الكاميرا دليل إدانة ضد الصحفيين في مناطق نفوذ الدولة الإسلامية في العراق والشام
بيروز بريك
تخط الإعلامية ومعدة البرامج المنشقة عن التلفزيون السوري فاتن عجان على صفحتها في “فيس بوك” عبارات الشوق و الدعاء لابنها المصور عبود الحداد، المختطف منذ قرابة الستة أشهر لدى “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، متمنية أن يرجع إليها سالماً بعد أشهر من الترقب و الأمل. عبود الحداد اختطف في أطمة التابعة لمحافظة إدلب وهو يحمل عدة التصوير في طريق العودة إلى تركيا، وانقطعت أية أخبار مؤكدة عنه بالرغم من كثرة الوساطات والرسائل.
حالة عبود ليست الوحيدة. تتوارد أخبار احتجاز الصحفيين تباعاً، وقلما تصل أنباء الإفراج عن أحدهم، وهذا ما يؤرق عشرات المراسلين و المصورين ومعدي الأفلام الوثائقية والتسجيلية، إذ إن اصطحاب أي شخص للكاميرا في مناطق سيطرة “الدولة الإسلامية في العراق و الشام” يعرض مستخدمها لخطر محدق. مجد محمد (اسم مستعار) مصور يقيم في ريف الرقة، يروي كيف تبدلت الظروف بعد إعلان قيام “الدولة الإسلامية في العراق والشام”: “اختلف الأمر كلياً وأصبح بإمكان أي ملثم تابع لهذا التنظيم أن يوقف أي شخص يحمل آلة تصوير، وأن يباشر التحقيق معه وفحص محتوى الكاميرا، وقد وصل الأمر بهم إلى جلد أحد المراسلين أمام الملأ بحجة أنه كان يصور مقرات تابعة للتنظيم، وخلال فترة قصيرة باتت كل شخصية لها نشاط ثوري أو سياسي أو مدني أو إعلامي عرضة للاستهداف…”
زياد الحمصي مصور احتجزته “الدولة الاسلامية في العراق والشام”في تل أبيض ومن ثم حولته إلى الرقة حيث تم احتجازه لمدة 39 يوماً. يؤكد الحمصي أنه لم يكن مستهدفاً لذاته أو لأنه مصور أو إعلامي بداية الأمر، إذ إن معظم القافلة التي كان يسير معها من الحدود التركية باتجاه غوطة دمشق احتجزت من قبل التنظيم. وبما أنه كانت بحوزته معدات تصوير وجهاز انترنت فضائي، فقد حضرت لديهم نظرية المؤامرة بقوة. ورداً على سؤال “دماسكوس بيورو” له عن ماهية التحقيقات هذه أجاب الحمصي”حاولوا التحقق من كل ما يخصني، وبالأخص أماكن تواجدي وعملي، فهم لديهم شك دائم بكون الصحفيين والمصورين عملاء للاستخبارات الدولية، ويقومون بالتصوير وجمع المعلومات لصالحها. وقد وجهوا هذه التهمة لصحفي أجنبي كان محتجزاً لديهم قبل احتجازي”.
تتكرر حوادث التعرض لبعض المصورين أكثر من مرة، وقد يحالفهم الحظ في الإفلات كتجربة صلاح عبدالله (اسم مستعار) وهو مصور كان يرافق بعض كتائب “الجيش الحر”، ويعد التقارير المصورة أثناء العمليات العسكرية في حلب و ريف اللاذقية. تعرض عبدالله لأول موقف مع عناصر من “الدولة الإسلامية في العراق والشام” حين أخطأ البناء المتفق عليه مع عناصر الكتيبة التي يرافقها، ودخل إلى بناء يسيطر عليه عناصر التنظيم، فتفاجأوا بدخوله وهو يحمل كاميرا الفيديو ، فاحتجزوه ولم يستطع الإفلات منهم إلا بعد تدخل قائد الكتيبة. ورفضوا بالمطلق إرجاع بطاقة الذاكرة التي كانت في آلة التصوير. وأنقذه في المرة الثانية مرور سيارة لإحدى الكتائب في جبل التركمان. إذ هرع مسرعاً إليها مستنجداً بالسائق، بعدما حاصره عناصر من التنظيم هو وشاب من المنطقة، حين كانا يعدّان تقريراً عن شح المياه في الصيف.
وتتحدث معلومات أخرى عن عمليات خطف تستهدف الصحفيين وبالأخص الأجانب منهم طمعاً بفدية، وفي هذا المجال يقول فؤاد بصبوص وهو مصور من سراقب في ريف إدلب: “كنت بصحبة صحفيين كنديين في المنطقة الشرقية ضمن قطاع تسيطر عليه العشائر، اعترض بعض أبناء عشيرة في تلك المنطقة طريقنا”. يقول بصبوص إن المسلحين كان بنيتهم خطف الصحفيين و مبادلتهم بقريب لهم سجين في تركيا، ويضيف: “لم يتركونا إلا حين علموا أنني أعرف شيخ عشيرتهم وعلى تواصل معه، حينها خففوا لهجتهم وأسرّوا لي بأنهم كانوا سيلصقون التهمة بالدولة الإسلامية في العراق والشام”.
توجهت “دماسكوس بيورو” بسؤال إلى أيمن مهنا، المدير التنفيذي لـ”مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية (سكايز)” التابع لمؤسسة سمير قصير ، عن دور المؤسسات والمنظمات التي ترصد الانتهاكات بحق الصحفيين في متابعة أوضاع الصحفيين السوريين. يقول مهنا: “هناك عدد من المؤسسات الإقليمية والدولية التي تحاول دعم الصحفيين الذين يغطون النزاع الدائر في سوريا. هذا الدعم قد يأخذ أشكالاً متعددة، من التدريب إلى الدعم المالي إلى تسهيل التواصل مع السفارات للراغبين بالحصول على تأشيرات سفر وانتقال إلى دول أخرى”. وفي ما يختص بالصحفيين الذين يعملون على رصد الانتهاكات لصالح المؤسسات الدولية في داخل سوريا، يعتبر مهنا أن هذا الأمر مرتبط بمستوى الالتزام من جانب المؤسسة بحماية هؤلاء الصحفيين وطبيعة العقد بينها وبينهم. ويقول مهنا “من البديهي أن تؤمّن هذه المؤسسات بدلاً مالياً ملائماً نظراً لخطورة الأوضاع، وأن تقدم للصحفيين أقصى درجات الدعم والتسهيل في حال خروجهم من سوريا”.
عبد الرحمن جلود إعلامي من دير الزور عمل في دمشق وريفها وانتقل في ما بعد إلى الرقة، واضطر لمغادرة الأراضي السورية بعد تحري عناصر “الدولة الإسلامية في العراق و الشام” عن مقر الراديو الذي كان يعمل فيه، وقد دوهم المقر بعد خمسة أيام من مغادرته. ولدى سؤاله عن مسارعته للمغادرة إلى تركيا يستذكر جلود حادثة تعرض لها على يد التنظيم، ويقول: “أوقفني عناصر من “الدولة الإسلامية” في المنصورة، على مشارف مدينة الرقة مدة خمس ساعات لوجود كاميرا معي. لم يطلقوا سراحي إلا بعد توسط “لواء الإسلام”.
يعاني جلود كما زملائه من المصورين و المراسلين الذين لجأوا إلى تركيا، ويسكن عدد كبير منهم في مدن حدودية مثل غازي عنتاب وأورفة، انعدام فرص العمل في ظل الغلاء وصعوبات السكن. وبات قسم كبير بالإعلام و الصحفيين من المراسلين يفضل التوجه إلى المناطق ذات الأغلبية الكردية شمالي سوريا لسهولة حصولهم على التصاريح التي يمنحها “اتحاد الإعلام الحر” التابع للـ”هيئة الكردية العليا” أو إلى مناطق يؤمن “الجيش الحر ” فيها حماية كافية لهم، وهي قليلة جداً.
وما تزال فاتن عجان تنتظر إبنها عبود الحداد وتوجه النداءات ليعود إليها، و تستمر معاناة أهالي وأصدقاء مختطفين ومحتجزين آخرين من الصحفيين وغيرهم، وجميعهم يترقبون أي خبر أو بشارة عن أحبائهم المحتجزين.