خطوة قدم واحدة تقود إلى النجاح في القامشلي

محمد عثمان خلال تأدية عمله كمدير للثانوية تصوير شفان ابراهيم

محمد عثمان خلال تأدية عمله كمدير للثانوية تصوير شفان ابراهيم

يذكر محمد عثمان كيف كان يندب حظه يومياً. حين يرى أصدقاءه وأبناء جيله يركضون ويلهون، أو يرعون الأغنام في قراهم النائية، فيما كان يكتفي بالمشاهدة والمتابعة عن بعُد.

لم يكن الجميع على علم بسبب اعتكاف الطفل محمد عثمان في المنزل، البعض كان يظن أن الأمر يتعلق بالإدراك العقلي أو النفسي. تبين هؤلاء السبب حين بدأ محمد رحلته الدراسية في قرية المصطفاوية في ريف كركي لكي في منطقة آليان التابعة لمحافظة الحسكة. يعاني محمد ومنذ ولادته من شلل كامل في قدمه اليمنى. هذه القدم التي حرمته من ممارسة هواياته كباقي رفاقه في لعب كرة القدم أو سواها من الألعاب والمهام.

عانى المجتمع الريفي في المناطق الكردية من غُبن شديد. فمن ندرة النقاط الطبية إلى انتشار الفقر والجهل الممنهج، إلى حرمان الغالبية من الثقافة الطبية وعدم تمكنهم من مراجعة الأطباء خارج المحافظة، بسبب العوز وعدم حصولهم على حقوق المواطنة وهوية سورية، ما يُحرمهم من النوم في الفنادق أو دخول المشافي الحكومية.

معاناة محمد عثمان دفعته إلى تكريس وقته واهتمامه تحصيله العلمي حتى وصل إلى مُراده. محمد عثمان فتح قلبه لـ”حكايات سوريا” وقال: أبصرت النور سنة 1972 ولم أكن أعلم أي قدر مشؤوم أسود ينتظرني. منذ أن بدأت بالحبو لاحظ أهلي أن قدمي اليمنى تُعاني من ضعف، تطور الأمر مع بلوغي فترة المشي وكانت الكارثة واضحة حين أسر أحد الأطباء لعائلتي أنني أعاني من ضُعف في المشي وربما تكون إعاقة دائمة، ما لم تتم المعالجة في مشافي دمشق. لكن ضعف المادة (الفقر) والوضع العام السيء كانا كفيلين بالحفاظ على الإعاقة”.

عثمان قرر أن يتحدى الإعاقة ويصل إلى مقاعد الدراسة الجامعية وكان له ما أراد. يحمل دبلوم تأهيل التربوي من كلية التربية، بعد أن حصل على إجازة في التربية قسم علم النفس بمعدل جيد. الأمر الذي خوله الانتقال إلى مرحلة الدراسات العليا (الماستر) لكن ضعف الإمكانيات المادية حال دون إتمام دراسته. محمد عثمان يشغل اليوم منصب مدير ثانوية عربستان إحدى أكبر المدارس في منطقة القامشلي وريفها.

يصف محمد عثمان أيام دراسته الجامعية فيقول: “كُنت أضطر للعمل يومي الجمعة والسبت والأحد في الخياطة، ولمدة 12 ساعة يومياً.  لأستطيع أن أحصل تكاليف دراستي وإعالة عائلتي أيضاً بسبب وفاة والدي، ولم يكن للعائلة من مُعيل سواي”.

أم محمد تصف إبنها فتقول: كان محمد مطيعاً ومؤدباً ويحب الآخرين كثيراً، كان يُعاني من تعليقات أصدقائه الساخرة من وضعه. أحببته أكثر من كل إخوته، لقد رفع رأسنا وتحدى العالم كله رغم ظروفه، وها هو اليوم يُدير أكبر ثانوية في وسط قامشلي، أنا مُطمئنة عليه هو كالسبعِ لا يستسلم”.

عمار سلمان موجه تربوي في ثانوية عربستان، يقول: “أتعجب من هذا الرجل، لا يكل ولا يمل ولا يتعب في خدمة الطلبة والمدرسة، يعمل أكثر من ثلاثة رجال رغم وضعه الصحي، قدمه اليمنى لا يستطيع الاستفادة منها أبداً، مع ذلك استطاع أن يُسجل رقماً قياسياً في الصمود والتغلب على وضعه الصعب”.

من جهتها وداد علي ولية أمر أحد الطلبة تقول: “كانت الثانوية مشهورة بالتسيب وهروب التلاميذ وعدم الالتزام، ومنذ استلام الأستاذ محمد تغيرت الأمور كثيراً، أصبح الطلاب يلتزمون حتى نهاية الدوام، وتغيرت العملية التربوية في المدرسة والصف. استطاع ابني بفضل الكادر التدريسي الإداري بقيادة الأستاذ محمد من الحصول على مُعدل مرتفع خوله الدخول إلى كلية الصيدلة”.

تعبّر أم علي زوجة محمد عثمان، عن فخرها بزوجها وتقول: “هو يُحبني كثيراً وهو مخلص وزوج ناجح وأب مثالي. لا يضر أن كان زوجي يعاني من نقص في قدمه، المهم أنه يحمل فكراً إنسانياً وحناناً لا استطيع العيش بدونه. كم أشعر بالسعادة حين أجد أصدقاءه وأولياء أمور الطلاب وهم يمدحون به، هو حقاً زوجي الذي كُنت أبحث عنه”.

كثيرون كمحمد عثمان عانوا من الإعاقة، لكن قلة منهم تحدوا المجتمع، وكثيرون آخرون ألزمهم أولياء أمورهم البقاء في المنزل بحجة الخجل أو ماشابه. لكن تبقى الإرادة القوية والرغبة في تحدي المصاعب هي العنوان الأبرز لكل من يرغب في البقاء في هذا العالم.