خالد وسماهر… قصة لم تكتمل!

سيدة تمشي في حي سيف الدولة _ حسام كويفاتية

سيدة تمشي في حي سيف الدولة _ حسام كويفاتية

"قالَ لها: "لن أتأخّر عليكِ، يوم الثلاثاء سأعود وسيكون زفافنا يوم الخميس كما سبق وقرّرنا."

هلا العبدالله

ذهبتُ برفقة زوجي لزيارة عائلة أخيه، فجلسنا نشربُ القهوة معاً. وهناك، دارَ حديثٌ على انفراد مع سلفتي، التي قالت أنَّ قريبها يبحثُ عن عروسٍ للزواج، واقترحت أن تُخبرهُ عن ابنتي سماهر.

انتقلَ الحديث إلى الحضور، فسألتُ زوجي إن كان يوافق على تزويج سماهر التي كان عمرها 17 عاماً، والتي لم تكمل دراستها بسبب ظروف الحرب. لم يعارض زوجي الأمر، وطلبَ أن يأتي العريس برفقة أهله كي نتعرف عليهم.

وفعلاً، بعد مرور يومين اتصلت سلفتي بي، وأخبرتني عن موعد قدوم العريس وأهله. في يوم قدومهم، قامت ابنتي سماهر بتنظيف المنزل وترتيبه تحضيراً لاستقبال الضيوف… فهي كبقية الفتيات تحب أن تتزوَّج وتؤسِّس عائلة. وفي المساء، جاء العريس وأهله، وحضرَ أُهل زوجي… جلسوا وأحضرتْ لهم ابنتي الضيافة، وجلستْ معنا.

وبعد حديثٍ دارَ بين زوجي وبين العريس وأهله، سألهم عن عمل العريس واسمهُ خالد، فعرفنا أنه قائد عسكري في الجيش الحر وبأنَّ أوضاعهُ المادية جيدة ولديه منزل، وهم من قرية قلعة المضيق التي لا تبعد كثيراً عن قريتنا.

وافقنا على العريس، وكُتِبَ النصيب لخالد وسماهر أن يكونا لبعضهما. وتمّتْ الخطوبة…

كنتُ قد فرحتُ كثيراً لارتباط ابنتي، وبأنها ستحيا حياةً أفضل من حياتنا… فهي تطمح لأن تشتري ما يحلو لها، لكنّ أوضاعنا لم تكن تسمح بذلك لأننا فقراء…

كان خالد خطيبُ ابنتي، صاحب رتبة كبيرة في الجيش الحر وأعماله القتالية كانت مشرّفة… وصحيح أنهُ كان يزيد ابنتي بـ 14 عاماً، لكنهُ حسن الخُلق، ولديه خصال حميدة، ما أدّى لتعلُّق ابنتي به بشكلٍ كثير.

كانت سماهر تتصل بخطيبها دوماً، ويتحدثان عن حياتهما المستقبلية. وكان يتردّد إلى زيارتنا دائماً، فقد تعلّق بسماهر أيضاً وأحبّها، وكنتُ فرحة لذلك كثيراً. كنّا نجلس مع خالد في منزلنا لساعاتٍ طويلة، ولم نشعر بأنهُ غريب عنّا، فقد كنتُ أشعرُ أنهُ أحد أبنائي.

في كل مرة يخرجُ فيها إلى القتال، كانت سماهر تبكي كثيراً، خوفاً عليه. كنتُ أُحاول أن أُخفّف عنها، وأُذكّرها بأنَّ الكثير من الشباب يفعلون ما يفعلهُ من أجل حمايتنا وتحريرنا من نظام الأسد. وبقيَ كل شيء يسير على ما يُرام…

بعدَ فترة، حدَّدَ أهلُ خالد موعد زفاف ابنهم على جميلتي سماهر… كان الزفاف سيتم في فصل الربيع. بدأت سماهر بتحضير نفسها للزفاف، واشترت ما يلزمها من ملابس وغيرها… كانت فرحة للغاية، فقد أحبت خالد كثيراً، رغمَّ أنَّ فترة الخطوبة كانت قصيرة.

في يوم، وبينما كنتُ أنا وسماهر وأخواتها نرتّب أغرضها، اتصل بها خالد وأخبرها أنهُ سيخرج للقتال في ريف حلب لمدّة يومين… وقالَ لها: “لن أتأخّر عليكِ، يوم الثلاثاء سأعود وسيكون زفافنا يوم الخميس كما سبق وقرّرنا”.

عارضت سماهر خروجه، وبَكَت كثيراً…

قال لها: “سامحيني يا عزيزتي، لا أستطيع أن أتأخّر أكثر عن واجبي بالقتال”.

صارت تقولُ لي سماهر: “أرجوكِ يا أُمي، اتصلي به واقنعيه بعدم الخروج إلى القتال”!

صرتُ أُهدئها، وأقول لها أنهُ سيعود بخير، وبأنها لا يمكن أن تمنعه من الخروج فهي تعلم أنهُ مقاتل، وبأنَّ منعه لا يجدي سواء الآن أو بعد الزواج… خاصة وأنّ عمله بطولي ويفيد الوطن. كلامي جعلها تهدأ قليلاً، وعادت لترتيب أغراضها ثانيةً…

في اليوم التالي، جاءت أم خالد لزيارتنا لتطّلع على ترتيبات حفل الزفاف… وقالت لسماهر: “ما هي إلا أيام وتصبحين زوجة ابني”. ضحكت سماهر خجلاً، وبعد انصراف أُم خالد، انصرفنا للعشاء…

جاء المساء وجاء معه كل الحزن… اتصل أحد أقرباء خالد بزوجي وأخبره بأنّ خالد استشهد أثناء القتال، حيثُ تعرّض للقنص، وهوى أرضاً….

سكتَ زوجي ولم يعرف ماذا يقول، ثمّ بدأ بالبكاء… كنتُ بجانبه، فقلتُ له: “ما بك؟ إنها المرة الأولى التي أراكَ فيها تبكي”.

أجابني: “لقد استشهد خالد في حلب”.

ماذا أقول لسماهر التي هيأت نفسها للزواج من خالد… خالد الذي أحبتهُ! ذهبتُ إلى غرفتها، فقلتُ لها: “سماهر ماذا تفعلين؟”

قالتْ: “أُحاولُ الاتصال بخالد، لكنّ هاتفه خارج التغطية”.

بكيتُ حينها واحتضنتُها بقوّة، قلتُ لها: “ابنتي لا تحزني”!

أبعدتني عنها وقالت: “أُمي ما بكِ، هل حصل مكروه لخالد؟!”

سكتُ ولم أُجب…

ركضت باتجاه والدها وهي تسأل: “أبي ماذا حصل لخالد؟”

أخبرها والدها بالنبأ المُحزن، فسقطت سماهر أرضاً، وهي تبكي وتقول: “لقد ودّعتهُ وكنتُ أشعر بأنهُ الوداع الأخير… لِمَ حصلَ ذلك؟!”

قالَ زوجي: “سنذهب أنا ووالدتك لزيارة أهله، هل تودّين الذهاب معنا؟”

قالت سماهر: “وهل يُعقَل أن يدفنوه دون أن أراه؟!”

دخلنا إلى منزل عائلة خالد، فاحتضنت والدتهُ سماهر وبكيتا معاً.

صارت تقول أم خالد: “هل سيأتي العريس يا سماهر؟”

كانت تُجيبها ابنتي: “نعم سيأتي ويفي بوعده”.

وتبكيان…

بين ضجيج الصراخ والبكاء، أحضروا الشهيد ووضعوه في وسط الغرفة… ألقت عائلتهُ النظرة الأخيرة عليه، لكنّ سماهر نظرت من بعيد، فهي لم ترد أن تراه في حالة لم تعهدهُ بها. احتضنتني بشدة وبكينا…

أخذوا خالد ودفنوه، عريساً في فصل الربيع… ربيعُ ذلك العام كان لونهُ مختلف، مختلط بالدماء… بمرارة قصة لم تكتمل، قصة خالد وسماهر.

هلا العبدالله (48 عاماً)، متزوجة ولديها سبعة أولاد. من قرية حزارين في جبل الزاوية، وتُقيمُ حالياً في معرّة حرمة.