أزمة النزوح تتفاقم في جرمانا والجهات الأهلية تحاول أن تمد يد العون
(جرمانا، سوريا) – على مدرّج الملعب البلدي في جرمانا، تجلس عوائل النازحين تنتظر. لن يشاهدوا أي مباراة في كرة القدم ستبدأ بعد وقت قصير، ولكنهم سيدخلون في مباراة خاصة بهم، يتزاحمون خلالها على تسجيل أسمائهم في قوائم المساعدات.
الملعب البلدي هو واحد من مركزين لإيواء النازحين وتوزيع المساعدات في جرمانا، بالإضافة إلى مسجد النور، إذ يشهد المركزان على أزمة النزوح في ريف دمشق التي تستمر بالتفاقم مع استكمال المعارك بين الجيش الحكومي وقوات المعارضة وحلول فصل الشتاء القاسي. وصل عدد النازحين في جرمانا إلى نحو 900 ألف، بحسب ناشطة في مجال الإغاثة، يتوزعون على البيوت والمدارس والأبنية التي لم يكتمل بناؤها بعد، وهذه الأبنية وحدها تحوي نحو 200 عائلة بحسب المتحدثة.
يقول متطوع في “لجنة الإغاثة”، وهي لجنة أهلية من المتطوعين تعمل إلى جانب “الهلال الأحمر”:
“حركة النزوح حركة مستمرة ويومية، نعلم ذلك من خلال العائلات الجديدة التي تأتي إلينا لطلب المساعدة”، مضيفاً أن أغلب النازحين الذين جاؤوا في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر هم من الغوطة الشرقية لدمشق.
وكانت حدة المعارك تصاعدت مؤخراً في الغوطة الشرقية بين الجيش السوري الحكومي مدعوماً بقوات “الدفاع الوطني” و”حزب الله” من جهة، وبين المعارضة المسلحة من جهة أخرى. يحاول متطوعو “الهلال الأحمر” في الملعب البلدي أن يقسّموا العائلات النازحة بحسب المناطق التي أتت منها، ويتولى كل موظف تسجيل أسماء المنطقة المخصصة له.
وعن كيفية الحصول على المساعدة، تجيب جهينة (52عاماً) النازحة من الغوطة التي تنتظر دورها: “يكفي إحضار الهوية أو دفتر العائلة لتسجيل الاسم والحصول على رقم، وبعد ثلاثة أشهر، يتصل بنا موظفو “الهلال الأحمر”، لإعلامنا بأننا حصلنا على المساعدة وأن أسماءنا نشرت في القوائم”.
وتتضمن المساعدة، بحسب جهينة، سلة غذائية تحوي من بين أشياء أخرى كيس برغل، وعلبة زيت، وكيس أرز، بالإضافة إلى فرش وبطانيات وملابس شتوية.
يقول متطوع من “الهلال الأحمر” رفض ذكر اسمه إنه لا بد من فترة الانتظار ثلاثة أشهر، مضيفاً “هناك أدوار ويجب أن نلتزم بها، كل النازحين أوضاعهم صعبة وكلهم مضطرون،لا يمكن أن نساعد نازح على حساب آخر”.
أما عن العائلات التي خرجت في ظروف صعبة، حالت دون أخذ أوراقها الشخصية، يقول المتطوع إن هذه الأوراق ضرورية للحصول على المساعدة من “الهلال الأحمر” وإلا فتتولى “لجنة الإغاثة” مساعدة هؤلاء الأشخاص.
يأتي جزء كبير من النازحين لتسجيل اسمه ويعود إلى المسكن الذي استطاع تأمينه في جرمانا أو جوارها. أما من تبقى منهم، وهم كانوا يشكلون قرابة 68 عائلة وقت إعداد التقرير في بداية كانون الأول/ ديسمبر، فيسكنون غرف الملعب، التي كانت بالأساس معدة للموظفين الإداريين وليس في خيم، ما يخفف عنهم المعاناة من مياه الأمطار، على الرغم من مشكلة الاكتظاظ.
تشتكي أميمة (33عاماً) وهي نازحة من الغوطة، من ضيق المكان المخصص للنازحين في مركز إيواء الملعب البلدي، وتقول: “كل ثلاث عائلات تسكن في غرفة واحدة، الرجال في قسم والنساء في القسم الآخر”.
أحد القائمين على “لجنة الإغاثة” برر ضيق المكان بالقول: “أحياناً يحدث نزوح مفاجئ… فنضطر بنتيجة الضغط إلى وضع عائلة جديدة إلى جانب البقية”.
على عشب الملعب وتحت مظلة صغيرة تحميه من المطر، يحاول عصام (40عاماً) أن يشعل ناراً ليعد وجبة الغداء لأطفاله وأسرته، الذين يسكنون إحدى غرف الملعب بعد نزحوهم من الحجر الأسود. “سنطبخ اليوم برغل بعدس”، يقول عصام.
يشكو عصام نقص المواد الأساسية للأطفال كالحليب والأدوية، ويقول: “الجو بارد، معظم الأولاد يعانون من الرشح، ازدحام العدد في الغرفة يتسبب بانتقال العدوى واستمرار المرض، ويزيد الوضع سوءاً”.
أما التدفئة، فيشكو النازحون قلّتها في مركز الإيواء،لاعتمادها فقط على الكهرباء التي تنقطع حوالي أربع ساعات على الأقل خلال النهار، ما يدفعهم للاعتماد أكثر على التدفئة بالفرش.
في ما يتعلق بوضع الأطفال الصحي، أوضح أحد المتطوعين في “لجنة الإغاثة” أنه لم تسجل أي حالة من حالات شلل الأطفال في مركز الإيواء، وأن جميع الأطفال تم تلقيحهم في مستوصف جرمانا. وأشار المتطوع إلى أن “الحالات المرضية الوحيدة التي سجلت هي حالات يرقان خفيفة ومعدودة تمت معالجتها”. وأضاف: “يوجد سيارة طبية مخصصة للمركز تعطي لقاحات ضد أي مرض سارٍ”. وقد استلم المتطوعون لقاحات من “منظمة الصحة العالمية” في إطار الحملة التي تهدف للوصول إلى 2.2 مليون طفل سوري، بمن فيهم الذين يعيشون داخل المناطق المتنازع عليها ومن لم يتم تغطيتهم في حملة سابقة، وقد وصلت أول شحنة من اللقاحات المقدمة من “الأمم المتحدة” عن طريق “اليونيسيف”، وتضم مليوني لقاح إلى دمشق في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر.
تقديم المعونة الطبية هي جزء من أعمال “لجنة الإغاثة”، التي يعرّفها أحد أعضائها بأنها “لجنة مدنية ذات طابع إنساني” ويضيف: “نحن جزء من المجتمع المدني، لا ننتمي إلى أي حزب أو هيئة سياسية وليس لدينا أي دعم خارجي، هدفنا إنساني بحت غير ربحي،لا أحد من امتطوعين الشباب أوالصبايا يتقاضى أجراً لقاء عمله”.
يبلغ عدد المتطوعين في اللجنة 60 شاب وفتاة معظمهم من جرمانا، لم يكونواعلى معرفة مسبقة ببعضهم البعض. تواصلوا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وجمعهم العمل الإغاثي، فحولوا مبادراتهم الفردية إلى عمل جماعي، بدؤوا به منذ عام ونصف تقريباً، ويتناوبون عليه فيما بينهم بشكل يومي.
تعتمد “لجنة الإغاثة” في مساعداتها على ما تقدمه منظمة “الهلال الأحمر”. بالإضافة إلى ذلك، تتلقى “الإغاثة” التبرعات من الجمعيات الأهلية والعائلية التي تفضل عدم ذكر اسمائها، وفق المصدر السابق، الذي يؤكد أن “لجنة الإغاثة” لا تقبل مساعدات مالية وتحرص دائماً على الحصول على مواد عينية للنازحين، تفادياً لأي اتهام بالفساد المالي.
يقوم شباب وصبايا “الإغاثة” بتأمين الحاجات الغذائية اليومية، مثل الخضار، واللبن، واللحم، مع ما تقدمه منظمة “الهلال الأحمر” من مواد يمكن تخزينها، مثل البرغل والعدس والأرز،لإعداد وجبة غداء يتم تقديمها يومياً لعائلات النازحين، يطلق عليها المتطوعون اسم “تجربة المطبخ”، إضافة إلى وجبة الفطور الصباحية.
تقول إحدى المتطوعات في اللجنة: “نطبخ كل يوم للعائلات الموجودة في مركز الإيواء (في الملعب البلدي) وأيضاً للعائلات الموجودة في جامع النور”.
ويعلق متطوع آخر بالقول: “رغم نجاح تجربتنا إلا أننا لم نصل إلى حد الاكتفاء في مجال الإغاثة” ويضيف: “نتعرض في أحيان كثيرة إلى صعوبات في ما يخص الوجبات، نعاني أحياناً من انقطاع الغاز وانقطاع مواد أساسية، فنضطر إلى تقديم وجبة من صنف واحد، لكننا في كل الحالات نحاول في كل وجبة نقدمها، أن لا يكون هناك زيادة ولا نقصان”.