حيش تتلف نفاياتها الطبية حرقاً

محرقة النفايات الطبية في حيش

محرقة النفايات الطبية في حيش

“شيء مقرف ما كنتُ أراهُ في حاوية النفايات التابعة للمركز الصحي… كانت أدوات الجراحة تملأ المكان. يعبث بها الأطفال والقطط والكلاب!”. هكذا وصف عدي السلوم (29 عاماً) صاحب سوبر ماركت بالقرب من المركز الصحي في بلدة حيش، عن الواقع الذي كانت تعيشهُ البلدة.

لكنّ هذا الواقع أصبح مختلفاً اليوم. النفايات الطبية باتت تذهب إلى المعمل لتلفها. وذلك بعدما عمدت منظمة ريليف إنترناشونال في 28 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، إلى بناء محرقة لمخلفات الأدوية الطبية في بلدة حيش. بالتعاون مع المجلس المحلي والمشفى الصحي في البلدة.

يهدف المشروع بالدرجة الأولى، إلى الحفاظ على سلامة المدنيين وخاصة الأطفال، من خلال تجنيبهم مخاطر العبث بالأدوية الطبية التالفة. ويقوم المشروع على التخلص من المخلفات الطبية، مثل الشاش والحقن والأدوية المنتهية الصلاحية، الناتجة عن المشافي والمستوصفات والعيادات الطبية، ومن ثمّ حرقها.

ويقول مدير المركز الصحي في بلدة حيش عبد الباسط الكرنازي (43 عاماً)، لـ حكايات سوريا: “كنّا نواجه صعوبة في التخلّص من المخلفات الطبية. خصوصاً تلك التي تتضمّن مواداً ضارة بصحة المواطنين. ولا سيّما المشارط والأمواس الملوّثة التي يمكن أن تنقل الفيروسات من خلال جرح الجسم أو وخزه بها. كل هذا دفعنا إلى الطلب من منظمة ريليف انترناشونال، لضرورة حل المشكلة. فاستجابت لطلبنا، وأرسلت متعهداً للمشروع، وبتنا اليوم نمتلك محرقة لتلف المخلفات الطبية”.

محمود الإبراهيم (37 عاماً) عضو المجلس المحلي في بلدة حيش، يقول: “وقَّعَ المجلس مذكرة تفاهم مع ريليف انترناشونال، لتقديم الأرض التي بُنيت عليها المحرقة. وبنَت المنظمة المحرقة وفق مواصفات المحارق الطبية المعتمدة عالمياً”.

ويؤكّد الإبراهيم أنَّ بناء محرقة نفايات أمر ضروري جداً. خصوصاً بسبب الحالة العشوائية التي تعيشُها المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وفي ظل غياب قطاع النظافة بشكل شبه كامل.

على مساحة 49 م2 وبخبرات محلية ومواصفات عالمية، أنجزت منظمة ريليف المشروع. رغم الظروف الصعبة التي تعيشها المناطق المحررة، ورغم حالة الحرمان التي فرضها نظام حزب البعث الحاكم على تلك المناطق.

متعهد المشروع فضّل عدم الكشف عن اسمه، روى كيف تمّ الإتفاق على أن تكون المحرقة بجانب المركز الصحي. لكن بسبب واقع الأرض وقساوة الصخر فيها، تمّ تغيير المكان بعد استشارة المجلس المحلي. ويقول المتعهد: “اخترنا مكاناً يُحقق شروط الأمان والسلامة بعيداً عن التجمعات السكنية. وباشرنا العمل في 18 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، وانتهى العمل خلال عشرة أيام”.

المشروع عبارة عن محرقة تتألف من:

– كتلة الحرّاق، ويتم بناؤها على مسطح إسمنتي مساحته ٤ م٢. والحرّاق مصنوع من القرميد الناري ومواد بناء أخرى مقاومة للحرارة.

ويحتوي الحرّاق على باب علوي مُحكم الإغلاق، لإدخال النفايات الطبية وحرقها، وباب سفلي لإخراج الرماد الناتج عن عملية الإحتراق، ومدخنة ارتفاعها ٤ أمتار مزوّدة في نهايتها بغطاء من الحديد لحمايتها من الأمطار.

– حفرة الرماد، وهي عبارة عن غرفة مبنية تحت الأرض من القرميد، مساحتها ١٢ م٢،  ولها فتحة في وسطها، مزوّدة بباب من الحديد لرمي الرماد فيها.

– الحفرة البيولوجية، ولها ذات مواصفات حفرة الرماد، وأنبوب تهوئة مضاف إليه نهاية حرف T. وتُستخدم الحفرة كحاوية لمواد مشيمة الولادة، بالإضافة للأنسجة العضوية الناجمة عن مخلفات العمل الجراحي كالمرارة وغيرها.

– شمسية مصنوعة من الحديد، مساحتها ١٦ م٢. مثبّتة بأربعة قواعد معدنية مغروسة في الأرض على عمق متر. والشمسية مركّبة فوق كتلة الحرّاق، لحمايته من العوامل الجوية.

– كما تتألف المحرقة من سياج من الحديد بارتفاع مترين، لحمايتها، وباب من الحديد للدخول والخروج من المحرقة.

ويختتم المتعهد بالقول: “تمَّ تجريب عمل المحرقة بحضور كادر المركز الصحي المسؤول عن الحرق، وحصلنا على موافقة الكادر بما يخص المعدّات التي قمنا بتركيبها”.

أخصائي الهندسة الزراعية والخبير البيئي عباس فارس (56 عاماً)، يقول: “تعتبر النفايات الطبيّة مصدراً لنقل الأمراض المُعدية التي تُسبّب حالات مرضيّة مختلفة. لذا هناك طرق عديدة للتخلص منها، كالدفن تحت الأرض والحرق ضمن محارق خاصة”.

ويُضيف فارس: “الأضرار المترتّبة على دفن النفايات هي أضرار بيئية، تنعكس سلباً على تلوّث المياه الجوفية والتربة والغطاء النباتي والأحياء المائية. أمّا أضرار حرق النفايات متمثّلة في تلوّث الهواء والغطاء الغابوني من خلال انبعاث أدخنة وغازات ضارّة بالصحّة… وأبرز تلك الغازات، الدايوكسين المسرطن ومركبات الكادميوم السامة”. ويؤكّد فارس أنَّ هذه الطرق، تبقى أفضل من ترك النفايات دون معالجة.

أهالي بلدة حيش وجدوا في المشروع خطوة متقدمة لحمايةً أطفالهم من النفايات الطبية الخطرة. أبو علي (39 عاماً)، يقول: “كثيراً ما نرى أطفالنا يحملون بأيديهم مشرطاً أو إبرة مستعملة، أثناء عودتهم من اللعب… وهذا أمر خطير جداً، فالطفل لا يعرف مدى خطورة الأمر، وخاصة أنّ كثيراً منهم يضعون تلك الأدوات في الفم، ما يعرّضهم للخطر”.

باتت حيش اليوم تحرق المخلفات الطبية، ولو كانت غازات احتراقها خطرة… لكنّ ذلك الخطر يبقى ألف رحمة أمام خطورة انتقال المرض، في ظل حربٍ، تكثر فيها العمليات الجراحية وينزفُ فيها دمُ الناس، في دوّامة القتل والموت. ليبقى دور الأهل والجمعيات، في توعية الأطفال وتنبيههم من اللعب بالأدوات الطبية.