جرمانا: الموقف الرمادي والواقع الدامي
كرم منصور
ملاحظة: قام فريق التحرير بتغيير أسماء المتحدثين حفاظاً على سلامتهم
(جرمانا، سوريا) – تسيطر أجواء الخوف والقلق على سكان مدينة جرمانا بعدما أصبحت من أكثر البلدات السورية عرضةً للاستهداف بالسيارات المفخخة، حيث بلغ عدد التفجيرات التي استهدفت المدينة منذ سنتين ونصف 18 تفجيراً ذهب ضحيتها أكثر من ثلاثمئة شخص بحسب شعبة “الهلال الأحمر” في جرمانا.
التفجيرات التي وقعت في المدينة لم يكن هدفها مراكز عسكرية، كان أسوأها تفجير حي التربة الذي استهدف موكب تشييع في 28 أب/أغسطس من العام الفائت 2012 إضافة إلى تفجير 28 تشرين الثاني/ نوفمبر من نفس العام والذي بلغ عدد ضحاياه 80 شخصاً، حيث يعد أكبر تفجير بسيارة مفخخة يستهدف مدنيين منذ بداية الأحداث قبل عامين ونصف العام.
أعقبه تفجير مزدوج في ساحة السيوف في 25 تموز/ يوليو قتل فيه أربعون شخصاً، وتفجير في 6 أب/ أغسطس وراح ضحيته 18 شخصاً وجرح 128 حيث وقع في شارع رئيس بمحيط ساحة السيوف. وأدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن بعض المناطق، ، فضلا عن أضرار مادية كبيرة.
الإنفجارات جعلت سكان البلدة يأخذون كل أسباب الحذر في التعامل مع أي سيارة أو حافلة يشكون بها ويراقبون أي شخص يشتبهون به.
سوسن مرشد التي أصيبت بجروح جراء الإنفجار الأخير تقول “كنت عائدة إلى منزلي القريب من ساحة السيوف قبيل وقت الإفطار، توقفت سيارة أجرة صفراء اللون على بعد عشرين متراً وترجل السائق منها. ما إن دخلت إلى المتجر أشتري بعض الحاجيات حتى انفجرت السيارة ولم أر إلا المكان وقد أصبح جهنم من حولي، أصبت في رأسي وساقي والحمد الله أنني كنت داخل المحل، والآن أصبحت أخشى الخروج من المنزل أو المشي في الأماكن المزدحمة”.
وأقيمت العديد من المربعات الأمنية التي تمنع دخول السيارات إليها، وخصوصاً حول الأماكن الدينية التي يرتادها سكان البلدة.
ويقول سعيد الأطرش المسعف في الهلال الأحمر “الناس أصبحت تخشى التواجد في الشارع لغير ما هو ضروري، ولا سيما مساءً، فمن فترة لأخرى، تسمع أصوات اشتباكات ليلاً في الغوطة، بعضها يمكن وصفه بالعنيف يتخلله أصوات انفجارات الأمر الذي يزيد من خوف السكان خوفاً”.
التفجيرات الدموية كانت سبباً من أسباب الإحتقان الشعبي ضد النظام، وتسليم عدد من أفراد اللجان الشعبية أسلحتهم والعودة لبيوتهم حيث يقدر عددهم بأربعين مسلحاً من أهالي المدينة، بحسب صالح يحيى (28 عاماً) حيث يقول “سلمت سلاحي أنا وعدد من رفاقي. لا أعلم من يقوم بالتفجيرات لكنني على يقين أن السيارات المتفجرة التي تهز المدينة لا تمر عبر الحواجز، وطالبنا أكثر من مرة بأجهزة كشف متفجرات عند أبواب المدينة كان رد ضباط الأمن أن هذه الأجهزة مكلفة ولاطاقة للدولة على شرائها.
ويضيف يحيى “قمنا نحن وعدد من وجهاء البلدة بشراء هذه الأجهزة على حساب مال الوقف، والآن تم تركيب الأجهزة ولكن هناك الكثير من السيارات لا يتم فحصها ولذلك قررت ترك اللجان واعتكفت بمنزلي”.
تبعت انفجارات جرمانا الأخيرة حملة اعتقالات نفذتها قوات الأمن النظامية استهدفت زعماء مجموعات اللجان الشعبية في جرمانا، حيث قامت عناصر من الحرس الجمهوري بحسب ناشطين، باعتقال اثنين من المسؤولين عن الحواجز، إضافة إلى عدد من العناصر على رأسهم كما ذكر الناشطون حسين شعيب “زعيم الشبيحة” في المنطقة، ليبقى سبب الاعتقال مجهولاً مع استمرار حالة القلق والتوتر التي تسود البلدة.
لم تخض جرمانا، وأغلب سكانها من الدروز والمسيحيين، غمار العمل المسلح ضد النظام كسائر بلدات الغوطة المجاورة لها، بالرغم من وجود العديد من المعارضين في جرمانا، الذين خرجوا في عدة مظاهرات ضد النظام منذ انطلاق الاحتجاجات.
المدينة حاولت لوقت طويل عدم مناصبة العداء لجيرانها الثائرين وذلك من خلال أعمال الإغاثة واستقبال عدد كبير من أهالي الريف الدمشقي الذين تعرضوا للقصف والتهجير.
الحالة التي تسود جرمانا هي أفضل الممكن في ظل حالة الحرب التي تعيشها البلاد، بحسب أبو المجد (64عاماً)، وهو معارض ومعتقل سياسي سابق من وجهاء المدينة حيث يقول:
“جرمانا وكسائر مناطق الأقليات لم تنخرط بالثورة بشكل كامل لأنه ليس لها القدرة على تحمل التكلفة الكبيرة التي تعانيها المناطق الثائرة، وعندما تتعرف على أبناء البلدة عن قرب ترى أن هناك أناس مع النظام وهناك أشخاص ضده ولكن بالمقابل لدينا موقف أخلاقي فجرمانا تحتضن أكثر من ثمانين ألف لاجئ ، وعائلات “الجيش الحر” تقيم في البلدة مذ أن بدأ قصف النظام لمناطقهم”.
وبحسب بعض أبناء البلدة هناك عدة هيئات تعمل لمساعدة النازحين، منها “هيئة العمل الأهلي في جرمانا” ولجنة الإغاثة إضافة إلى العديد من مبادرات الناشطين الفردية. وكان مشايخ المدينة من طائفة الموحدين الدروز أصدروا بياناً حثوا فيه على المساعدة في الأعمال الإغاثية وتقديم العون للأسر المهجرة. كما ندد المشايخ بمقتل شاب خلال حادثة هجوم شنها بعض أبناء البلدة على مدرسة كان يلتجئ فيها نازحون، وأعلنوا “الرفض القاطع للإنجرار إلى أي فتنة أو ضغينة بين أبناء الوطن الواحد تحت أي مسمى أو أي اعتبار”.
ويشير البعض إلى أن بلدة جرمانا وبخلاف ما يشاع عن وقوفها إلى جانب النظام فالعديد من شبانها التحق بصفوف “الجيش الحر” وتشكيل كتيبة أحفاد بني معروف. هذه الأسباب مجتمعة شكلت سبباً أبقى البلدة إلى حد ما بعيدة عن الصراع الدائر في المنطقة، فلم تصنف ضمن المناطق المعادية للثورة.
يجمع ناشطو جرمانا على أن الموقف السياسي والواقع الدموي الذي تعيشه البلدة لا يمكن الخروج منه إلا بحل سياسي يشمل الوطن بجميع أطيافه ومكوناته.