكل هذه البساطة”. ويتابع موضحاً أن اللص استغل كبر سنه وعجزه عن اللحاق به ليقوم بفعلته، كما أنه استغل أيضا خلو المكان. إن أكثر ماحز في نفس أبو خالد من هذه القصة كلها، هو قيام الشخص الآخر الذي كان برفقة اللص وصعد خلفه على الدراجة بالالتفات إلى أبي خالد ملوحاً له وقائلاً “الوداع الوداع” وكأنه يريد أن يفهم أبو خالد أنه من المستحيل استعادتها.

أبو خالد ولأنه فهم ما كان يرمي له اللص الآخر لم يتقدم بأي شكوى لأحد إلاّ لله، يقيناً منه أن شكواه للشرطة لن تجدي نفعاً، كما أنها لن تجد آذاناً صاغية أو نية صادقة لمحاولة استعادتها، لأنه لم يسمع حتى اليوم بعودة دراجة إلى أصحابها بعد أن تمت سرقتها.

قصة سرقة دراجة أبو خالد من مكان متطرف ويخلو من الأشخاص، لا تشبه قصة الشاب علاء (25 عاماً) الذي سرقت دراجته وسط سوق الخضار في معرة النعمان حيث الازدحام الشديد والشوارع الممتلئة بالناس والسيارات والدراجات النارية المختلفة، يقول علاء “لم تكن سوى لحظات حين غادرت دراجتي متجهاً لإلى أحد المحلات القريبة لشراء بعض الخضراوات، ألتفت فجأة لأراها قد اختفت”. حاول علاء البحث عن دراجته بين جموع الناس المتواجدين، وراح يسأل عنها المارة ويتفقدها بين الدراجات التي كانت متواجدة دون فائدة. “نعم لقد سرقت وبكل بساطة” يقول علاء ويضيف متأثرا بأنه لن يستطيع بسهولة شراء دراجة أخرى وخاصة وأنه يعاني الفقر والبطالة، في ظل ما تشهده البلاد من حرب ودمار وغلاء. ويؤكد أنه قدم شكوى عن سرقة دراجته ولكنه لم يأمل منها الكثير. خاصة وأن الشرطة نادراً ما تستطيع ضبط اللصوص وإعادة المسروقات لأصحابها.

وحول هذا الموضوع يتحدث أبو محمد (41 عاماً) أحد أعضاء المجلس الاستشاري في قيادة شرطة إدلب الحرة قائلاً “نحن كمراكز للشرطة الحرة في إدلب وريفها نقوم بمضاعفة جهودنا لإلقاء القبض على لصوص الدراجات النارية، وذلك عن طريق تكثيف الدوريات الليلية”. ولكن الذي يحدث أن السرقات تكثر في النهار، وعند تكثيف الدوريات في النهار تكثر السرقات في الليل، ويشير أبو محمد أن ليس باستطاعتهم تكثيف الدوريات الليلية والنهارية معاً لعدم وجود العناصر الكافية، ومع ذلك فهو يؤكد أن مراكز الشرطة الحرة الموزعة في منطقة إدلب قامت بإلقاء القبض على عدة عصابات كانت تقوم بسرقة الدراجات النارية، وتم ضبط المسروقات وإعادتها إلى أصحابها.

غير أن جهاز الشرطة الحرة يشكو العديد من المعوقات والمشاكل ومنها بحسب أبي محمد “عدم تعاون بعض الفصائل مع مراكزنا، ومع الأسف الشديد جدا ن هنالك متورطين بهذه السرقات يكونون منتمين إلى بعض هذه الفصائل، وهذا مايعيق عملنا عند استدعاء هؤلاء الذين يحتمون بفصائلهم”. ويتابع سواء كان الفصيل العسكري المعني راض أم غير راض عن هذا الأمر، فليس هنالك تنظيم وتنسيق بين الشرطة وهذا الفصيل يلزمه بتسليم الشخص السارق. العائق الثاني بحسب أبو محمد هو قيام اللصوص بفرط الدراجات إلى قطع وبيعها مما يصعّب التعرف عليها، أيضا ممكن أن يقوموا ببيع الدراجات المسروقة في المحافظات الشرقية البعيدة ،كحلب أو الرقة أو دير الزور وهنا لا يمكن استعادتها. بينما إن بيعت ضمن محافظة إدلب فيتم استعادتها “حتى لو سرقت من ترملا أو معرة حرمة مثلا وبيعت في الدير الشرقي أو مخيمات أطمة، وذلك عبر التواصل بين مراكزنا المنتشرة في معظم أرجاء المحافظة “. ويتطرق أبو محمد لمشكلة جوهرية وهي أن ثمة مناطق مركزية وحيوية وهامة، ومع ذلك تم إيقاف عمل مراكز الشرطة الحرة فيها من قبل تنظيم جبهة النصرة ولأسباب “ليست مقنعة على الإطلاق”. ومن هذه المناطق كفرسجنة، خان شيخون، كفرنبل، سرمين وسراقب، ويعتقد أبو محمد أن إعادة هذه المراكز للعمل سيساهم إلى حد كبير في التقليل من سرقة الدراجات.

الشرطة الحرة لاتتدخل بالأحكام التي تصدر بحق السارقين لأن ذلك من مهمة المحاكم الشرعية التابعة للهيئة الإسلامية في المنطقة، وذلك بعد أن تقدم لها الشرطة ضبطا نظاميا يحتوي على اعتراف السارق والضحية والشهود.

لا يوجد إحصائيات دقيقة لهذه السرقات، والسبب أن الكثيرين ممن تسرق دراجاتهم لا يقدمون شكوى لمراكز الشرطة. ويقول أبو محمد “هناك أكثر من 25 حالة إلقاء قبض على سارقي دراجات، وأصحابها لا يكونوا قد قدموا شكوى أو بلاغ عنها، مما يضطرنا أن نقوم بالبحث عنهم وتسليمهم دراجاتهم”. ومع ذلك فإن أبو محمد يعطي إحصائية تقريبية بأن هنالك 30 مركز شرطة موزعة في منطقة إدلب، تسجل كل منها بين 15و25 حالة سرقة دراجات نارية بشكل شهري.

ويختتم أبو محمد حديثه بخطط الشرطة الحرة المستقبلية للحد من هذه الظاهرة وهي “زيادة عدد العناصر لتكثيف الدوريات، كما أننا بصدد إنشاء مراكز أمن جنائي في كل من معرة النعمان ومنطقة حزانو ليتم من خلالها وضع كمائن للصوص عن طريق عناصرنا المنتشرين باللباس المدني حتى نتمكن من إلقاء القبض عليهم، وإعادة المسروقات بما يعيد الأمل للكثيرين من الفقراء البائسين”.