نساء سوريات يتحدّين الصورة النمطية للاجئات في مخيم الزعتري
ميليا عيدموني
(مخيم الزعتري، الأردن) – ظروف الحياة القاسية والتحديات التي تواجهها النساء السوريات في مخيم الزعتري لم تقف عائقاً أمام أم جمال (39 سنة) المعيلة الوحيدة لأطفالها بعد أن تركها زوجها مع خمس بنات وإبن يبلغ من العمر 17 عاماً، وقرر الزواج مرة ثانية والعودة إلى سوريا.
رغم هذه الظروف الصعبة، قررت أم جمال تحسين مهاراتها الاجتماعية عبر الاشتراك في دورات توعوية تقدمها المنظمات الإنسانية في المخيم، وهي تحاول أن تدعم السيدات الأخريات اللواتي يعشن في شارعها، عبر مشاركة ما تعرفه عن مشاكل النساء، لا سيما مخاطر الزواج المبكر.
ويقع مخيم الزعتري على بعد حوالي 12 كيلومتراً من الحدود السورية ويعد ثاني أكبر مخيم للاجئين في العالم بعد مخيم داداب شرقي كينيا ورابع أكبر مدينة في الأردن. تم تقسيم المخيم إلى مربعات وشوارع وكل شارع يضم 250 عائلة وسطياً، تؤلف أكثر من 110,000 لاجىء نصفهم من النساء، يعشن في ظل الخوف من التحرش الجنسي ويواجهن صعوبة في الحصول على الخدمات الأساسية والتمتع بمستوى معيشي كافٍ، بحسب تقرير لـ”منظمة العفو الدولية” صدر في تشرين الأول/ أكتوبر، بالإضافة إلى الضغط النفسي الناجم عن صعوبة التأقلم في هذه البيئة الجديدة.
تسترجع أم جمال ذكريات رحلتها الأليمة من درعا إلى الأردن، بعد وفاة رضيعها المريض، قائلة: “خسرت طفلي ذا السبعة أشهر على أبواب أحد مشافي درعا بعد أن انتظرت عدة ساعات على حواجز النظام في محاولة لإسعافه، ولكن وصلت إلى المشفى وقد فارق الحياة”.
العائلة لم تكن تعرف الصعوبات التي تنتظرها في الأردن بعد أن هربت طلباً للأمان، وتضيف أم جمال: “في سوريا كان منزلنا كبيراً، أصبح وضعنا أصعب ونعيش في مقطورة وسط الصحراء”.
خبرة أم جمال في التمريض لم تمنعها من استكشاف وسائل أخرى متاحة لكسب رزقها، فقررت أن تستغل المقطورة الصغيرة التي تشغلها مع أطفالها لتفتح صالون تجميل في زاوية منها، لتستطيع تأمين متطلبات العائلة والعيش بكرامة. وعن فكرة الصالون، الذي أسمته على اسم ابنتها ذات الخمس سنوات ليندا، تقول: “لدي خبرة متواضعة في الماكياج وقص الشعر، وقد أتت الفكرة من عدم كفاية ما تقدمه المنظمات الانسانية لنا وتلبية لاحتياجات الأطفال”.
تكسب أم جمال ما يقارب 50 دولار لتجهيز العروس من تصفيف شعر ومكياج إلى استئجار فستان العرس، وتقول “في البدء كنت أعتمد على تصفيف الشعر، ومع ارتفاع نسبة الزواج في المخيم قررت توسيع الصالون وفتح قسم لتأجير ملابس السهرة البسيطة، قمت بشرائها من السوق الرئيسي في المخيم والبعض الآخر كأدوات التجميل والحلاقة طلبتها من خارج المخيم”.
وتوضح أم جمال ان ما تكسبه من الصالون واعتمادها على المساعدات الغذائية والعينية من المنظمات الإنسانية داخل المخيم لا يكفي لتأمين الاحتياجات الأساسية لأولادها التي تكلف حوالي 300 دولار شهرياً، لضمان حياة كريمة داخل المخيم. وتعبّر أم جمال عن خوفها من توقف العمل مع قدوم فصل الشتاء ورغبة العديد من اللاجئين بالعودة إلى سوريا أو الاستقرار خارج المخيم.
تختصر أم جمال أحلامها المستقبلية بالقول: “أتمنى العودة لسوريا وإكمال تعليم أولادي، سوريا روحي”.
بدورها خسرت تهاني (22 عاماً)، مستقبلها الدراسي وهي طالبة في سنتها الثانية في كلية الإعلام، عندما قررت عائلتها الهروب من درعا واللجوء إلى الأردن العام الماضي. وبعد أن أمضت ما يزيد عن الأربعة أشهر بعيداً عن جامعتها وحلمها في إكمال تحصيلها العلمي، قررت الانضمام لنشاط تدريبي جمع أكثر من 30 فتاة سورية بين 17 و25 سنة من عمرهن لمناقشة التحرش الجنسي وتنظيم الأسرة وكيفية التعامل مع الأهل ومقدمي الخدمة في المخيم. فتح هذا التدريب أمام تهاني، وبحسب قولها، باب الانضمام للعمل التطوعي مع العديد من المنظمات الدولية المتواجدة في المخيم، وهو الأمر الذي لم تعتد عليه في سوريا، وفتح مداركها لأفق جديد. فهي الآن تقوم بتفريغ طاقاتها الإبداعية عبر تأليف مسرحيات وكتابة أغانٍ قام الأطفال بتلحينها وغنائها في عدة فعاليات في المخيم، وأكسبها خبرة في التدريب، التواصل وإيصال المعلومة بطرق جديدة للنساء من مختلف الأعمار.
تقول تهاني: “أشعر بالرضا من خلال مساهمتي في تدريب النساء في المخيم على الحرف اليدوية والتطريز وتوعيتهن بحقوقهن. سعادتي لا توصف عندما أرى منتجات النساء والشابات اللواتي تدربن معي معروضة للبيع في الأسواق الخيرية”.
بالإضافة إلى هذا النشاط الاجتماعي، انضمت تهاني لدروس التقوية في اللغة الانكليزية، على أمل الحصول على منحة دراسية خارج الأردن لمتابعة دراستها وتحقيق حلمها بأن تصبح رئيسة تحرير مجلتها الخاصة.
لبنى عبد الكريم مدربة مستقلة في مجال المساواة بين الجنسين ومهارات الحياة، شاركت في تدريب ما يزيد عن 1000 امرأة في مخيم الزعتري على مدى عام. تقول عبد الكريم إن هذه النشاطات “تقتل الملل والحياة الرتيبة التي تعيشها النساء في المخيم”، وتمكنهنّ من إنشاء مشاريع إقتصادية صغيرة وإداراتها بشكل مستقل في حال قررن العودة إلى سوريا.
توضح عبد الكريم أن إحدى الصعوبات كانت رفض الرجال انضمام النساء لأي عمل تطوعي مع المنظمات الدولية بحجة الخوف عليهن، ولكن تم التغلب على هذا الأمر إلى حد ما من خلال جلسات لتوعية البيئة المحيطة بالنساء بأهمية هذه النشاطات للعائلة.
واحدة من المشاكل والتي أخذت تغطية إعلامية كبيرة هي الزواج المبكر. ويشير تقرير لمنظمة “يونيسف” صدر في حزيران/ يونيو إلى وجود حالات زواج بنات تحت سن 16 (السن القانونية للزواج في سوريا)، لا سيما بسبب قانون الكفالة في الأردن، الذي يتيح للأفراد الخروج من المخيم بعد وجود ضمانة من شخص أردني. إلا أنه في المقابل، وبحسب التقرير، يسجل رفض العائلات تزويج بناتهن من رجال أردنيين ومن جنسيات أخرى لا يبدون الاحترام الكافي لهن.
وتقول أم جمال، صاحبة صالون التجميل، إن حالات الزواج التي تشهدها هي لفتيات أعمارهن بين 17 و19 عاماً.
وتشير لبنى عبد الكريم إلى أن الإعلام لعب دوراً سلبياً في تغطية ظاهرة الزيجات المبكرة والتركيز على المهر المتدني والزواج من عرب وامتهان الدعارة، عوضاً عن التركيز على الأسباب التي دفعت الأهالي للإقدام على تزويج بناتهن في سن صغيرة.
تقول عبد الكريم إن خوف العائلات على بناتهن لا يقلل من جدية المخاطر المصاحبة للزيجات التي تتم في المخيم، لا سيما وأن معظم الزيجات بين اللاجئين السوريين في الأردن، وخصوصاً في الزعتري، غير مسجلة رسمياً. وهو بحسب رأيها انتهاكاً لحق من حقوق المرأة، ويؤثر سلباً على قدرة تسجيل المواليد الجدد والحصول على الخدمات التي توفرها المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وتشكك عبد الكريم بإمكانية دوام هذه الزيجات لأنها، كما تقول، غالباً ما تتم دون موافقة الفتاة، ويضاف ذلك إلى عدم نضج الزوجين لصغر سنهما.