مزامير الأسد: وعود الليل يمحوها الرصاص
سعد شامي
بخلاف ما تقتضيه الأصول في مثل الوضع السوري الراهن، والواجب خلاله على رئيس الجمهورية توجيه كلمته للشعب، وجّه الرئيس السوري بشار الأسد كلمة إلى الحكومة الجديدة، وكان قد سبقها خطاب وجّهه إلى مجلس الشعب، الأمر الذي يمكن فهمه كنكران ضمني للشعب السوري كوجود حقيقي، بل كوجود سياسي مستجد على الساحة السورية السياسية الداخلية. وذلك رغم أن الرئيس يتحدث في بداية خطابه عن لقائه فعاليات ووفود سورية عديدة خلال أسبوع كامل، مما يكشف عن أزمة في التفكير، عميقة ومتأصلة في بنية النظام السياسية والعقائدية.في كلمته الثانية، خلال أقل من شهر، قدّم بشار الأسد وعوداً كبيرة كان أهمها على الإطلاق إلغاء قانون الطوارئ خلال أسبوع، الأمر الذي عزّز تصريحات تركية حول إلغاء قانون الطوارئ في سورية مطلع شهر أيار/مايو، لكن اشتراط الأسد وضع قوانين بديلة عن قانون الطوارئ ربما يكون أسوأ، إذ ينسف جدية إلغاء هذا القانون.
الخطاب جاء بمناسبة بدء الحكومة السورية الجديدة أعمالها، وبدا الرئيس حريصاً على تكليف حكومته الجديدة هذه بإصدار قوانين تمهد لإلغاء قانون الطوارئ. ولاحظ أن أجهزة الأمن الداخلي في بلاده ليست مؤهلة لمواجهة الحالة الجديدة في سورية، والمتمثلة في التظاهرات الشعبية، وأنه لا بد من إعادة هيكلة وتدريب هذه الأجهزة لحماية المواطنين والممتلكات، بحسب تعبيره.
تحدث الرئيس أيضاً عن الكرامة والعدالة ومكافحة الفساد، وعن قوانين جديدة مثل قانون للتظاهرات وآخر للأحزاب والإدارة المحلية أيضاً، لكنه لم يتحدث عن وقف الإعتقالات أو إطلاق سراح المعتقلين أو الحد من سلطة الأجهزة الأمنية مثلاً.
الرئيس السوري يعترف أنه لا يمكن لأي حكومة جديدة أن تنجح من دون دعم الشعب، والشعب السوري قال كلمته بحق الحكومة الجديدة عبر إطلاق شعارات رافضة لها ومستهزئة بها، “طظ تانية بالحكومة التانية” أطلقها متظاهرون في حمص وغير مكان من سورية.
يعترف الرئيس أن العالم يتطور كل أسبوع، ومع ذلك كل شيء يعود إلى الوراء في سورية وهو ما يرفضه الرئيس في عبارة لاحقة. يتحدث عن الثقة التي بدأ المواطن يفقدها بمؤسسات الدولة، وعن الشفافية الكاملة مع المواطنين لاستعادة هذه الثقة، متجاهلاً الحقيقة كعادته، ومتحدثاً “من فوق الأسطوح” كما يقول المثل السوري، إذ أن الثقة مفقودة بالنظام منذ عقود ولا توجد مؤسسات في سورية، بل مزارع تديرها مجموعة من أقاربه وأزلامهم، مع فرق كاملة من البلطجية في سترات رسمية فاخرة. كما أن الشفافية ممنوعة بالمطلق، فالخوف والصمت كانا سمتي المجتمع السوري طوال عقود بفضل أجهزة الأمن التي تبطش بكل من يتجرأ على إبداء رأيه بالنظام أو على فضح الفاسدين.
يرغب الرئيس بالوحدة بين الشعب والدولة، ويعتقد أن السبب في غياب “الوحدة” هو غياب التواصل. لا شك أن الرئيس يعيش أزمة نفسية بعد الأحداث الأخيرة، وهو يحلم بالعودة إلى وحدة مع الشعب يكون فيها المتكلم الوحيد والشعب صامت باستمرار. وهو يعتقد أن التواصل بينه وبين أعضاء مجلس الشعب والوزراء ورؤساء العشائر ووفود أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية في المحافظات، إضافة إلى وفود المنظمات الشعبية التي تأسست في عهد والده، سيحقّق هذه الوحدة، فيما يصمّ أذنيه عن أصوات إطلاق الرصاص على المتظاهرين العزّل في الشوارع. فهذا هو التواصل الذي يفهمه النظام: التواصل مع الشعب بالرصاص، لتحقيق “الوحدة بين الدولة والشعب”… الوحدة المعمّدة بدماء الأبرياء؟
لم يرحب الشعب السوري بالخطاب. بل نزل الكثيرون إلى الشوارع، في درعا ودوما وبانياس والجولان المحتل، ليعبروا عن استنكارهم لهذه الوعود. السوريون يريدون إجراءات فورية على الأرض، ولا يحتاجون إلى المزيد من الوعود والأكاذيب التي تصيبهم بالإحباط وترفع مستوى النقمة الشعبية إلى أقصى حد.
يعتبر الرئيس كل من سقط في التظاهرات شهيداً، بمن فيهم رجال الأمن. لكنه لم يقدّم إعتذاراً عن الجرائم المرتكبة من قبل قوات الأمن بحق المتظاهرين، لا سيما في مجازر درعا ودوما، الأمر الذي يفسّر سبب إستمرار إطلاق النارعلى المواطنين.
الشعب السوري يريد إجراءات على الأرض تتحدث تلقائياً عن نفسها، كالحد من سلطة وبطش الأجهزة المخابراتية باتجاه إلغاءها في النهاية، ووقف إطلاق النار على المتظاهرين، ووقف النهب، ومحاكمة القتلة واللصوص ووضعهم في السجون، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ووقف الحملة التي يقودها الإعلام السوري والتي تحرّض السوريين على بعضهم البعض، وبالتالي على القتل بشكل غير مباشر.