هدى التي خسرت زوجها وولديها لا زالت تحلم

هدى البالغة من العمر 45 عاماً، تتنقل بعينيها بين ثلاثة صور معلّقة على جدار الغرفة، إحداها لزوجها ولابنيها صورتين تحيطان بصورة الأب. تنظر إليّ هدى وتشير إلى تلك الصور قائلة: “ألا يحرقون القلب.”

عبد الكريم السويد، وولديه محمد وجمعة، قضوا في غارة شنتها طائرات حربية على سوق يوم الخميس بتاريخ 28 آب/أغسطس 2012. عبد الكريم كان يملك محلاً للقصابة هناك، ويعمل ولداه معه في المحل. محمد لم يكن قد تجاوز العشرين عاماً، وجمعة يصغره بسنة. وأصبح عبد الكريم ومحمد وجمعة صورا على الجدار. تقول هدى: “طيران النظام خرب بيتي ويتّم أولادي ورماني أرملة. والآن بالإضافة لطيران النظام ها هو الطيران الروسي الذي يخيفنا ليلاً ونهاراً”.

مصيبة هدى لم تكن في خسارة الأرواح فقط، وإنما خسارة مادية أيضاً. فزوجها عبد الكريم كان يحمل معه 600 ألف ليرة سورية لشراء خراف لمحله من قرية جبالا المجاورة لمدينة كفرنبل، وعند وقوع الحادثة لم يبقَ منهم شيئاً، ذهب المال والعيال. هدى الآن معيلة لستة أطفال، ثلاث بنات وثلاثة صبيان. أكبرهم أحمد (17 عاماً). وأصغرهم أسماء (9 سنوات). “أسماء مصابة بمرض السرطان في الأمعاء، وتعاني منه منذ حوالي السنة. مرضها يوقظها في الصباح الباكر على ألم شديد في معدتها يرافقه غثيان وإسهال. وأنا مريضة أعاني من الكلية والشكوى لله” قالت هدى.

نساء ينزحن من منازلهم بعد قصف على حي الأنصاري في حلب. تصوير براء الحلبي

في مدينة كفرنبل يوجد مجلس محلي لمساعدة نساء الشهداء والأرامل والمنشقين، ولكن امكانياته محدودة للغاية. وفي هذا الخصوص تشرح هدى الأمر على الشكل التالي: “يقولون لي أن حالتي فردية، وينبغي شرح وضعي للمنظمات والجمعيات الإنسانية طلباً للدعم والإغاثة لي بشكل خاص”.

أحمد السويد (17 عاما)  إبن هدى الأكبر الآن بعد رحيل أخويه، وجد نفسه رجل الاسرة يقول: “عملت لمدة عام في معمل للبلاستيك، ومن بعد إغلاقه التحقت بإحدى الفصائل المقاتلة على الأرض، ولكني تركتها منذ مدة، وأبحث الآن عن عمل”.

وبينما كنا نستمع لأحمد الذي كان يجلس إلى جانب والدته مخفّفا عليها أحزانها، قاطعتنا إحدى بناتها. كانت تعد لنا القهوة، وقالت: “أمي لم يعد من غاز في القارورة”.  فقالت هدى: “سعر قارورة الغاز اليوم نحو سبعة آلاف وخمسمائة ليرة سورية، فعندما تفرغ من الغاز أشعر بالألم يعتصر قلبي، ويستمر الخوف والقلق حتى شراء قارورة جديدة. كل شيء ينفذ من البيت ينقص من عمري.. قهر وفقر ووجع،  كل هذا في قلبي”.

منزل هدى يبدو بحالة يرثى لها، الجدران المتآكلة، لا وسائل تدفئة ملائمة، وأثاث المنزل يقتصر على الضروريات فقط. ولكن هدى لا تحلم، لم يبقَ لخا سوى الحلم وتقول: “أحلم بشفاء ابنتي، أحلم بإكمال عمارة بيتي، أحلم بقليل من المازوت لمواجهة هذا البرد القارص”.

هبة العبود (24 عاماً) تعمل في المجال الإذاعي والإخباري في راديو فريش. تركت دراسة الأدب العربي في جامعة دمشق قسم الآداب والعلوم الإنسانية بسبب الثورة.

بإمكانكم قراءة هذا المقال باللغة الإنكليزية على الرابط التالي