“جبهة النصرة” و”الدولة الإسلامية”: حرب باردة في الرقة
(الرقة، سوريا) – انتهى عملياً وجود “الجيش الحر” في الرقة، إذ تسيطر على المدينة بشكل رئيسي ثلاثة فصائل سلفية مسلحة هي “حركة أحرار الشام الإسلامية” و”جبهة النصرة” و”الدولة الإسلامية في العراق والشام”. وتتنافس هذه الفصائل على ضم أكبر عدد من الكتائب الأخرى، بما في ذلك المجموعات التي كانت تقاتل تحت راية “الجيش الحر”، التي إما انضم مقاتلوها بالفعل إليها أو غادروا المدينة. ولكن التوتر الأشد هو بين “جبهة النصرة” و”الدولة الإسلامية”، اللذين يتنافسان على تمثيل تنظيم “القاعدة”.
يوم 6 كانون الأول/ ديسمبر، أعلنت “ولاية الرقة” في “الدولة الإسلامية” على موقع “تويتر” اغتيال المسؤول الشرعي لديها عطية مفضي العنزي، وهو سعودي الجنسية، على حاجز لـ”جبهة النصرة”. وسبق لـ”جبهة النصرة” أن اتهمت “الدولة الإسلامية” باختطاف أميرها المعروف باسم “أبو سعد” في أيلول/ سبتمبر.
وكان التنظيمان قد استنفرا بعد بث تسجيل صوتي لزعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري على قناة “الجزيرة” في 8 تشرين الثاني/ نوفمبر. في هذا التصريح، حصر الظواهري شرعية “الدولة الإسلامية” في العراق فقط، في حين اعتبر “جبهة النصرة” ممثلة “القاعدة” في سوريا.
كثّف بعدها الطرفان دورياتهما، كما أقامت “جبهة النصرة” مع مجموعة من مناصريها المدنيين وقفة ترحيبية بقرار الظواهري. واللافت هو إقامة “الدولة الإسلامية” حدث مشابه في المكان ذاته بعد يومين، الأمر الذي يبدو وكأنه “تحدٍ للقرار”، بحسب أحد الناشطين المدنيين الذين شاركوا في احتفال “النصرة”.
التشنج بين “جبهة النصرة” و”الدولة الإسلامية” بلغ أشده في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر، حين حاصر مقاتلون من “الدولة الإسلامية” مقر “جبهة التوحيد” (قصر المحافظ سابقاً) التابعة لـ”جبهة النصرة” وأطلقوا وابلاً من الرصاص في الهواء. دفع ذلك “جبهة النصرة” إلى سحب قسم كبير من مسلحيها من محيط “الفرقة 17” التي لا تزال تحت سيطرة النظام، وإرسالهم إلى المقر المحاصر، لكن عناصر “الدولة الإسلامية” انسحبوا من المكان قبل وصولهم.
هذا الحادث يلي مناوشات عدة بين الطرفين. يقول مصدر إعلامي في مجموعة مقاتلة متحالفة مع “جبهة النصرة”، رفض الكشف عن اسمه، إن ثلاثة عناصر انشقوا في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر من صفوف الأخيرة من منطقة الحمرات ومعهم رشاش عيار 23 ميلمتر وسيارتين من نوع “فان” والتحقوا بتنظيم “الدولة الإسلامية”. بعدها، بحسب المصدر، هاجم العناصر المنشقون ومعهم قوة من “الدولة الإسلامية” حاجز مصنع القرميد التابع لـ”جبهة النصرة” على مشارف المدينة. وقد أكد الحادثة أحد مقاتلي “جبهة النصرة” الذي كانوا متواجدين على الحاجز وقال إن المهاجمين صادروا الأسلحة الموجودة، وأجبروا عناصر الحاجز إما على المبايعة أو ترك العمل العسكري، فبايعهم نحو 15 عنصر في حين أعلن الآخرون ترك العمل العسكري.
في اليوم ذاته هاجم مسلحو “الدولة الإسلامية” حاجز المقلة في الريف الشرقي للمدينة وأجبروا من استطاعوا الإمساك به إما على المبايعة أو إعلان ترك العمل العسكري أيضاً، إلا أن “جبهة النصرة” في الرقة “لم تحرك ساكناً”، كما قال المصدر الإعلامي ذاته، واكتفت بزيارة مسؤولها الشرعي في الرقة إلى مقر “الدولة الإسلامية” محاولاً استعادة ما فقدوه من سلاح، لكن لم يفلح في ذلك.
المكتب الإعلامي في “جبهة النصرة” في الرقة رفض التعليق على أي من هذه التقارير.
كثرت الشائعات عن هجرة عدد كبير من المقاتلين الأجانب في تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى العراق بعد تصريح الظواهري مباشرة، كما كثر الحديث عن انشقاقات داخل التنظيم وانضمامهم إلى “جبهة النصرة”. ولكن المصدر الإعلامي المذكور نفى صحة تلك الشائعات، وقال إن ما حدث هو انشقاق 15 مقاتل أجنبي من “الدولة الإسلامية” في الرقة وانضمامهم إلى “جبهة النصرة” في حلب وليس الرقة.
وقد كسبت “جبهة النصرة” تأييد بعض الناشطين خاصة أن لديها عناصر مرابطين في الخطوط الأمامية التي تحاصر “الفرقة 17″، إضافة إلى عدد من الحواجز حول المدينة وداخلها، فيما يتوزع عناصر تنظيم الدولة فقط في حواجز أمنية حول المدينة وفي المقرات. كما تحاول أن تكسب شعبية عبر إعلانها عبر بيانات عن منع عناصرها من ارتداء الأقنعة لكي لا يتهموا بالخطف، أو التزامها حماية الأقليات ومن ضمنهم المسيحيين. وأغلقت مؤخراً العديد من المكاتب الإعلامية بسبب تكاثر حوادث الخطف التي استهدفت ناشطين واتُهم عناصر “الدولة الإسلامية” بالوقوف خلفها، كما هاجم التنظيم كنيستين في شهر أيلول/ سبتمبر.
في سياق ميداني آخر، دارت حول مجمع مقرات “الفرقة 17″، الذي يقع على بعد ثلاثة كلم فقط شمال المدينة، معركة عنيفة صبيحة الأربعاء 20 تشرين الثاني/ نوفمبر. وأفاد ناشطون إعلاميون مقربون من الكتائب المقاتلة عن سيطرة المهاجمين على مبنى “كتيبة الأغرار” التي تقع مقابل مبنى القيادة حيث يتمركز معظم ضباط الفرقة، بالإضافة إلى محطة الوقود وجزء من مساكن الضباط. واقتصر وجود عناصر القوات النظامية على مبنى القيادة والقسم المتبقي من مساكن الضباط المحاصرة من قبل كل من “أحرار الشام” و”جبهة النصرة” و”حذيفة بن اليمان” التابعة لـ”جبهة الأصالة والتنمية” الإسلامية، حيث يسيطر مقاتلو المعارضة على أكثر من نصف مساحة مجمع مقرات الفرقة، التي تبلغ حوالي 5 كيلو متر مربع، بحسب المصادر نفسها.
تتعرض مدينة الرقة لعدد من الغارات الجوية بين الحين والآخر وذلك منذ سيطرة المعارضة على المدينة في آذار/ مارس 2013. تستهدف معظم الغارات أماكن سكنية للمدنيين وخاصة الأماكن المجاورة لمقرات الكتائب المعارضة، وقد شنت طائرات القوات الحكومية ثماني غارات في كانون الأول/ ديسمبر، قتل جراءها أكثر من عشرين شخصاَ بينهم أطفال ونساء، كما أفاد ناشطون من الرقة.
وسقط على المدينة عدد من صواريخ أرض-أرض في ثلاثة أيام متتالية في تشرين الثاني/ نوفمبر، كان أكثرها تدميراً الصاروخ الذي ضرب المدينة في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر. خلّف الصاروخ 40 شهيداً وعشرات الجرحى من المدنيين ومسح “الفرن السياحي” وسوق الهال التاريخي بالكامل، ما دعا كثير من الناس إلى الاعتقاد أن الصاروخ من نوع “سكود” نظراً لقوته التدميرية.