أزمة الدراما السورية

إنتهى شهر رمضان، موسم المسلسلات العربية والسورية بإمتياز، منذ ما يزيد عن الثلاثة أشهر، وبدأ موسم آخر، وشُرع العمل بتصوير مسلسل سوري واحد فقط، رغم ما صرحت به عدد من شركات الإنتاج بأنها تجهز نفسها لإعداد العديد من الأعمال الجديدة. والمسلسل اليتيم كوميدي يحاكي الحياة اليومية للفرد السوري ولكن بعيداً عن التطورات السياسية الأخيرة. ومن الظاهر أن هناك مخاوف وعقبات كثيرة تقف في وجه تحقيق أعمال فنية جديدة في ظل أزمة تعيشها البلاد منذ منتصف الشهر الثالث من هذا العام.

فما دخلته سورية لا يهدد النظام السياسي فحسب، بل وصل إلى المشهد الفني أيضاً لاسيما قطاع الدراما الذي نافس في السنوات الماضية الدراما المصرية التي كانت تعتبر أهم دراما في الوطن العربي. وتصف الناقدة الصحفية سونيا سفر قطاع الدراما السورية بأنه “يغط حالياً في نوم عميق”. هذا النوم له أسباب عديدة. فقنوات وفضائيات عربية ترفض شراء مسلسلات جديدة أو الإشتراك في إنتاجها بسبب موقف هذه الوسائل الإعلامية الرافض من النظام السوري أو بسبب موقف المعلنين الذين يساهمون بإعلاناتهم بشكل رئيسي في تمويل بث المسلسلات. يضاف إلى ذلك أن العديد من مالكي شركات الإنتاج السورية الناشطة في مجال الدراما رجال أعمال مواليين للسلطة ويخضعون الآن لقوانين عقوبات دولية صارمة. عامل آخر هو تردي الوضع الإقتصادي في سورية وذلك لا يشجع رأس المال على القيام بإستثمارات كانت في الماضي القريب تبشر بأرباح كبيرة.

إلا أن الوضع المالي لا يشكل إلا جزء من الصعوبات التي تواجه المسلسلات السورية التي كانت تلقى رواجاً كبيراً من المحيط إلى الخليج. فالإحتجاجات الشعبية وصلت إلى الأوساط الفنية، البعض يؤيد مطالب المتظاهرين صراحة، البعض الآخر لا يدلي بتصريحات علنية وفئة ثالثة تعلن تأييدها للنظام. “بيان الحليب” الذي وقعه العديد من الممثلين والمخرجين والذي إستنكر الحصار الذي فرضته الاجهزة الأمنية والجيش السوري على مدينة درعا مثال على الحراك السياسي بين الفنانين السوريين. وإشترك في التوقيع على البيان الممثلة يارا صبري والممثلة كندة علوش والممثل ماهر صليبي والمخرجة رشا شربتجي وكاتبة السيناريو ريما فليحان والممثلة منى واصف. الإصطفاف السياسي يؤثر وفقاً للممثل “عمر الشيخ” على إنتاج أعمال جديدة وعلى العلاقة بين الفنانين: “بعض الممثلين يرفضون الإشتراك في عمل فني لأن ممثلين آخرين يتخذون موقفاً سياسياً مغايراً مشاركين فيه، وهذا ما يؤدى إلى الكثير من الإشكاليات بالنسبة لشركات الإنتاج التي تخطط لأعمال جديدة”.

ولكن ربما المعضلة الكبرى في ظل الأوضاع الحالية تواجه كّتاب السيناريو. كاتب يرفض ذكر إسمه يقول: “إن أي نص سنكتبه لن يلبي حاجة المجتمع السوري في الوقت الحالي!” وتؤيد الناقدة سونيا سفر ما قاله كاتب السيناريو وتشير إلى صعوبة حصول الأعمال الدرامية على مصداقية الجمهور إذا لم تدخل في تفاصيل حياته اليومية كما يعيشها في هذا الوقت بالذات، وهذا ما إعتاد عليه سابقاً من المسلسلات الناقدة التي كانت تتناول مواضيع إجتماعية مختلفة مثل الفساد أو المحسوبية. ويقول فادي وهو مالك إحدى شركات الإنتاج: “كيف سنعرض مسلسلاتنا ونحن نشهد كل يوم الكثير من عمليات القتل والقمع؟ فالدراما في النهاية مرآة الواقع، وهي الصورة القريبة من الحقيقة التي كنا نعرض من خلالها سلبيات المجتمع وإيجابياته”. ويتساءل المنتج إذا كانت الرقابة الحكومية ستسمح بعرض مسلسلات تتناول ما يحصل في الشارع اليوم.

واعتمدت الدراما السورية في السنوات الأخيرة على البيئة السورية بشكل كامل بعيداً عن الإستوديوهات لتقوم بتصوير أعمالها. أما الآن فإن الكثير من المناطق والمدن في سورية تعيش حالة حصار أمني وعسكري ومظاهرات يومية، وأي عملية تصوير بحاجة إلى موافقات أمنية من جهة، والبحث عن الأماكن الآمنة من جهة أخرى، وهذا كله صعب التحقيق في ظل الظروف الحالية.

ويعجز المنتجون وكتاب السيناريو والفنانون السوريون عن طرح حلول للأزمة التي تواجه الدراما. الممثل عمر الشيخ يرى بأن على الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون أن تقوم بدورها وأن تدعم الأعمال التلفزيونية من خلال شرائها وعرضها والتعاون مع رجال أعمال لتسويقها: “ومن الممكن أن ترخص وزارة الإعلام لعدد من القنوات الخاصة وتشجعها على القيام بالدور الذي ينبغي عليها القيام به، وهو حماية هذا المنتج الوطني الهام ودعمه بعيداً عن المواقف السياسية”.

ولكن من الصعب في ظل الظروف الحالية تصور قيام المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي بأية مبادرة حقيقية. وسيدخل هذا العام إلى تاريخ الدراما السورية بأنه الأكثر سوداوية حتى الآن.