التين المجفف فخر الصناعة الإدلبية

تجار التين يعرضون بعض محصولهم للبيع تصوير محمود العبي

تجار التين يعرضون بعض محصولهم للبيع تصوير محمود العبي

تشتهر بلاد الشام منذ القدم بزراعة التين، ويعتبر من أهم المواسم الزراعية في سوريا، ويتميز تين محافظة إدلب بأنواعه المختلفة ومذاقه اللذيذ ولونه الجميل. في السنوات الأخيرة ورغم الحرب، توسعت زراعة التين دون سواها، لأنها شجرة سريعة الإنتاج، وموسمها هو الأفضل نظراً لانخفاض تكاليف زراعتها وسهولة قطافها ومردودها الكبير.

وفقاً لآخر إحصائيات يقدر عدد أشجار التين المزروعة في المحافظة بحوالي 850 ألف شجرة، تتوزع على مساحة تبلغ ما يقارب الأربعة آلاف هكتار، ويصل انتاجها حوالي 250 ألف طن.

الحاج أبو خالد (65 عاماً) يتحدث عن مواسم التين وزراعته ويقول: “المزارعون قسمان، قسم يخيم كل فترة القطاف في بستانه لينطره (وهو تعبير يقصد به ينتظره ولكنه الأكثر استخداما بالنسبة للمزارعين ومنه استمدت تسمية الناطور)؛ خوفاً من سرقة الثمار، وقسم آخر يأتي صباح كل يوم إلى بساتين التين”.

وعن آلية قطف الثمار يقول أبو خالد: “أول ما نفعله هو هز وتحريك أغصان الشجر؛ لتتساقط على الأرض أقراص التين “اليابسة، وبعدها نقوم بجمع ما أمكننا من القطاف لنذهب للشجرة التي تليها. ولا يتم قطاف التين الأبيض إلا بعد أن يصبح تيناً جافاً يابساً. نجمع التين في سلل خاصة “القرطل”، ثم نقوم بنشره على مسطاح التين حتى يجف، والمسطاح عبارة عن مكان مرتفع موجود في معظم بساتين التين مؤلف من عدد من الحجارة المرصوفة بشكل منتظم، وغالباً ما يكون شكله دائري أو مربع، ومساحته تتجاوز الـمترين،  ويفرش فوقه التراب الأحمر. أو نقوم بنشره على أسطح المنازل؛ ليجف تماماً بعد تعرضه للشمس. وبعد الانتهاء من مرحلة التجفيف يصبح التين جاهزاً للبيع للتجار”.

وتعتبر تجارة التين من المهن القديمة التي يعمل بها أبناء محافظة إدلب، وتنتشر المحلات والمستودعات في شوارع المدن والقرى لهذا الغرض.

تاجر التين أبو أنس (55 عاماً)، وهو من ريف إدلب يقول: “أعمل بهذه المهنة منذ ما يقارب الـ 30 عاماً، فقد ورثتها عن والدي، وهي تؤمن لي ولعائلتي رزقاً وفيراً”. ويضيف: “خلال موسم القطاف يقوم المزارعون بطرح جزء من محصولهم كفاكهة خضراء في الأسواق؛ ليباع للناس الذين لا يملكون بساتين تين. ويتم تسويقه محلياً داخل أسواق المحافظة، ويُنقل الفائض منه إلى الأسواق السورية الأخرى، وحتى إلى أسواق الدول المجاورة مثل تركيا وحتى لبنان. يتم تجفيف القسم الأكبر منه تحت أشعة الشمس، ومن ثم تتم تعبئته في أكياس خاصة أو يتم ضمه في قلايد، وهذه الطريقة تعتبر تقليداً قديماً ابتكره المزارعون لإعطاء التين منظراً جميلاً، حيث تقوم النساء بضم ثمار التين بحبل أو بخيط رفيع بطريقة منتظمة”.

ويضيف أبو أنس: “أهم ما يميز سوق التين في السنوات الخمس الماضية عدم استقرار سعره لدخول تجار جدد على خط هذه التجارة؛ نتيجة نزوحهم من مناطقهم الأساسية واستقرارهم في محافظة إدلب، والمضاربات الكبيرة بين التجار، وارتباط سعر التين بسعر صرف الدولار، حيث أن معظم المزارعين يفضلون قبض ثمنه بالدولار. ونقوم بشراء التين المجفف عادةً عن طريق التجوال بين القرى والبلدات على المزارعين، وأحياناً نقوم بالشراء بطريقة المزاد. وهناك عدة أنواع من التين في محافظة إدلب لكل نوع خاصيته وسعره”.

محمد (45 عاماً) أحد تجار إدلب يلفت إلى “أن أجود أنواع التين وأفضلها هو الأبيض أو الزهرة، وسعر الكيلو منه 1250 ليرة، والأبيض المطبق الذي عادةً يُضمّ في القلايد، وسعره 1150 ليرة سورية للكيلو الواحد، والحيشي وهو نوع جيد، وسعر الكيلو منه يصل حتى 950 ليرة سورية، ويوجد أنواع أخرى تستعمل كوصفات طبية لبعض الأمراض وتؤكل طازجة ومنها الكرسعاوي، والسوادي، والحماري”.

أبو أحمد نازح من مدينة حماة، ويسكن في ريف إدلب يقول: “التين الإدلبي لذيذ النكهة، ولكن سعره مرتفع بشكل كبير جداً، ونتيجة للظروف الاقتصادية التي نعيشها نحن النازحون نبتعد عن شرائه وتموينه؛ فهو ليس بالشيء الأساسي مثل الخبز أو الأرز والبرغل، فمهما ارتفع سعره أو انخفض لا يهمني ولا يهم غالبية النازحين، فهو كمالي بالنسبة لنا وعلينا أن نؤمن أساسيات الحياة التي ترهق جيوبنا”.

بعد الانتهاء من موسم القطاف الشّاق والانتهاء من مرحلة التجفيف بشكل كامل يتم عرض الثمار على التجار أو ورشات التبييض، وتنتشر في المحافظة العديد منها، والتي تقوم أيضاً بالتغليف وخاصة في مدينة أريحا ومعرة النعمان.

أبو الخير (55 عاماً)، يدير إحدى ورشات التبييض في ريف إدلب يقول: “هناك مراحل عديدة نتّبعها في العمل حتى يصبح التين المُعلّب بشكله النهائي القابل للتصدير، حيث نقوم بتخزين وتعقيم التين في مستودعات خاصة محمية من الرطوبة والحشرات، ويبقى التين في هذه المستودعات حتى حلول فصل الشتاء لصعوبة معالجته في درجات الحرارة المرتفعة”.

ويتابع أبو الخير شرح عملية التبييض قائلا: “مرحلة التبييض نستعمل فيها أحواض الماء؛ مضافاً إليها مواد مبيّضة تزيل كل الشوائب وتظهر ثمرة التين بمظهر جميل جداً، وبعد هذه المرحلة يعرض التين في الهواء الطلق؛ لتجفيفه، ومن ثم نصل لمرحلة فرز التين حسب الجودة ليتم تقسيمه لعدة أنواع، حسب الجودة الأول وهو الأفضل والأجود البياضي الزهرة  اما البياضي المطبق فهو أقل جودة، النوع الثالث منخفض الجودة ورديء ويسمى القرقوش أو العلفي، ويستخدم كعلف للحيوانات. وفي النهاية مرحلة تغليف ثمار التين في قوالب متنوعة ومتعددة الحجم، فهناك قوالب تتسع لنصف كيلو غرام من التين، وأخرى أصغر حجماً تتسع لـ 250 غراماً، يتم تغليفها لتصبح جاهزة للتصدير”.

المرحلة الأهم وهي نقل التين إلى الأسواق العالمية. ففي السابق كانت أسواق مصر تستوعب معظم منتوج إدلب؛ ولكن بسبب ظروف مصر الاقتصادية والسياسية بدأ البحث عن أسواق جديدة للتصريف.

يقول أحد تجار مدينة أريحا الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب خاصة: إن صعوبة المواصلات والتنقل خاصة باتجاه مدينة اللاذقية، التي تعتبر بوابة سوريا التجارية عبر المرفأ، دفعتنا إلى أن نتجه نحو تركيا لسهولة عبور البضائع، وافتتاح مكاتب خاصة لنا، ولقرب تركيا من الأسواق الأوروبية، ومن تركيا تبدأ انطلاقة التين باتجاه الدول الأوربية عامةً وألمانيا خاصةً، والتي تعتبر حالياً أكثر دولة مستوردة للتين، بالإضافة لكل من السعودية وروسيا وفرنسا”.