سوريون جرحى يموتون خلال إسعافهم إلى الحدود التركية
هزاع العدنان
(كفرنبل، سوريا) – قبل حوالي أربعة أشهر أسقطت إحدى مروحيات الجيش السوري برميلاً متفجراً فوق حي سكني في كفرنبل. الحصيلة كانت أربعة قتلى على الفور، امرأة ورجل وطفلان، وسبعة جرحى، أحدهم الطفل خالد القاسم (8 سنوات).
حمل عامل البناء محمد القاسم (40 عاماً) ابنه خالد الملطخ بالدماء، وطلب من أحد السائقين أن ينقله بسرعة إلى مستشفى “الحكمة”. بعد حوالي ثلاث دقائق كان الابن في غرفة الإسعاف. قام الطبيب المختص بالجراحة العامة عبد الإله الإسماعيل بتنظيف جروحه الخارجية، ثم نصح بإسعافه إلى مشفى “أورينت” في بلدة أطمة، عند الحدود السورية-التركية. لأن إحدى الشظايا نفذت إلى الدماغ، وعلاج ذلك يتطلب معدات غير متوفرة، لا في مشفى دار الحكمة، ولا في مشافي المنطقة.
صعد الأب مع ابنه في سيارة إسعاف تابعة لـ”مكتب الإسعاف الخارجي في كفرنبل”، قاصداً بلدة أطمة. “لم تكن سيارة الإسعاف مجهزة بجهاز تنفس صناعي!” قال الأب بانفعال، وأضاف: “أطباء مشفى “أورينت” الحدودي أجمعوا على أن الطفل تعرض لنزف داخلي شديد، في فترة إسعافه، قللت من فرص نجاته”.
وفي اليوم التالي عاد محمد القاسم ليدفن ابنه خالد في إحدى مقابر كفرنبل.
في ريف إدلب الجنوبي يتم إسعاف الجرحى ممن هم بحال الخطر، إلى مشافٍ عند الحدود التركية السورية، رغم وجود 11 مشفى عاملاً في هذه المنطقة، إلا أن هذه المشافي تضم حوالي 40 طبيباً فقط، بينما يقدر عدد سكان هذه المنطقة بأربعمئة ألف نسمة. تشهد هذه المنطقة قصفاً مستمراً من جانب القوات الحكومية، بسبب سيطرة أكثر من عشر مجموعات من المعارضة المسلحة عليها.
في مشفى “دار الحكمة” في كفرنبل، وهي إحدى مدن ريف إدلب الجنوبي، يعلل الطبيب رفعت فرحات (34 عاماً) إرسال الحالات الحرجة إلى مشافي الحدود التركية-السورية بنقص المعدات والكوادر الطبية في مشافي المنطقة. ويلفت فرحات إلى حاجة معظم هذه المشافي إلى أطباء أخصائيين في جراحة الأعصاب وعدة الجراحة العصبية، وأجهزة التنفس الصناعي، بالإضافة إلى نقص أجهزة التصوير الطبقي المحوري، والرنين المغناطيسي وأجهزة التنظير القوسي، وهي كلها أجهزة تستعمل لتشخيص الإصابات الخطيرة بدقة.
لكن وصول هذه الأجهزة والمعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة بات صعباً جداً، لأن معظم شركات الأجهزة والمعدات الطبية تمتنع عن العمل في هذه المناطق، باعتبارها غير آمنة، بحسب ما أشارت إليه عائشة عبد المجيد وهي صاحبة مكتب للأجهزة والمعدات الطبية في معرة النعمان، ووكيلة شركة “تبس” التركية، المختصة بتأمين الصفائح والبراغي والأسياخ الطبية. وأضافت عبد المجيد أنه لا يوجد لديها أي من المعدات المطلوبة الآن، وبأن صعوبة وصولها تزيد من سعرها. ويعاني قطاع الأدوية بدوره من الشح، وخاصة أدوية التخدير والأمصال، بحسب الصيدلاني زاهر البكور (40 عاماً)، الذي يعمل في “الصيدلية المركزية” في كفرنبل.
وتنشط بعض المنظمات الإغاثية لتوفير الدعم الإنساني والمساعدات الطبية المجانية لهذه المنطقة ومن بين هذه الجهات “Medical Relief For Syria” و”اتحاد المنظمات الطبية الإغاثية السورية“.
الرحلة من ريف إدلب الجنوبي إلى الحدود التركية السورية تستغرق ساعتين على الأقل، ومسافتها تزيد على 120 كيلومتراً، بحسب المسعف في “مكتب الإسعاف الخارجي” في كفرنبل ابراهيم الشرتح (41 عاماً). ويقول الشرتح أن هذه الرحلة يموت فيها أشخاص، كان من الممكن إنقاذ حياتهم، أو يصابون بإعاقات دائمة، كان من الممكن تلافيها، لو كانت مشافي المنطقة مؤهلة تأهيلاً كافياً. وأشار الشرتح إلى أن المشافي الحدودية التي ينقلون الجرحى إليها هي مشافٍ خيرية. وذكر أهمها، وهي: مشفى “أورينت” في أطمة، ومشفى رأس الحصن، ومشفى باريشا للعيون، والمشفى الكويتي في عقربات، ومشفى باب الهوى.
يتولى “مكتب الإسعاف الداخلي والخارجي في كفرنبل وريف المعرة الغربي” الجزء الأكبر من أعمال الإسعاف، ويشمل عمل هذه الهيئة مناطق ريف إدلب الجنوبي، ريف حماة الشمالي وريف اللاذقية الشرقي. يقول مدير “مكتب الإسعاف” بدر الرسلان (45 عاماً)، أن الأخير أسعف “على الأقل، ثلاثة آلاف ومئتي جريح، من هذه المناطق إلى المشافي الحدودية، في السنتين الأخيرتين”. لافتاً إلى أن “أكثر من خمسين جريحاً قضوا خلال الرحلات الإسعافية هذه”. وأشار إلى أن المكتب الذي يتلقى الدعم من منظمة Medical Relief For Syria يملك ثلاث عشرة سيارة إسعاف فقط، وهي غير مجهزة كما يجب، ولكنها جميعها تعمل. ويعمل لصالح المركز أكثر من خمسة عشر مسعفاً، ستة منهم فقط يحملون شهادات معترف بها دولياً، والباقي خضعوا لدورات محلية لأيام قليلة، وتطلق عليهم صفة مساعد ممرض أو منظف.
تم إسعاف الشاب محمود الحسن (19 عاماً)، من مشفى دار الحكمة في كفرنبل إلى مشفى “أورينت” في أطمة، قبل حوالي شهرين، حيث نزعت منه شظية في الكبد وشظيتان من الجهاز البولي. ولكنه تمنى لو أن أطباء المشافي الداخلية كان بإمكانهم القيام بذلك، لأنه عانى من الألم الشديد على الطريق الوعر من كفرنبل إلى تركيا، وقال: “أحسست بالموت، وتمنيته أحياناً”.
المقاتل في “لواء صقور الشام” المعارض، بلال الهزاع (20 عاماً)، أصيب منذ حوالي شهر في معركة حول مدينة أريحا، وأسعف إلى مشفى حدودي، أكد أيضاً صعوبة الطريق، وقال: “السفر إلى هناك بحد ذاته معاناة”.
طبيب سابق في المشفى الوطني لمعرة النعمان، فضل عدم ذكر اسمه، يحمّل النظام جزءاً كبيراً من المسؤولية عن اضطرار العاملين الطبيّين نقل المصابين إلى الحدود التركية، لأنه يمنع إسعاف المصابين في هذه المناطق إلى مشفى إدلب الوطني، المجهز لاستقبال كافة الحالات.
أما الممرضة أماني (اسم مستعار)، والتي كانت تعمل أيضاً في مشفى معرة النعمان الوطني، فتحمِّل المعارضة المسلحة الجزء الأكبر من المسؤولية، لأنها سمحت للصوص بسرقة الأجهزة والمعدات الطبية من هذا المشفى، بعد سيطرتها عليه، موضحة بأن ذلك المشفى “كان معداً لاستقبال أشد الحالات حرجاً، في أوقات السلم والحرب”.