دمشق تغرق بالظلام: أيام من التقنين الكهربائي
سلام السعدي
(دمشق، سوريا) – بات الأمر يتطلب مزيداً من الصبر والتحمل من قبل سامر (12 عاماً) من اجل متابعة واجباته المدرسية في المنزل على ضوء خافت هو ضوء “الشاحن” الذي ينير كتابه، فيما يغرق المكان من حوله بظلامٍ دامس. يقول الطفل ساخراً: “إنها معاناة حقيقية أن تدرس من دون إضاءة قوية، مع ذلك يقول أبي إننا جيل محظوظ مع وجود الشاحن الكهربائي، إذ لطالما درس هو قبل عقود على ضوء الكاز”. يبدو الغضب واضحاً على أبي سامر(45 عاماً) والذي يقيم مع عائلته المكونة من ثلاثة أفراد في مدينة قدسيا (ريف دمشق)، يقول بنبرة غاضبة: “وكأن مزيداً من الظلام هو ما كان ينقصنا حتى تكتمل فصول تعاستنا”. ويتابع: “ما أن حلّ فصل الشتاء حتى تضاعفت ساعات التقنين الكهربائي لتصل إلى ثماني ساعات أول الأمر، وتضاعفت مجدداً في هذه الفترة حتى وصلت إلى 16 ساعة يومياً”.
منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا في ربيع العام 2011 وحتى اليوم، بات فصل الشتاء يحمل معه انقطاعات طويلة في التيار الكهربائي. الظلام المديد بات يؤرق السوريين وينغص حياتهم، وقد عاد بالجيل الأقدم منهم عقوداَ إلى الوراء، إلى زمنٍ خيمت فيه العتمة على كل سوريا في منتصف التسعينيات قبل سد فجوة العجز الكهربائي من خلال استيراد الكهرباء من تركيا، وبناء محطات توليد جديدة في في نهاية التسعينيات من القرن الماضي.
وتتفاوت التغذية بالتيار الكهربائي بين مناطق دمشق وريفها، لكن تشترك هذا الشتاء بازدياد ساعات التقنين بصورة غير مسبوقة. يقول ربيع (25 عاماً)، وهو موظف حكومي يقيم مع أسرته في منطقة صحنايا: “لقد أصبحت الحياة هنا لا تطاق. تمر علينا أيام بحالها من دون كهرباء، أما الأيام الاعتيادية فتشهد ما بين 15 حتى 20 ساعة تقنين”. ويتهم ربيع الحكومة بـ”التحيز إلى المناطق العريقة والثرية في وسط دمشق” ويتساءل “لماذا لا تحدث الأعطال الكهربائية إلا في المناطق الفقيرة ومتوسطة الحال، أليس هذا إهمال متعمد من قبل الحكومة؟”.
يؤكد لؤي (20 عاماً)، وهو طالب جامعي يدرس في كلية الاقتصاد ويقيم مع عائلته في منطقة البرامكة وسط دمشق، التي تعتبر إلى حد ما حياً راقياً، أن “الكهرباء تنقطع كذلك عن وسط العاصمة ولفترة تتراوح بين ست وثماني ساعات، لكنه انقطاع منظم بعض الشيء، بعكس الانقطاعات العشوائية في ضواحي دمشق”. ويعيد السبب إلى تركز قطاع الأعمال والمؤسسات الحكومية في وسط العاصمة ما يمنع انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، كما يضغط على الحكومة لعدم إهمال الأعطال الكهربائية والمسارعة إلى إصلاحها.
وكانت وكالة الأنباء الرسمية السورية “سانا” قد نقلت عن رئيس مجلس الوزراء وائل الحلقي اعترافه بوجود “صعوبة في تأمين الوقود اللازم لتشغيل محطات التوليد”.
فيما أوضحت وزارة الكهرباء كما نقل موقع “الاقتصادي“، أن “التخريب” الذي طال قطاع النفط والسكك الحديدية أدى لانخفاض الوقود الواصل إلى محطات التوليد إلى 13 ألف طن يومياً. وهو ما خفض من نسبة الكهرباء المولّدة إلى 40 في المئة من حاجة البلاد فقط، فضلاً عن توقف العديد من محطات التوليد التي تبلغ استطاعتها نحو 3500 ميغا واط، وهذا يعادل ما تولده محطات كل من لبنان والأردن.
يتضح من كل ذلك، أن مشكلة انقطاع التيار الكهربائي في سوريا باتت مرتبطة وبصورة وثيقة جداً، بالنزاع المدمر الذي تشهده البلاد والذي يتصاعد يوماً بعد آخر. لذا، لا يبدو أن ثمة حلول على المدى المنظور، وما على السوريين إلا ابتداع حلول جزئية تخفف من معاناتهم، وتمكنهم من متابعة حياتهم وأعمالهم.
تعتمد أغلبية الأسر السورية في مواجهة أزمة الكهرباء على “الشاحن الكهربائي”. وهو جهاز إنارة يعتمد على بطارية صغيرة يجري شحنها في أثناء وجود التيار الكهربائي ليستخدم لدى انقطاعه لمدة ثلاث ساعات، ويباع بكثافة في شوارع دمشق وريفها. يقول لؤي: “يحل الشاحن جزءاً من المشكلة، لكنه سريع العطب، فضلاً عن عدم فائدته في حال انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة متواصلة لا تمكننا من شحن البطارية، وهو ما بات يحدث كثيراً في الأسبوعين الماضيين”. ويتراوح سعر الشاحن الكهربائي بين 300 و1500 ليرة سورية بحسب قوة الإضاءة والجودة، لكن عائلة لؤي تستخدم هذا الشتاء “بطارية سبعة أمبير، ويبلغ سعرها بالإضافة لشاحن خاص بها بين خمسة وثمانية آلاف ليرة، ويؤمن ذلك إضاءة مصابيح المنزل والتلفاز لنحو 8 ساعات متواصلة”. وحول فاتورة الكهرباء يقول لؤي: ” تبلغ الفاتورة في الدورة الواحدة (شهرين) نحو ألف ليرة سورية، وتزيد عن ذلك لدى استخدام الكهرباء في التدفئة وتصل إلى حدود ثلاثة آلاف ليرة”.
أما المحال التجارية، فتستخدم عادة المولدات الكهربائية، إذ “نحتاج إلى إضاءة قوية لجذب المستهلكين”، كما يقول أبو فادي (40 عاماً) وهو صاحب محل ملابس في مدينة جرمانا. يشتكي أبو فادي من زيادة مصاريف الإضاءة إذ “يستهلك المولد الكهربائي نحو ليتر من البنزين في الساعة الواحدة، ما يرتب علينا فاتورة تتراوح بين 12 ألف و18 ألف ليرة شهرياً بحسب تذبذب سعر البنزين وساعات انقطاع التيار الكهربائي”. ويضيف “ارتفع سعر ليتر البنزين بسبب الطلب المتزايد عليه، فضلاً عن شح المادة في الأسواق بعد انقطاع طريق حمص دمشق. ويصل سعر الليتر حالياً إلى 150 ليرة فيما تسعره الحكومة بـ 100 ليرة”. ويحصر أبو فادي آثار انقطاع الكهرباء بالنسبة للمحال التجارية بزيادة التكاليف إذ “لم تتأثر حركة البيع، ربما بالعكس من ذلك، فالناس تخرج من منازلها في ساعات انقطاع الكهرباء، لكن حركة البيع خفيفة أصلاً بسبب الوضع الاقتصادي المتردي”.
هذا ولأن المعاناة مستمرة، فقد انقطع التيار الكهربائي مطلع هذا العام، عن دمشق وكافة مدن جنوب سوريا، بالإضافة إلى مدينتي بانياس وطرطوس، وأجزاء من مدينة حمص. وذلك بعد تفجيرات استهدفت خطين رئيسيين لأنابيب الغاز في سورية قرب دمشق ومدينة حمص بوسط البلاد، بحسب مسؤولين سوريين ونشطاء معارضين.